مصطفى جودة يكتب: كتابيه «5»”عمرو موسى والشرق أوسطية”
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا
«عدونا لا يكل فى مسعاه، ولا يتوقف ولا يشعر». هذه الجملة مأخوذة من المسلسل الذائع الصيت «صراع العروش»، والتى أجدها تجسد العداء الإسرائيلى الذى وصل الى مراحل مدمرة لدول المنطقة، وخصوصا فى زمن نيتانياهو الذى نعيشه، والذى لا تقلقه إبادة الجميع فى غزة، وتقطيع الأوصال فى لبنان وسوريا، ثم أخيرا ما عشناه فى الحرب الإسرائيلية الأمريكية الإيرانية فى الشهر الماضي، نيتانياهو يريد شرق أوسط جديدا يفصله تفصيلا، ومختلفا بالكامل عن شرق أوسط شيمون بيريز، أساسه المانيفستو الذى أعدته له مجموعة المحافظين الجدد والذى نشرته الأهرام بتاريخ 25 يونيو الماضي. أعلنها مرارا وتكرارا أن استراتيجيته تعتمد على تشكيل شرق أوسط جديد، تكون فيه إسرائيل المركز والقائد والمتحكم، وكـأنها دولة عظمي.
لقد أنذر عمرو موسى الجميع من تلك الخطورة منذ أن عرضها شيمون بيريز فى مؤتمر الدار البيضاء، الذى انعقد فى 30 أكتوبر 1994، والذى كان يهدف الى تهميش الدور المصرى فى السلام، رغم أن مصر هى التى بدأت عملية السلام المستحيلة مع إسرائيل، كما كان يهدف الى تشتيت الموقف العربي.
كانت استراتيجية شيمون بيريز: السلام الاقتصادي وحل الدولتين. شرق أوسط « شيمون بيريز» تلعب فيه إسرائيل دور المركز وتكون القاطرة التنموية. فى الفصل الثامن من القسم الثاني لكتابه، والمعنون» مكافحة الشرق أوسطية والهرولة»، يشرح لنا عمرو موسى مفهوم الشرق أوسطية باختصار، ويعرفها بأنها عملية تقطيع أوصال العالم العربي. يروى تاريخ الفكرة وأنها كانت مشروعا يهدف الى مواجهة النشاط الروسي في إيران، والمشروع الألماني الذي استهدف إنشاء خط سكة حديد بين برلين وبغداد التى كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية، ويشخصه بأنه مشروع استعماري كثر استخدامه إبان الحرب العالمية الثانية، ليشمل سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق والخليج العربي ومصر وتركيا وإيران، ويتوسع ليشمل ليبيا وقبرص وأفغانستان أحيانا.
يضيف عمرو موسى أن إدراج بعض البلدان غير العربية ضمن منطقة الشرق الأوسط يستهدف شرعنه وتبرير الوجود الإسرائيلي فيها، وبالتالى فإن الوجود الإسرائيلى يكتسب شيئا من المنطق، وعليه يتم إدخال إسرائيل فى النظام الإقليمى للمنطقة، وكسر عزلتها وتخليصها من عقدة الشرعية الإقليمية.
يقول عمرو موسي: «مفهوم الشرق الأوسط يعارض مفهوم الوطن العربى ويجعل البلدان العربية جزءا من منطقة فسيفساء تضم أقواما من عروق شتى عربية وتركية وفارسية، ومن أديان شتي».
يشرح لنا عمرو موسى ظهور المصطلح فيما يخص الصراع العربى الإسرائيلى فيقول: «ظهر مشروع الشرق أوسطية فى الصراع العربى الإسرائيلى عقب مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، والذى طرحه شيمون بيريز، ليدفع الى تغيير واقع المنطقة بالقضاء على النظام الإقليمى ليحل محله نظام شرق أوسطى تكون فيه إسرائيل أحد الفاعلين الرئيسيين، إن لم تكن الفاعل الرئيسي».
كان المشروع مهما لإسرائيل لدرجة أن شيمون بيريز كتب عنه كتابا فى عام 1993، بعنوان الشرق الأوسط الجديد، الذى روج فيه لتعاون اقتصادى وسياسى بين العرب وإسرائيل عقب اتفاق أوسلو. قوبل مشروع شيمون بيريز برفض شديد من عمرو موسى الذى بينه للناس على أنه محاولة تطبيع غير متوازنة تتجاهل الصراع الفلسطينى الإسرائيلي.
يشير عمرو موسى الى الدور الغربى فى كتابه: «قام منتدى دافوس الاقتصادى بتنظيم ندوة كبرى تماثل ندوات دافوس ولكن إقليميا فى إحدى العواصم العربية، تجمع الإسرائيليين والعرب والعالم تكريسا لعملية تطبيع العلاقات بينهما تماهيا مع أفكار بيريز، وعقد المؤتمر الأول فى الدار البيضاء، حيث دعا إليه الملك الحسن الثانى ملك المغرب العالم لحضور قمة اقتصادية شرق أوسطية ـ شمال إفريقية فى الدار البيضاء فى 30 أكتوبر 1994، لدعم عملية السلام، بتزكية من الرئيس الأمريكى بيل كلنتون والروسى بوريس يلتسن».
يقول عمرو موسى عن قبول مصر حضور هذا المؤتمر، ولماذا وافقت مصر على الحضور؟
يقول عمرو موسي: «إجابة السؤال واضحة، فعملية السلام كانت قائمة على قدم وساق، واتفاق الفلسطينيين والإسرائيليين تم ـ فى أوسلو، وعرفات على وشك العودة الى الأراضي الفلسطينية، والمشروعات السياسية المختلفة مطروحة على العديد من الساحات الدولية بالنسبة الى السلام فى المنطقة على اتساعها، على أساس أن السلام على وشك إتمام التوصل إليه. كل هذا جعل من الضروري وجود مصر ليس فقط ضمن الحضور، وإنما على رأسه، وإن كان حضورها بلور وقاد معارضة قوية لهذه المخططات أدت الى انهيارها».
يشرح عمرو موسى المشاورات التي جرت بينه وبين الرئيس مبارك وبين الإعداد لهذا المؤتمر، والتى وافق الرئيس مبارك عليها بعناصرها جميعا. هذا أمر مهم لأنه يعكس أن العلاقة بين الرجلين كانت علاقة ممتازة.
لخص عمر موسى تلك العناصر وسجلها للتاريخ، وهى أن مصر هى التى أطلقت عملية السلام منذ زيارة الرئيس السادات للقدس، كما أنها كانت حاضرة فى مؤتمر السلام بمدريد بقوة، وبالتالى فليس من الحكمة التغيب عن الحضور. كما أنه من المصلحة المصرية أن تكون مصر حاضرة ونشيطة فى إطار المنتدى حفاظا على أدوارها ومصالحها.
وأن وجود إسرائيل فى هذا الخضم بدون وجود مصر يعنى أن نترك لها ساحة خصبة للتأثير والتعبئة، وكذلك للاستفراد بالدول العربية بمغرياتها وتغطية الولايات المتحدة لها، وبالحديث المعسول لشيمون بيريز وغيره.
gate.ahram
اقرأ للكاتب
مصطفى جودة يكتب: كتابيه «4»”ملاحقة البرنامج النووى الإسرائيلي”

