مصطفى جودة يكتب: جبرتي الاغتيالات الإسرائيلية «2-3»
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا
لما كانت مصر هي حاملة الراية للدفاع عن الأمة والمضحية ببنيها وأموالها فى قضية الصراع العربي- الإسرائيلي، فكان حتما استهدافها منذ التفكير فى إنشاء الدولة العبرية، سواء من إسرائيل ذاتها أو من القوى الغربية الداعمة لها اقتصاديا وعسكريا، واستخباريا وهو الأهم فى عرض موضوعنا.
كانت عمليات الاغتيال الإسرائيلية الأولى، تكاد تكون مقصورة على مصر ورجالها.
فى السنوات الأولى من الصراع العربى الإسرائيلى استهدفت إسرائيل شخصيات مصرية بارزة معارضة لسياساتها، فلجأت الى عمليات الاغتيال للشخصيات المصرية التى كان لها الدور الأكبر فى إنشاء المقاومة الفعالة ضد الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية.
كان أبرز الذين اغتالتهم إسرائيل فى السنوات الأولى للصراع العقيد مصطفى حافظ فى 11 يوليو 1956.
كان مصطفى حافظ ضابطا ومسئولا عن إدارة العمليات الفدائية الفلسطينية فى قطاع غزة، وكان هو الشخص المؤسس لها.
عمل مصطفى حافظ بجد على تدريب الفدائيين الفلسطينيين وهو الأمر الذي جعل إسرائيل تعتبره عدوا خطيرا ومهددا لأمنها القومي فقررت اغتياله عن طريق إرسال طرد مفخخ له مما أدى لاستشهاده.
كان موته ضربة كبيرة للمقاومة حينها. فى نفس السنة استهدفت إسرائيل ضابطا مصريا آخر هو صلاح مصطفى وكان عقيدا بالمخابرات المصرية وكان دوره دعم وتدريب الفدائيين الفلسطينيين.
تم اغتياله بنفس الطريقة التى اغتيل بها مصطفى حافظ، حيث تم إرسال طرد مفخخ له مما أدى الى استشهاده بعد يومين من استشهاد مصطفى حافظ.
فى أوائل الستينيات استهدفت إسرائيل العلماء الألمان العاملين فى برنامج تطوير الصواريخ المصرية وذلك بترهيبهم وإرسال رسائل تهديد وطرود مفخخة لهم.
وفى عام 1967 استشهد الدكتور سمير نجيب عالم الفيزياء النووية المصري عقب حصوله على الدكتوراه من الولايات المتحدة فى حادث سير غامض وهو فى طريقه للمطار للعودة الى مصر. كان عالما واعدا ونابغا فى كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية فقررت إسرائيل تصفيته.
فى 13 يوليو 1980 استشهد الدكتور يحيى المشد العالم النووي المصري البارز في باريس والذى كان مستشارا للبرنامج النووي العراقي بهدف تعطيل البرنامج النووي العراقي كما تشير الكثير من التقارير.
ندرك الآن أن عمليات الاغتيالات الإسرائيلية للشخصيات العسكرية والعلمية المصرية البارزة فى السنوات الأولى من الصراع العربى الإسرائيلى هى ثمار تعاون مثمر آثم بين الاستخبارات الغربية مجتمعة وبين الموساد وغيرها من المؤسسات الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية، وأن نجاح تلك الاغتيالات قصد من ورائه ترويع العرب من خلال إظهار إسرائيل متفوقة علميا وتكنولوجيا وثقافيا وكأنها دولة أسطورية وذلك لبث الرعب واليأس فى نفوس وروح الأمة، وإضعاف التحالفات العربية وبث الرعب بين القيادات والتخلص من العلماء.
ندرك الآن أن إسرائيل لم تكن وحدها فى مواجهتنا فى السر والعلن، إنما كانت الذراع التى يبطش بها الغرب ليحمى بها مصالحه.
كانت هذه الاغتيالات تأكيدا على أن الصراع العربى- الإسرائيلى لا يقتصر فقط على المواجهات العسكرية ولكن يشمل كل أبعاد الصراع سواء علميا أو تكنولوجيا أو استخباريا.
أدركت مصر خطورة ذلك الأمر فأنشأت جهاز المخابرات العامة المصرية فى 22 مارس 1954، بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر وأسندت إدارته الى السيد زكريا محيى الدين، وكان جهاز قويا وقادرا على حماية الأمن القومي المصري وتحجيم العدوان الإسرائيلي وحماية الكوادر الوطنية منذ نشأته الأولى.
لم تقتصر عمليات الاغتيال الإسرائيلية على المصريين فقط، ولكنها شملت الكثير من الكوادر الفلسطينية بداية من 1948.
منهم غسان كنفاني الذى اغتيل بتفجير سيارته بتاريخ 8 يوليو 1972نتيجة انفجار سيارته بعبوة ناسفة فى منطقة الحازمية قرب بيروت نتيجة عبوة ناسفة زرعها عملاء إسرائيليون، وكمال ناصر وكمال عدوان ومحمد يوسف الاعضاء فى منظمة التحرير الفلسطينية والذين استشهدوا فى 10 ابريل 1973.
كان كمال عدوان عضوا فى اللجنة المركزية لحركة فتح ومسئولا عن القطاع الغربي الذى يشرف على العمليات فى الأراضي المحتلة، كان مهندس بترول تخرج فى كلية الهندسة جامعة القاهرة عام 1963. منهم أيضا ماجد أبو شرار الذى استشهد فى 9 أكتوبر 1981، إثر انفجار قنبلة تحت سريره وضعها عملاء الموساد فى أحد فنادق روما أثناء مشاركته فى مهرجان تضامنى مع الشعب الفلسطيني.
ومنهم خليل الوزير المعروف بـ(أبو جهاد) والذى اغتيل فى 16 ابريل 1988، عندما اغتالته وحدة كوماندوز إسرائيلية فى منزله فى تونس. كان أبو جهاد نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية وأحد مؤسسى حركة فتح ولعب دورا بارزا فى قيادة الانتفاضة الفلسطينية الأولى. ومنهم فتحى الشقاقى مؤسس حركة الجهاد الإسلامى الذى أغتيل فى مالطة فى 26 أكتوبر 1995، والذى اغتاله عملاء للموساد فى مالطة.
ومنهم المهندس يحيى عياش القائد البارز فى كتائب عز الدين القسام فى 5 يناير 1996، إثر اغتياله بواسطة عبوة ناسفة زرعت فى تليفونه المحمول فى بيت لاهيا ونسبت العملية الى جهاز الموساد. ومنهم جمال عبد الرازق الذي استشهد فى 22 نوفمبر2000 خلال انتفاضة الأقصى. ومنهم الشيخ أحمد ياسين الذى استشهد فى 22 مارس 2004 والذى كان مؤسسا لحركة حماس والذى اغتيل فى هجوم صاروخي شنته الطائرات الاسرائيلية فى أثناء خروجه من صلاة الفجر فى غزة.
ومنهم عبدالعزيز الرنتيسى أحد مؤسسي حماس وقائدها فى قطاع غزة فى 17 ابريل 2004 وتم اغتياله بطائرة حربية إسرائيلية استهدفت سيارته فى غزة. ومنهم محمود المبحوح الذى استشهد فى 19 يناير 2010. ومنهم إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس والذى اغتيل فى أثناء مشاركته احتفال بمقر إقامته بطهران.
gate.ahram
اقرأ للكاتب
مصطفي جودة يكتب: جبرتى الاغتيالات الإسرائيلية «1 ــ 3»