خبراء يحذرون: هكذا ستتضرر تونس بعد التدخل العسكري في الجارة ليبيا
حذر خبراء تونسيون في مجالات مختلفة من تداعيات التدخل العسكري الوشيك في ليبيا على الوضع العام بالبلاد التي تشكو بدورها من أزمة اقتصادية وسياسية وأمنية خانقة تفاقمت بعد الثورة.
وأجمع أغلب الخبراء على أن تونس التي فتحت حدودها سنة 2011 لليبيين وللاجئين الأفارقة الهاربين من جحيم الحرب بالبلاد بين الثوار ونظام العقيد الراحل معمر القذافي “ليست هي نفسها تونس عام 2016″، كما أعربوا عن خشيتهم من اتساع رقعة المواجهات المحتملة وطول أمدها مما سينعكس سلباً على الوضع العام بالبلاد، خصوصاً وأنها ستؤدي إلى لجوء عدد كبير من الليبيين إلى أراضيها.
وكانت رئاسة الحكومة في تونس قد أعلنت في بيان رسمي الجمعة 12 فبراير 2016 عن تكوين لجان جهوية في محافظات الجنوب الشرقي من البلاد تحسباً لتطور الأوضاع في ليبيا والإعداد لـ”خطة عمل على مستوى كل محافظة للاستعداد للتعامل الناجع والميداني مع ما قد يطرأ من مستجدات وأوضاع استثنائية”، حسب نص البيان.
مخاوف من تسلل “عناصر إرهابية” للحدود التونسية
ويذهب الجنرال المتقاعد من الجيش التونسي محمد المؤدب إلى أن سيناريوهات التدخل العسكري غير المعلنة حتى اللحظة في ليبيا، سواء كانت في شكل عمليات جوية فحسب أو مصحوبة بعمليات برية، ستكون لها عواقب أمنية وعسكرية هامة على تونس باعتبار تداخل الجماعات الإرهابية في ليبيا من “داعش” إلى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وصولاً لجماعة “بوكو حرام” التي ترتكز في أقصى الحدود الجنوبية مع ليبيا.
ويضيف إن المشكل يتمثل في “امتلاك تنظيم داعش لعلاقات فكرية بالعديد من المجموعات الإرهابية الأخرى في المنطقة لا تقلّ تطرفاً عنها، وبالتالي لن تصبح القضية صراعاً غربياً ضد تنظيمات إرهابية، بل سيمتد لفصائل ليبية أكثر تشدداً”.
المؤدب حذر من أن القبائل الليبية قد تأخذ هي أيضاً موقفاً من التدخل الغربي في ليبيا وتعتبره غزواً وشكلاً من أشكال الاستعمار ويصبح الصراع في البلد “تكراراً لسيناريو التدخل الأميركي في العراق وأفغانستان”.
ويتخوف التونسيون من أن تستغل الجماعات المتشددة تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا للتسلل إلى داخل تونس عبر المناطق الصحراوية الشاسعة، واستغلال انشغال الجيش وقوات الأمن التونسيين في تأمين الحدود مع ليبيا، بتنفيذ “عمليات إرهابية من قبل الخلايا النائمة” في تونس، على حد تعبير المؤدب.
وقد كلف الجيش التونسي منذ سنة 2011، إلى جانب محاربة الإرهاب، بمهام مختلفة كحفظ النظام العام أو حراسة المنشآت العامة والخاصة أو تأمين سير الانتخابات، إلى غير ذلك من المهام المدنية.
وبالرغم من استكمال المؤسسة العسكرية التونسية بناء الساتر الترابي – خندق مائي يمتد على نحو 200 كم على الحدود مع ليبيا -كإجراء وقائي، غير أن هذا الإجراء لوحده “غير كاف” بحسب الجنرال المؤدب، الذي دعا لتعزيز المنظومة الأمنية بوسائل تقنية متطورة تساعد على إحكام السيطرة على المنطقة الحدودية على الحدود مع من مزيد التنسيق المحكم بين الجيش والحرس الوطني والجمارك.
ويختم قائلاً: “لا شك أن الشعب الليبي شعبٌ مسالم، لكن الوضع الحالي المعقد في ليبيا وكذلك بكامل منطقة الساحل والصحراء يجعل من البلد مصدر تهديد أمني وعسكري لتونس على مدى سنوات عديدة قادمة”.
الهلال الأحمر التونسي في حالة تأهّب
اقتراب الضربة العسكرية المحتملة في ليبيا، والتي رجّح خبراء أن تكون مع بداية شهر مارس/آذار 2016 دفعت بمنظمة الهلال الأحمر التونسي إلى اجتماع الخميس 11 فبراير/شباط 2016 مع أطراف وزارية في الحكومة وفق ما أكده الكاتب العام لهيئة الهلال الأحمر التونسي للإغاثة الدكتور الطاهر الشنيتي.
وأشار الشنيتي إلى أن الاجتماع كان هدفه “التنسيق والمتابعة على ضوء السيناريوهات المحتملة في ليبيا والاستجابة بعد ذلك وفقاً لما ستفرزه المعطيات على الميدان بحسب حجم التدخل العسكري ومدته والأماكن المستهدفة”.
ولم يخف الدكتور الشنيتي خشيته من تدفق أعداد هائلة من اللاجئين على الحدود التونسية “هرباً من الضربات الجوية الغربية من جهة، ومن بطش التنظيمات الإرهابية من جهة أخرى”، لاسيما وأن تونس التي عاشت سيناريو مماثلاً في 2011 واستقبلت مئات الآلاف من النازحين الليبيين والأفارقة، ” ليست لها الآن ذات الإمكانيات في سنة 2016 بسبب تدهور الوضع الاقتصادي من جهة والأمني من جهة أخرى، وهو العامل الأخطر”، حسب قوله.
واعتبر الشنيتي أن أغلب اللاجئين الذين استقبلتهم تونس إبان اندلاع الثورة في ليبيا 2011 كانوا من جنسيات أفريقية ومثلت لهم تونس أرض عبور وليس استقرار، “في حين أن نوعية اللاجئين الذين ستستقبلهم تونس الآن يرجح أن يكونوا من سكان ليبيا المنحدرين من طبقات اجتماعية متوسطة وفقيرة، كما أنهم سيلجؤون لتونس بشكل دائم، وهنا يكمن الإشكال”، كما يقول.
كما أشار الشنيتي إلى أن وضعية المواطن التونسي “الذي فتح بيته ذات يوم لآلاف الأسر الليبية ومد يد العون لهم، الآن يشكو من تدهور قدرته الشرائية في ظل غلاء الأسعار وتفاقم أزمة البطالة وتأجج الأوضاع الاجتماعية في المناطق الحدودية المطالبة بالتشغيل”.
مخاوف من تفاقم أعداد اللاجئين المحتملة
من جانبه أكد الباحث والمختص في الشأن الليبي غازي معلا “وجود ترتيبات سياسية مؤكدة لشن هجوم غربي على ليبيا، فيما لاتزال أهدافه الحقيقية غير واضحة باستثناء الهدف المعلن المتمثل في القضاء على داعش” حسب قوله.
وأضاف معلا بأن “هناك عمليات إنزال في الشرق الليبي وتمركز بوارج حربية في مياه المتوسط، فضلاً عن تحليق طائرات غربية في سماء ليبيا”، مؤكداً في ذات السياق “وجود حركات نزوح من سكان سرت نحو مناطق أكثر أمناً”.
وأعرب هو الآخر عن “مخاوفه من عدم قدرة تونس على استيعاب مئات الآلاف من النازحين الليبيين بسبب تردي الوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار وتدني القدرة الشرائية للتونسيين، مما سيجعل من حركة اللاجئين عبئاً ثقيلاً على كاهل الدولة”.
وكانت وسائل إعلام ليبية قد أكدت فعلياً تضاعف وتيرة نزوح سكان مدينة سرت التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش إلى مناطق أكثر أمناً كمصراتة والجفرة وبني وليد والمناطق الشرقية نتيجة ممارسات هذه المجموعات والتي عززتها مخاوف من اقتراب ضربة غربية وشيكة ضدها.
وفي ذات السياق استبعد معلى أي دور فعلي يمكن أن تلعبه الدبلوماسية التونسية في منع قرار التدخل الأجنبي على ليبيا، معتبراً أن بلاده “تقع بدورها تحت الضغط”، واستدرك قائلاً “تونس لا ترغب فعلياً في التدخل العسكري بليبيا بحسب تصريحات وزير الدفاع والخارجية والرئيس التونسي نفسه، وترى فيه خطراً على أمنها وعلى المنطقة”.
انعكاسات كارثية على صندوق الدعم في تونس
رئيس جمعية عمل وتنمية متضامنة في تونس الراضي المؤدب، اعتبر بدوره أن “القرار الغربي بضرب داعش تم حسمه بعد أن أصبحت سلامة أوروبا وأمنها على المحك مع تمركز التنظيم في خليج سرت، لكن يبقى القرار السياسي الأخير وإن كان سيؤخذ فعلياً بطلب من الحكومة الليبية القادمة التي تواجه ضغوطاً لتشكيلها، أو أنه سيحسم خارجياً بمنأى عنها”.
ورجح المؤدب في ذات السياق أن تدفع تونس “ثمن هذه الضربة الغربية المحتملة على ليبيا” بنزوح نحو مليوني ليبي على أقصى تقدير نحو الأراضي التونسية، وأضاف “من الناحية الإنسانية وبحكم عامل الجوار لا يمكن بتاتاً لتونس أن تقفل أبوابها في وجه الليبيين، لكن في المقابل ستكون لهذه العملية آثار كارثية على الاقتصاد التونسي من ناحية تأمين المواد الغذائية لنحو مليون شخص أو أكثر والحال أن أغلب هذه المواد مدعومة من الدولة مما سيزيد العبء على صندوق الدعم في تونس في ظل وضع اقتصادي منهار”.
خطة وطنية شاملة تحسباً للطوارئ
وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي كان قد أكد لوسائل إعلام محلية الأربعاء قرار الحكومة التونسية بتشكيل لجنة وطنية تحت إشراف وزارة الخارجية ستكون مهمتها إعداد خطة وطنية أمنية وإنسانية متكاملة تحسباً لأي طارئ ناتج عن ضربة عسكرية محتملة على ليبيا.
ويتعلق الجانب الأمني من الخطة بمجابهة أي خطر أمني طارئ على التراب التونسي على غرار حماية الحدود والتيقظ من محاولات تسلل عناصر إرهابية للداخل التونسي، أما الجانب الإنساني فيتمثل في إغاثة الوافدين من ليبيا بالتنسيق مع منظمات أممية دولية ستكون جاهزةً قبل نهاية الأسبوع.
هافينغتون بوست عربي