هشام الكاشف يكتب: «ذا لوبستر» ما بين الأبيض والأسود

“والآن، حقيقة أنك ستتحول إلى حيوان إذا فشلت في الوقوع في حب إحداهن خلال فترة إقامتك هنا ليست بالشئ الذي يجب أن يزعجك او يصيبك بالكآبة، فكر كحيوان وستكون عندك فرصة ثانية للعثور على رفيقة، لكن حتى في هذا الوقت عليك أن تتوخى الحذر عليك أن تختار رفيقة من نوع حيوان شبيه بك، الذئب والبطريق يستحيل أن يعيشا معاً وكذلك حال الجمل وفرس النهر، سيكون ذلك سخيفاً فكر بالأمر”

هل فكرت في الحيوان الذي تريد أن تتحول إليه في حياتك المقبلة؟! لو لم تفكر به فحاول أن تختاره في أقرب وقت، لربما يكون هو الشئ الوحيد الذي تكون قادر على اختياره لو تحول العالم كما في الفيلم الأيرلندي الحاصل على جائزة لجنة التحكيم لمهرجان “كان” السينمائي the lobster..

يأخذنا الفيلم إلى المستقبل حيث تدور أغلب أحداثه حول دولة ما يحكمها نظام يفرض على المواطنين ضرورة الحياة في شكل أزواج لا يهم إذا كنت شخصاً عادي او مثلي الجنس المهم أن تكون الحياة في شكل أزواج، أما الوحيدين فيتم اقتيادهم إلى فندق خاص بهم ليتم تأهيلهم لأيجاد شريك حياة لهم، وإذا فشلت في إيجاده خلال 45 يوماً يتم تحويلك إلى حيوان ما لأنك لست جدير بالإنسانية.

يتميز الفيلم بأنك تدخل في اجواءه سريعاً، ويعود ذلك لتميز مستوى مخرجه اليوناني الذي شارك في كتابته أيضا “Yorgos Lanthimos” في أول فيلم له ناطق بالإنجليزية من حيث اختياره للكادرات والاضاءة الغائمة وطريقة سرد الفيلم وإيقاع احداثه.

فالفيلم يعتمد على وجود راوية للأحداث “Rachel Weisz” تحكي لنا عن حياة بطل الفيلم “Colin Farrell” ولقاءه بباقي أشخاص الفيلم داخل مجتمعهم حتى نلتقي بها في منتصف الاحداث، وتبدأ كمشاهد في إدراك القواعد وتفهم طبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه لحظة بلحظة من خلال السرد والحوارات بداخل الفيلم، بالأضافة للأداء المتميز من كل أفراد العمل الذي أحسن مخرج الفيلم توظيفهم كل في دوره.

هل تخيلت العالم بدون إختيارات هذه هي طبيعة العالم الصغير لأبطال الفيلم، الذي ينحصر ما بين الفندق والغابة ومشاهد قليلة للغاية في المدينة، حيث الاختيارات محدودة دوماً وكلها شديدة التطرف، إما أن تعيش في أسرة مع زوج مغاير مثلي الجنس، او تذهب للفندق لتصبح مهدداً بالتحول خلال 45 يوماً لحيوان ما حالة عدم عثورك على شريك، او الهرب لتعيش مع الوحيدين وهم شديدي التطرف ككل شئ في هذا العالم حيث يحظر عليك مساعدة الأخرين او الرقص معهم او تبادل الحب أقصى ما تستطيع فعله هو تبادل الحديث من وقت لأخر مع احدهم، ومعنى اختيارك للوحدة هو أن تحرم من دخول المدينة وتصبح مهدداً بالإعتقال او القنص من نزلاء الفندق!

يناقش الفيلم بطريقة شديدة الذكاء فلسفة الاختيار، كيف تعيش بخيارات محدودة؟ يجعلك الفيلم تتأمل عالمك وكل شئ حولك هل أنا حر بالفعل؟! ما شكل العالم حينما يتم تحديد الاختيارات في شكل حياتك واختيار شريكك وشكل العلاقة بينكما؟ هل عدم قدرتي على إيجاد شريك ينفي عني إنسانيتي؟ هل من الضروري وجود تشابه بيني وبين شريك حياتي؟ تخيل الحياة مع اختلاف الموضوعات يمكنك أن تنحي “الحب” جانباً وتضع مكانه الدين، النظام الاقتصادي، النظام السياسي، العادات والتقاليد، اسئلة كثيرة دارت في ذهني أثناء مشاهدة الفيلم ودوما كان سؤالي ماذا لو كنت مكانهم؟ وهل سيكون التمرد على المجتمع مجدي حينها ام لا؟

في النهاية حاول أن تتخيل/ي أن معارفك السخفاء الذين يقولون لك في كل مقابلة “مش هنفرح بيك/ي بقى” او “مش ناوي/ة تكمل نص دينك” قد تحول لصانع قرار وموجه عام لقرارات الدولة لتواجه ببساطة ما واجهه أبطال الفيلم! او لتكون الصورة أكثر واقعية أن تقع تحت طائلة حكم ديني مهووس او فاشية ذات مرجعية أيدولوجية او مجتمعية ما.

348024

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *