عماد الدين حسين يكتب : هذه الكائنات الإعلامية الجهولة

هل أدركت مؤسسات الدولة المختلفة أخيرا أن بعض الإعلاميين المحسوبين عليها قد صاروا يمثلون خطرا داهما على ما بقى من رصيدها وسمعتها؟!!!.

قبل أيام خرجت الممثلة رانيا محمود ياسين لتتشفى فى الشاب الإيطالى المقتول جوليو ريجينى وتقول «هو أول واحد يموت يعنى.. ما يتحرق ولا يموت ولا يغور فى داهية».

هذه السيدة ــ التى فشلت فى أن تكون نجمة سينمائية مثل والدها الفنان القدير محمود ياسين، والفنانة المعتزلة شهيرة ــ استغلت الانفلات الموجود فى المجتمع، وقررت أن تحترف مهنة الإعلام.

ما فعلته رانيا يفعله كثيرون فى «قنوات بير السلم»، لكن هؤلاء يمارسون تخريبهم وتشويههم للعقل المصرى، ولا نشعر بخطرهم المباشر مرة واحدة. لكن ما فعلته رانيا كان كارثيا لدرجة أن كلامها تم ترجمته حرفيا مرات ومرات وتم بثه ونشره فى غالبية وسائل الإعلام الإيطالية، وبعض وسائل الإعلام الأوروبية.

المأساة أن هؤلاء تعاملوا مع كلام هذه الإعلامية الفاشلة باعتبارها تمثل كل الإعلام المصرى. للأسف هؤلاء لا يعرفون أنها دخيلة على هذا الإعلام، وأنها لا تمثل إلا نفسها، أو ربما تمثل شريحة صغيرة جدا جرى تشويهها وتخريب واستلاب عقلها ووجدانها.

صحيح أن رانيا حاولت أن تتنصل من كلامها لاحقا، رغم أنها لم تعتذر بصورة واضحة، لكن للأسف كانت الكارثة قد وقعت.

للموضوعية وحتى لا نظلم رانيا ونقسو عليها، فإننا لا نستطيع أن نحملها المسئولية بمفردها، بل نلوم أساسا البيئة والمناخ والثقافة والقوانين التى تترك لها ولكل من هب ودب أن يؤسس قناة تليفزيونية، ويخصصها لبث الخرافات والدجل والشعوذة، واستئجار كل من هب ودب أيضا لكى يملأ ساعات الهواء الطويلة، بكلام يجمع ما بين«الهبل والهطل والجهل والركاكة».

تنكر الحكومة وأجهزتها دائما مسئوليتها عن أمثال هذه الكائنات التى اقتحمت بيوتنا فى غفلة من الزمان، وإذا افترضنا صدق الحكومة ــ وهو أمر محل شك كبير ــ فإن هذه الكائنات صارت تمثل خطرا داهما ليس فقط على الحكومة، بل على مستقبل هذا البلد بأكمله.

بغض النظر عن نية الحكومة ومسئوليتها، فإن كل كلام هذه النوعية من أشباه الإعلاميين محسوب على الحكومة، لأنها إذا كانت استفادت من دورهم فى وقت من الأوقات، فإنها تدفع ثمن أخطائهم الفادحة فى معظم الأوقات.

الأغرب من الخيال أن الحكومة وغالبية أجهزة الدولة لا تريد أن تصدق حتى الآن الخسارة الفادحة التى تتحملها بسبب هذه «النوعيات الغريبة من المؤيدين».

بسببهم خسرت الحكومة فئات وقطاعات عريضة من المصريين، خصوصا المثقفين وغالبية المهنيين وكل الشباب. يكفى أن يكون من يدافع عن الحكومة أمثال رانيا ياسين لكى يصطف غالبية المشاهدين فى صف المعارضة فورا. الجديد الآن أن الحكومة صارت تخسر أكثر فى الخارج. بعد أن رأينا هذه السيدة تتحدث بمثل هذا الكلام العنصرى وغير الإنسانى.

موقفنا فى قضية ريجينى صعب للغاية، لأسباب متعددة وبالتالى عندما تترجم وسائل الإعلام الإيطالية كلامها حرفيا، وتتعامل معه باعتباره يمثل الرأى العام المصرى أو جزءا منه، يكون موقفنا أكثر سوءا.

لا نطالب الحكومة وأجهزتها بتقييد الإعلام أو حظر هذه القنوات الكارثية. لكن على الأقل على الحكومة وكل مؤسسات الدولة أن تطبق القانون، أو أن تعلن موقفا واضحا وحاسما من بعض الإعلاميين والقنوات الذين يزعمون أنهم يتحدثون باسمها. عليها أن تبتعد عن رعاية هذه القنوات سرا أو جهرا حتى تقطع عنها أسباب الحماية والحياة وبالتالى التخريب والتدمير.

هذه القنوات وهؤلاء الإعلاميون لا يورطون مصر فقط فى مشاكل وأزمات مع إيطاليا وأوروبا، لكنهم يتسببون فى نشر كل أنواع السرطانات الخبيثة فى أجساد وعقول المصريين. والأخطر أنهم يحولون بعض مشاهديهم إلى كائنات تصدق كل حديث الدجل والخرافة والمؤامرة، وتكره الصدق والحقائق والعلم.

الحكومة وأجهزتها أول من سيدفعون ثمن هذه الفقاقيع الإعلامية، وأظن أنها بدأت فى الدفع فعلا.. ومن يحضر العفريت فعليه أن يصرفه!

الشروق

شكرا للتعليق على الموضوع