صبحة بغورة تكتب: تعليق وساطة قطر.. بين الخذلان والفشل

أعلنت قطر “فجأة ” انسحابها من مسار الوساطة بين حركة حماس الفلسطينية والكيان المحتل من أجل وقف اطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى مواطني قطاع غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين ، ثم التمهيد لمفاوضات الهدنة، وذلك بزعم أن الطرفين لا يبديان القدر المطلوب من الجدية! فهل لذلك السبب وحده اعتبرت أن وجود مكتب حركة حماس بالعاصمة الدوحة بات غير ذي جدوى، أم أنها امتثلت لأوامر واشنطن بطرد مكتب حماس من ترابها؟

انتشر الخبر سريعا وعلى نطاق واسع في كل وسائل الإعلام والمواقع بصيغ مختلفة الكثير منها تضمن غمزا ولمزا مفاده أن ذلك الأسلوب القديم المعتاد والمفضل لقطر الذي اتبعته زمنا لإنجاح وساطاتها الدولية لم يعد يجدي نفعا، وأصبح لا يقدم أو يؤخر في شيء هذه المرة بعدما اتضح للعالمين شرقا وغربا أن شدة المأساة الناجمة عن حجم الكارثة أكبر من أي مساعي خيرية للمواساة والتصبير، فهناك عزم أكيد على أن شرط بقاء أحد الطرفين هو تمام فناء الآخر !

لقد استدركت قطر أمرها بعدما تفطّنت إلى أنها قد أساءت بموقفها إلى سمعتها فأحرجت مكانتها، وكان أن أعلنت أنه مجرد تعليق للوساطة لا غير وذلك إلى أن يتأكد لها جدية الطرفين كشرط لاستئنافها وساطتها ! بل وابتلعت على مضض سلبية حركة حماس فتحدثت عن بعض إيجابيات مكتبها بالدوحة بزعم أن الرأي العام العربي والدولي لا يعلم عن حقيقته شيئا وأن القاصي والداني لا يدري مستوى رفاهية معيشة قادة الحركة في الدوحة، وتفضيلهم البقاء فيها على التواجد وسط الشعب الفلسطيني ومشاركة آلامه.

حاولت قطر تجاوز حدود وطبيعة مهمة الوساطة المشتركة مع كل من مصر والولايات المتحدة عندما أرادت الاستئثار بالمبادرة وبالفضل فانقلب كل شيء في الاتجاه المعاكس مع فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، فهو كسابقيه من الرؤساء ملتزمون بحماية الكيان انطلاقا من اعترافهم بحقه في الأرض وبمشروعية الدفاع عن الوجود، فهل كانت قطر تغرد خارج السرب وتريد أن تحلق وحدها في غير فضاء ، أم أن الرغبة الجامحة التي تدفع لتحقيق إنجاز دبلوماسي تاريخي يحسب لها وحدها قد أعمى البصر وأضلّ البصيرة عن حقائق وأبعاد القضية وطبيعة وضع مراكز القوة والتأثير ..

إن ما يدعو للاعتقاد بأن الحقيقة تتعلق بالانسحاب وليس بتعليق الوساطة أن ما تم  الإعلان عنه في حقيقة الأمر مرتبط بالأصل في الموقف وأن الثابت من القول كان قد أخرج اللقاءات عن إطار الجدية ،ويفهم من المعنى أنه أبعدها عن حدود الموضوعية وهذا حتى لا نقول شيئا آخر عن مصداقية النزاهة ومفهوم المسؤولية ،والدليل هو تأكيد قطر في إطار هرولتها نحو توضيحها  اللاحق أنها” لا تسمح أن تكون وساطتها سبيلا لابتزازها !”ّ هذا من جهة،  ومن جهة أخرى إن التعليق في حد ذاته شكل من أشكال تأجيل البت في اتخاذ موقف من أجل المراجعة وإعادة التقييم وتصحيح المواقف. إلخ وهذا يفترض بداهة  بقاء الباب مفتوحا وليس مغلقا ولا مواربا كالانسحاب مثلا، وعليه نلاحظ ذلك الخلط بين تقديم المعلومة والتعليق عليها عند نقل الوقائع والأحداث، فهل يمكن اعتبار أن الموقف يعكس فشلا أصاب الدبلوماسية القطرية وكشف محدودية خبرتها وقلة صبرها وعدم تمتعها بالصبر الاستراتيجي أمام المناورات الخبيثة والمراوغات المملة  المعروفة عن الكيان المحتل ، أم أنه الخذلان المعيب الذي يصيب من يضيق صدره  ذرعا أمام العدو والصديق فور مواجهة الضغوط الدولية .

إن حديث قطر عن عدم جدية الطرفين في المفاوضات قد لا يكون مستساغا لأن كلاهما يريد بلوغ الحل الذي يريحه فالغالب يميل لعدم الاستمرار لأنه لا يريد أن يتحمل المزيد من المتاعب، وفي نفس الوقت يريد  الطرف الآخر أن يتجنب تكبد المزيد من الخسائر الجسيمة في الأرواح ، فالثابت من الواقع أن الشعب الفلسطيني يتلقى الضربات الموجعة في أبنائه ودياره وممتلكاته حتى ليصرخ بأعلى صوته : ” بيكفـــي ..” إنها مصيبة هائلة حلت بالشعب بعد أن اعتبرهم قادة حماس مجرد لاجئين على أرضهم وهم لا حول لهم ولا قوة، ولا هم يفرحون!!

 من هنا نعلم طبيعة موقف حركة حماس من ما يُعرف بالقضية، ولعل قوة تأثير وتحكم طبيعة هذا الموقف قد شكّلت سلوك قادة الحركة فهم يروّجون لخطاب ثوري عالي الحدة ومستمر لضمان التواجد كطرف مؤثر في أي تسوية ، وهم في الواقع يختفون وراء صراع عسكري منخفض الحدة ومتقطع لضمان البقاء تحت ظلال بعيدة عن الخطر المباشر ولو كان تحت الأرض ، لذلك تراهم شعوبهم بعيدين عن مفهوم صناعة القدرة وإجادة الإعداد لبناء القوة ،تراهم يجهلون أنه لا توجد مسلمات في إدارة العمل السياسي وإنما هي متغيرات يجري تكييفها مع الواقع المتقلب، تراهم لا يواكبون سرعة التحولات لذلك تعاني القضية من فرط ثقل جمود حمولة هموم السنوات التي افتقر خلالها العمل الوطني إلى مفهوم الاستباقية في السياسة لتجاوز وطأة رد الفعل، تراهم كمن غالبا ينزل والحافلة تسير، دائم الإقامة على حدود الخطر . 

لقد أقحمت قطر نفسها في دائرة مغلقة لانفعالات شديدة تجاه أحداث يخضع التعامل معها بمقدار وعي التدبر فيها، فهي بين جدلية العقل والنقل تراها في حاجة أكثر إلى مزيد من الخبرة من أجل مهنية أكبر وأخلاقية أسمى وشرف أنبل، وعلى العموم الأعمال الجيدة لابد أن تصل في النهاية إلى محطة التقدير.

فهل ما أقدمت عليه قطر كان فشلا دبلوماسيا حقيقيا، أم هو خذلانا سياسيا لا يرضي ظالما ولم ينصر مظلوما؟

 

شكرا للتعليق على الموضوع