مصطفى جودة يكتب: كتابيه «4»”ملاحقة البرنامج النووى الإسرائيلي”
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا
فى إحدى المقابلات التليفزيونية العديدة إبان حرب الإثنى عشر يوما الأخيرة، بين أمريكا وإسرائيل من طرف، وإيران من الطرف الآخر، تم فيها استضافة جون مارشيمر أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاجو، قال إنه يخشى لجوء إسرائيل فى لحظة هزيمتها إلى استخدام الأسلحة النووية التى تمتلكها فى حالة هزيمتها وفى حالة عدم قدرتها على مقاومة الصواريخ البالستية الإيرانية التى تمكنت من إحداث دمار كبير غير مسبوق فى المدن الإسرائيلية. أدركت مصر ذلك الأمر منذ عرض مبادرتها لجعل منطقة الشرق الأوسط منزوعة من الأسلحة النووية والكيماوية والصواريخ البالستية.
يقدم لنا الكتاب معلومات كثيرة عن البرنامج النووى الإسرائيلى وكذلك عن الدور المصرى المستدام والشجاع والذى لم يستسلم للضغوطات الأمريكية .
تحدث عمرو موسى فى الفصل التاسع من القسم الثانى من الكتاب عن ملاحقة البرنامج النووى الإسرائيلي، وما قامت به الدبلوماسية المصرية منذ طرح مبادرتها وحتى عام 2000، وبعد ذلك محاصرة الموقف الإسرائيلى سياسيا.
يقول عمرو موسى إن مصر نجحت فى ذلك نجاحا كبيرا، غير أن القوى العظمى خاصة الولايات المتحدة، مارست ضغوطا كبيرة ورفضت التحرك المصرى الذى تمثل فى إفشال مؤتمرات المراجعة الدورية لمعاهدة حظر الانتشار النووي، حتى قبلت عام 2000، أن يطالب مؤتمر المراجعة المنعقد فى ذلك العام إسرائيل بالانضمام الى معاهدة حظر الانتشار النووي، وأن يدعو الدول الأعضاء الى العمل على تحقيق ذلك.
وصف عمرو موسى المشروع النووى الإسرائيلى بالغموض والتعتيم، فهى لا تنفى قدراتها النووية، لتخيف وتردع أعداءها، ولا تعترف رسميا حتى لا تتعرض للضغوط الدولية. يقول عمرو موسى عن هذه السياسة الإسرائيلية ذات الوجهين: « ضغطت شخصيا على شيمون بيريز عندما كان وزيرا للخارجية الإسرائيلية وبعد ذلك عندما أصبح رئيسا للوزراء كى نتحدث بصراحة عن التسلح النووى الإسرائيلى وإمكان إقامة منطقة خالية من السلاح النووى فى المنطقة وأن تبدأ مباحثات ولو غير رسمية، فى هذا الإطار بين مصر وإسرائيل حتى ينتهى هذا الوضع المثير للتوتر والارتياب بين البلدين فى هذا الشأن بالذات.
كانت إجابته: أى تسلح نووى تتحدث عنه؟، إنه برنامج نووى سلمي.
ولما قلت: إذن فى هذه الحالة دعنى أزور مفاعل ديمونة طالما إنه سلمي.
أجاب: أخشى أن تصاب بالإحباط حين تكتشف إنما هو مجرد مصنع نسيج، وهو ما لا نريد أن يراه أحد حتى يظل الاعتقاد بأنه مفاعل نووى عسكرى سائدا ويظل الردع قائما».
ليس سرا أن أمريكا دائما هى المناصر على طول الخط لكل ما تريده إسرائيل. لقد أصبحت تلك العقيدة على كل لسان، سواء فى أمريكا أو خارجها. يقول جيفرى ساكس أستاذ الاقتصاد فى جامعة كولمبيا: «أتعجب كيف يكون فى استطاعة دولة تعيش على مساعداتنا وتعدادها قرابة الملايين العشرة، أن تجعلنا خاتما فى أحد أصابع يدها». عمرو موسى يدرك كل ذلك، ومع ذلك لم يتوقف عن مسعاه الحق.
يقول عمرو موسى فى كتابه: «بعد محادثاتى مع الأمريكيين ـ وزير الدفاع وأعضاء فى الكونجرس وغيرهم ـ ورؤيتى انحيازهم الواضح لإسرائيل ودفاعهم عن برنامجها النووى غير الخاضع لأى رقابة دولية، قلت لقد بات حقا علينا أن نخوض معركة دبلوماسية ضد هذا البرنامج النووى الرابض على حدودنا مهما كان حجم الدعم الذى يحظى به فى واشنطن أو غيرها من الدول الغربية.
قلت إنه من العار أن نصمت إزاء هذا التهديد المباشر لأمتنا، وبالتالى لا بد من إثارة القضية فى كبريات المحافل الدولية. ظلت وزارة الخارجية المصرية وكل كوادرها تلزم نفسها بعقيدة عمرو موسى تلك وتقاوم فى كل المحافل والمؤتمرات واللقاءات المباشرة وغير المباشرة مع المسئولين الغربيين والأمريكيين على اختلاف مراكزهم واجراء التنسيق مع كل القوى العربية والإسلامية بدون كلل أو ملل، رغم حدوث بعض التراجعات فى المواقف، مثلما حدث خلال انعقاد مؤتمر المراجعة الخامس والذى انعقد بمقر الأمم المتحدة فى نيويورك فى الفترة بين 17 أبريل و6 مايو 1995، والذى كان فيه الإجماع ضرورة لنجاع المساعى المصرية، غير أن جنوب إفريقيا خرجت فيه عن الإجماع، والذى كان يشمل لأول مرة اسم إسرائيل مذكورا بالذات، وأعلنت أنها لا تمانع المد الأبدى للاتفاقية، وهو الأمر الذى كانت تريده الدول النووية وهو ما مثل خروجا على ما اتفق عليه، وأظهر مدى تأثير الضغط والدور الخفى الذى تمارسه الولايات المتحدة على كل الدول لتحقيق مآربها.
عقب ذلك استطاعت الدبلوماسية المصرية حشد الجهود وتكوين ما يشبه اللوبى لعرض الأمر على الجمعية العمومية وأن يكون فيه ذكر إسرائيل بالذات. غير أن هذا النشاط المصرى المكثف أغضب آل جور نائب الرئيس الأمريكى حينها والسيدة مادلين أولبرايت قبل أن تصبح وزيرة للخارجية الأمريكية، واللذين لم يعجبهما نجاح الدور المصرى فى تكوين جبهة معارضة قوية لعدم تمرير القرار، وعدم قدرتهما على إثناء عمرو موسى عن تغيير محتوى خطابه أمام الأمم المتحدة، والذى ذكر فيه اسم إسرائيل بالذات وهو الأمر الذى لم تكن تريده الإدارة الأمريكية. لعلنا نتذكر مقولة نجيب محفوظ عقب حزنه على هزيمة 1967، واكتئابه الشديد مثل بقيتنا جميعا وإدراكه حقيقة الدور الأمريكى فى كل أمر يخص إسرائيل: «من أراد أن يهزم إسرائيل، عليه أن يهزم أمريكا أولا».
gate.ahram
اقرأ للكاتب
مصطفى جودة يكتب: كتابيه «3»”عمرو موسى ونزع الأسلحة النووية”

