مصطفي جودة يكتب: المناظرة المأساوية

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

ستجرى الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة يوم الثلاثاء الموافق 5 نوفمبر 2024. فيما مضى كانت تجرى ثلاث مناظرات بخصوصها بين المرشحين للرئاسة وتبدأ بعد انتهاء مؤتمري الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري اللذين يعقدان عادة فى أواخر يوليو وبداية أغسطس، حيث تتم عملية اعتماد اختيار مرشح كل حزب. اختلف الأمر هذه المرة وتم الاتفاق على أن تكون هناك مناظرتان فقط، الأولى بتاريخ 27 يونيو، والثانية بتاريخ 10 سبتمبر 2024.

عبر 90 دقيقة جرت المناظرة الأولى بين المرشحين الرئاسيين جوزيف بايدن ودونالد ترامب فى جو مشحون بالتوتر والانتظار وخصوصا بين الديمقراطيين حول الأداء المنتظر للرئيس بايدن الذى أخاف الجميع خلال الشهور القليلة الماضية بعدم تركيزه وإظهاره خللا كبيرا فى التفكير كلما تكلم أو صرح.

قبل المناظرة كان هناك توقع أنها ستكون أهم مناظرة رئاسية فى التاريخ. ظن الجميع أنها ستكون فرصة كبيرة للرئيس بايدن لكسب كثير من الناخبين خصوصا أن استطلاعات الرأى ليست فى صالحه وأن ترامب يتفوق عليه فى غالبيتها رغم إدانته والحكم عليه.

من أجل ذلك قضى الرئيس بايدن وقتا طويلا مع مستشاريه استعدادا لكل الاحتمالات التى ستأتى من المذيعين اللذين سيوجهان الأسئلة لكلا المرشحين والتى تكون عادة أسئلة غير متوقعة تتطلب تركيزا شديدا للإجابة عليها، وكانت الإستراتيجية إظهار الرئيس متمكنا وحيويا وملما بنقاط ضعف ترامب وهى كثيرة. فى المقابل كان ترامب يعلنها مرارا وتكرارا أن بايدن ضعيف لا يقوى على الوقوف والمواجهة وأنه أصبح ضعيف العقل وأنه أصبح «خرفاً» ويتم حقنه بالمنشطات، كما قامت حملته بالتصريح قبل المناظرة بأن ترامب سيهاجم بايدن فى نقطتين أساسيتين هما الاقتصاد وعمليات الهجرة غير الشرعية لأمريكا، وهما النقطتان اللتان يزهو بهما ترامب ويعتبرهما أهم إنجازات فترته الرئاسية الأولى، إضافة الى أن مريديه يحبون ذلك كثيرا. اللافت للنظر أن شبكة سى.إن.إن التى أسند إليها القيام بإدارة المناظرة الأولى اختارت اثنين من مذيعيها معروف عنهما الولاء الشديد لإسرائيل وأنهما منذ السابع من أكتوبر يمثلان وجهة نظر واحدة وهى الوقوف التام مع كل ما تقوم به إسرائيل وهو الموقف الذى نقدهما الكثيرون بسببه. فى إدارتهما للمناظرة سألا سؤالا واحدا وبطريقة تدل على أنهما أرادا بذلك تأكيد أن الإبادة الفلسطينية فى غزة لا تمثل أى تأثير على الانتخابات الأمريكية المقبلة. طرحا سؤالا سهلا على المرشح بايدن عما يتعين عليه فعله وهل سيضغط على إسرائيل فأجاب أنه سيواصل مجهوداته لتحقيق السلام وإنجاح الخطة التى وافقت عليها إسرائيل ودول أخرى غير أن حماس رفضتها، وقال إنه دائما يقوم بدعم إسرائيل وأنه يدعم حق إسرائيل فى القضاء على حماس، وأنه قام فقط بحظر القنابل زنة ألفى رطل لتخفيف حدة الحرب على المناطق السكنية.

وعندما طرحا نفس السؤال على ترامب أجاب بأنه لن يمارس أي ضغط على إسرائيل لتحد من تصرفاتها، وأضاف أنه يجب السماح للفلسطينيين بالرحيل، كما يجب إعطاء الفرصة لإسرائيل لإنهاء مهمتها، وأن بايدن لا يريد أن يفعل ذلك، وأضاف واصفا الرئيس بايدن بأنه أصبح مثل الفلسطينيين الأشرار رغم أنهم لا يحبونه وأنه إنسان ضعيف.

 لم يستغرق هذا السؤال وإجابته أكثر من ثلاث دقائق.

بقية المناظرة كانت عن موضوعات وقضايا الاقتصاد والهجرة والإجهاض والداخل الأمريكى.

كان الرئيس بايدن كأنه مقيد ومهزوز ومهزوم وشارد وكأنه كان يفكر فى أمور أخرى، وكان أداؤه باهتا وضعيفا لا يليق بمنصب الرئيس الأمريكى. كان صوته منخفضا ووجه شاحبا وكان يبدو عليه كمن جاء من قبر لا روح ولا طاقة فيه. كان يتوقف أحيانا وسط الكلام ناسيا ما يتعين عليه قوله، ولا يكمل الجملة التى بدأها.

 رغم أن غالبية ما قاله ترامب غير صحيح، لم يعترض الرئيس بايدن أو يفند تلك الأكاذيب غير ترديده كلمة كاذب. من أجل ذلك استولى الفزع على قادة الحزب الديمقراطى وأدركوا أنهم أهدوا الانتخابات لترامب باختيارهم بايدن وأنهم أضاعوا الوقت وأن الوقت يضيعهم الآن.

وعلى الفور علت الأصوات مطالبة بألا يواصل بايدن مسعاه للرئاسة.

هذا ممكن لو أنه اعتذر طواعية أو أجبر.

كان توماس فريدمان الصحفى فى صحيفة نيويورك تايمز من ضمن المطالبين بأن يعتذر بايدن عن مواصلة مشواره ومسعاه، وكتب فى نيويورك تايمز بتاريخ 28 يونيو قائلا: جو بايدن كان رئيسا جيدا فى فترته الأولى، ولكن يجب ألا يحاول فى الفترة الثانية ويتعين عليه أن يترك السباق حتى لا يعود ترامب مرة أخرى لأن سنه وأداءه لا يسمحان له بذلك، وأنه يجب عليه أن يقدم المصلحة الأمريكية على مصلحته الشخصية. ورغم علو أصوات المعارضة وتصاعدها فور انتهاء المناظرة، إلا أن حملة الرئيس الانتخابية أعلنتها صراحة أنه لن ينسحب من السباق.

أما الرئيس بايدن نفسه فقد اعترف بضعف أدائه فى المناظرة أثناء إلقائه خطابًا بولاية كارولينا الشمالية فى اليوم التالي مستدرا للعواطف قال فيه: أعلم أنى لست شابا وأننى لم أعد أمشى بسهولة كما كنت فى الماضي، كما أننى لم أعد أتحدث بطلاقة كما كنت أفعل فى السابق ولم أعد أقدر على المناقشة كما كنت فى الماضى، لكننى أجيد ما أعرفه وهو أنى أعرف كيف أقول الحقيقة وأعرف الصواب من الخطأ، وأعرف كيف أقوم بتأدية تلك المهمة، وكيف أنجز الأمور، وأعرف ما يتعين عليك فعله وهو الأمر الذى يعرفه ملايين الأمريكيين أنه عندما تتعرض للضرب يجب أن تنهض مرة أخرى.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفي جودة يكتب: تفسير العتو الإسرائيلى

شكرا للتعليق على الموضوع