الأثــــر الأســــود
قررت حكومة الاحتلال الموافقة على تحويل أموال السلطة الفلسطينية المخصصة لقطاع غزة لتكون وديعة لدى النرويج، ويأتي هذا القرار نتيجة ” ضغوط أمريكية مكثفة على حكومة الاحتلال لتجنب حدوث انهيار السلطة الفلسطينية ” وأكدت وزارتا المالية الإسرائيلية والفلسطينية إنه تم تحويل 435 مليون شيكل (116 مليون دولار) من عائدات الضرائب المحتجزة إلى السلطة الفلسطينية في أول تحويل من نوعه منذ أبريل 2024 وتحّصل إسرائيل ضرائب على البضائع التي تمر عبرها إلى الضفة الغربية بموجب ترتيب مسبق بين الطرفين منذ فترة طويلة.
أشار بيان حكومة السلطة الفلسطينية إلى أن اتصالاتها والضغوط الدولية هي التي أدت إلى أن تقوم حكومة الاحتلال بتحويل الأموال، وأكد البيان أن السلطة الفلسطينية ستواصل الدفع نحو استعادة ما يزيد عن 6 مليارات شيكل من باقي الأموال المحتجزة. يفهم من بيان الحكومة الفلسطينية أن حكومة الاحتلال ما كانت لتقوم بتحويل الحقوق المالية للسلطة الفلسطينية لولا إلحاح السلطة الفلسطينية من خلال اتصالاتها الدولية في المطالبة بها ، في حين تؤكد وزارة مالية الاحتلال أن ثمة ترتيب مسبق على ذلك متفق عليه بين الطرفين منذ فترة طويلة.
السلطة في رام الله تريد أن تنسب لنفسها كل الفضل أمام مواطنيها لاستدراك سقطة إدارة ظهر واضحة عقب هجمات 7 أكتوبر الماضي، في حين تريد سلطة الاحتلال تبييض وجهها أمام أهالي قطاع غزة والمجتمع الدولي من خلال ” استثمار خبيث ” لطبيعة التطورات الميدانية والتصريحات المستغربة من أجل إحداث صدعا عميقا بينهم وبين قيادة المقاومة ويخشى البعض أن يستقر في الوجدان الفلسطيني التواق إلى العودة إلى الديار والعيش في سلام شعورا بالامتنان بالفضل لسلطة الاحتلال فلا يتجاوز طمع من شاءت إرادة الله تعالى أن يطيل في عمره حدود ما يمكن أن يكفيه كي يبق على قيد الحياة في ظروف آمنة فلا يجازف مرة أخرى أو يغامر بتطبيق مقولة ” التاريخ يعيد نفسه”
هل ستلقى ” الضغوط الأمريكية المكثفة ” على سلطة الاحتلال من أجل تحويل الأموال المخصصة لقطاع غزة التقدير الفلسطيني الوافي لها؟ لقد تم تبرير تكثيف الضغوط الأمريكية على سلطة الاحتلال بالحرص على تفادي حدوث انهيار السلطة لفلسطينية!! والمفارقة أن يصدر التبرير بهذه الصيغة بعد أن تمت تسوية أحياء المدن الفلسطينية في قطاع غزة بالأرض وأصبحت غير قابلة للعيش فيها لذلك فهذا التبرير غير منطقي وفي غير موضعه لأنه يتناقض مع تشدد سلطة الاحتلال في رفض حل الدولتين ، كما أنه لا يتفق مع مساعي التهجير القسري والطوعي للفلسطينيين من قطاع غزة ومن الضفة الغربية تمهيدا لاحتلالهما بالكامل، لذلك لا يمكن للمجتمع الدولي تصديقه والعالم يشهد على مؤامرات التفقير والتجويع والقتل والتدمير، والقناعة الثابتة لدى سلطة الاحتلال أن السيطرة الكاملة على قطاع غزة لن يتحقق في ظل وجود سلطة فلسطينية قائمة بالفعل ومعترف بها دوليا.
الحق أحق أن يحترم، وأموال الشعب الفلسطيني حق خالص له، ولا نرى أحقر ممن يحتكر الوفاء بالحق أو يحجبه عن أصحابه مهما كان السبب، إنه واجب ولا فضل في تقديمه ،ولا مزية في إدائه، لذلك نقول رب بادرة مضللة ظاهرها رحمة وباطنها العذاب تسعى لتمرير مغالطة تاريخية، الفلسطينيون هم أهل البلاد وأصحاب الأرض وهم الأحق بخيرها وخميرها ، فلا مجال لادعاءات أجنبية لا يسندها واقع ولا تعززها وقائع ولا يؤكدها تاريخ، إن الإفراج عن الحقوق المالية للفلسطينيين عمل ذو طابع مؤامراتي ولكن عندما يريد أحد أن يضل الناس يجد الله تعالى حلا للواعي، فهو قد زحزح الهوامش ليكشف زيف المراكز وعفونة المواقع، فتحويل الأموال لا يعدو أن يكون ذر الرمال في العيون حتى لا تبصر الحقائق وعلى رأسها الخوف من تعرض رئيس وزراء الاحتلال لحكم قضائي من المحكمة الجنائية الدولية يدين جرائمه في غزة . إن الأثر الهائل الناتج عن هذه المؤامرات يوحي بقراءات كثيرة تستعجل الكارثة التي تبلغ حد التدمير والقضاء على ذات الأطراف التي تستسلم لعجزها المشين فصدّقت بحسن النوايا وانجرفت بتماهيها المعيب مع ما تنطوي عليه هذه النوايا من تحولات سلبية عميقة فرضها عليها خوفها السائد في دائرة الخطر الوجودي، الخوف من عدالة صماء إزاء الظالم المعتدي، وشديدة اليقظة مع المظلوم، فقد صادق مجلس وزراء الاحتلال المصغر على رزمة من القرارات التي تشكل تصعيدا خطيراً في الضفة الغربية المحتلة ومن ضمنها إضفاء الشرعية على خمس بؤر استيطانية جديدة وخاصة بؤرة ” أفيتار” الاستيطانية وهو القرار الذي بادرت وزارة الخارجية النرويجية إلى اعتباره بغير المقبول ، هذا بالإضافة إلى اتخاذ جملة قرارات أخرى جاءت في بيان صادر عن وزير المالية الأكثر تطرفا في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش وأكدها سكرتير مجلس الوزراء يوسي فوكسفي تصريحات صحفية أن وزير المالية نقل وصادر عدة صلاحيات من السلطة الفلسطينية وأقر عدة عقوبات تشمل إلغاء تصاريح وامتيازات مسؤوليها وفرض قيودا على تحركاتهم ومنعهم من السفر، وأنه سيوقع في مقابل هذه الإجراءات على رفع التجميد عن أموال الضرائب المحتجزة من السلطة الفلسطينية لآخر ثلاثة أشهر، إذن هي خطة حكومة الاحتلال ،سلب الأرض الفلسطينية مقابل تحويل أموال الضرائب.
أحيا الأمريكيون ذكرى استقلال بلادهم في 4 يوليو الجاري كما هو الحال في كل عام بإقامة احتفالات بهيجة تحت شعار “استقلال أمريكا هو روح الحياة ” فليتها كانت بثت الروح في حياة الشعوب التي عانت ظلمها، ولكن مع ذلك تزامنت المناسبة على الأقل مع نجاح ضغوطها على سلطة الاحتلال لتحويل الحقوق المالية للسلطة الفلسطينية، وما زالت تعلو الصلوات بإقامة دولة فلسطين المستقلة ويرتفع معها الدعاء أن يكون يومها هو البداية الحقيقية لعودة الحياة الطبيعية إلى بيت المقدس والأقصى الشريف.
اقرأ ايضاً