عملية إرهابية !!!”قصة قصيرة”
الجو بارد بالفعل، برد ليل الشتاء اللعين الذي يتخلل العظام، وأنا لم أدخل دورة المياه منذ الخامسة صباحا لذا يمكنك أن تفهم حالتي وأنا في سيارة الأجرة، التي ستقلني إلى المنزل.
كنت أهز ساقي في عصبية، وأحاول ألا أضحك أو اعطس أو حتى أتنفس، اشعر أن أي همسة منى قد تجعل الأنهار تسيل لتغرق ثيابي ومقعد السيارة وكرامتي وكل شيء،لحظة أحس بأنني لم اعد احتمل و…….لحسن الحظ تمكنت من الاحتمال قليلا، ادهس بقدمي قدمي الأخرى وأحاول أن أفكر بشيء آخر، المنزل قريب، الدفء، والراحة، و…..لماذا يتأملني سائق السيارة في المرآة الأمامية بهذه الطريقة، لم ترحني نظرته، وبتلقائية وجدت يدي تتحسس المسدس في جيبي، لابد وأن يحتاط المرء هذه الأيام، صحيح أنني أسير بملابس مدنية من باب الاحتياط لكن يبدو أن هذا لم يعد كافيا،التحرك بالملابس الرسمية بالنسبة لضابط شرطة الآن هو بمثابة حكم بالإعدام، أشعر أننا صرنا أقٌرب لدجاج داخل قفص، وبين آن وآخر يسوقون واحدة للذبح، لكن أي واحدة سيختارون؟!!
لمحت السائق يبعد عينيه عن المرآة يبدو أنني كنت واهما أو انه أحس بأنني رأيته، على أية حال لقد ألتزمت عيناه الطريق الآن.
من جديد بدأت أتحرك في مقعدي بتوتر ، لماذا ابتعد منزلي إلى هذا الحد؟ أشعر أنني صرت أسكن في الصين، الآن أفهم لماذا قال هارون الرشيد للحكيم أنه يفتدي بنصف ملكه من اجل إخراج شربة ماء، يمكنني أن أفعل أي شيء الآن من اجل أن ارتاح من هذا الشعور المؤلم.
المنزل يقترب، سحقا لتلك المنطقة النائية التي أسكنها، كانت زوجتي على حق عندما قالت أننا يجب أن نغير محل سكننا، لفحة هواء ثلجية تهب من النافذة الأمامية تزيد الأمور سوءا ،لابد وأن أصل إلى المنزل الآن،وإلا…. وفي تلك اللحظة توقف السائق بالسيارة فجأة وقال بصوت بارد:
-“انزل”
وأدركت أنني الدجاجة المختارة للذبح الليلة!!!
***
ثمة شيء ما ليس على ما يرام، هذا الراكب لا يريحني، يتحرك كثيرا في مقعده بتوتر وعندما راقبته جيدا في مرآة السيارة، لمحت وجهه يتقلص كأنه يتألم أو كأنه قلق من شيء ما، لا داعي للحديث عن هذا الانبعاج الذي في جيب بنطاله أنا لست مغفلا وأعرف جيدا أن هذا مسدس، لقد رأيت الكثير من الأفلام البوليسية وأعرف هذه الأشياء، يا إلهي، لقد كنت دوما أرى نشرات الأخبار وأشعر أن هذه الأشياء بعيدة جدا، يحدث للآخرين فقط، هذا ما كنت أفكر به لم يجل بخاطري يوما أن يصل الأمر إلى سيارتي البائسة ، هل ينوي تفجيرها؟ ليست المشكلة بي فلست خائفا حقيقة على نفسي لكن من أين سيأكل الأولاد لو انفجرت السيارة؟ ليقتلني أنا لكن بعيدا عن السيارة، اتركها في حالها أرجوك كدت أترجاه عندما تذكرت انه لم يفصح عن هويته بعد، رحت أراقبه في مرآة السيارة الأمامية وأنا أحاول أن أفكر في طريقة للتصرف ، هل أقود إلى أقرب قسم شرطة لكنه سيلاحظ لو أنني غيرت الطريق ، يا رب ألهمني الحل؟ يبدو انه لاحظ أنني أراقبه لأنه بادلني نظرة جامدة في مرآة السيارة ورأيت يده تتحرك لتتحسس موضع المسدس، هناك احتمال واحد فقط يدعوني للتفاؤل وهو أن يكون ينوي القيام بعمليته التفجيرية بعيدا عني وسيارتي مجرد وسيلة مواصلات فقط بالنسبة له، أدعو الله أن تكون هذه الحقيقة، لذا فقد أبعدت عيناي عن المرآة وكففت عن مراقبته، لعل الأمور تمر بسلام ، لا يجب أن يشعر أنني أراقبه وإلا فقد يعتبرني خطرا وعندها ربما يفكر في تبديل خطته للبدء بي أنا، لكن يبدو أن السماء لم تتركني فبمجرد أن دخلنا تلك المنطقة النائية حتى لمحت أمين الشرطة الذي يقف على جانب الطريق كأنه ينتظر سيارة، إنها فرصتي ، توقفت أمامه وقلت للراكب:
-“انزل”
-“لماذا؟”
تبا كان لابد وان انزل أنا أولا وإلا هددني بالمسدس من الخلف، سارعت بالنزول قبل أن يدرك هو هذه النقطة وفتحت باب السيارة الخلفي، وأنا أولول بصوت نسائي لم أدرك أنه لي إلا الآن:
-“ألحقني يا باشا ، هذا الرجل يحمل مسدس أنه إرهابي.”
اقترب أمين الشرطة وهو يخرج مسدسه، بينما نزل الراكب بكل ثقة وهو يقول:
-” أنت مجنون ألا تعرف من أنا؟”
ومد يده في جيبه، لا تتركه يضعها في جيبه أرجوك، فلتأمره أن يضع يديه خلف ظهره كما يفعلون في الأفلام، لكن الشرطي الغبي تركه يضعها ويخرج…..يخرج بطاقة هوية:
-“أنا الرائد………….”
ولم أسمع الباقي ، لقد سقطت في الفخ، اللعنة إنهما معا، يتبادلان نظرة خفية وشبح ابتسامة يتلمع على وجهيهما، لابد وان أتصرف الآن، هجمت على الراكب بسرعة لانتزع المسدس من يده، سأفر بعمري مهما حدث، ضغطت بيدي على يده بقوة وشعرت برصاصة تنطلق وتنغرس في اللحم الحي.
***
الجمعة يوم رائع مناسب للنزهة، خصوصا داخل المدينة، الأخبار كئيبة ومحبطة، والأفلام مملة ومعادة، للأسف السفر غير متاح لان الطرق هذه الأيام لم تعد آمنة، في الغالب سيتم توقيفك، وسرقتك هذا إن لم تقتل، أمسكت بكف أيمن ابني وعبرت الطريق عندما لمحت سيارة الأجرة المتوقفة على جانب الطريق، سيكون من حسن حظي أن أجد سيارة بهذه السرعة، لكن يبدو أن شجارا يجري بين السائق و………شعرت بشيء ما يغرس في كتفي وأنني أطير، وكان آخر ما لمحته هو سروال مبلل ومياه تغرق أرض الشارع!!!
قصة قصيرة
تاليف : هبة الله محمد حسن