أحمد عطاالله يكتب : قوة الضعف …

اعتمدت إسرائيل ككيان استعماري منذ نشأتها على سلوكيات فجة في تعاملها مع الفلسطينيين أصحاب الأرض الأساسيين بكل مكوناتهم الدينية والطائفية، مستفيدة من الإرث الاستعماري الاوروبي الذي شارفت تجاربه على الانتهاء والأفول في أربعينيات القرن العشرين، فمارست كل تلك التجارب الاستعمارية الاحلالية على شعب فلسطين محاولة اقناع نفسها شعبويا ونخبويا انها دولة وليدة التاريخ والاستحقاق الحضاري للديانة اليهودية.

في المقابل مارست بشكل منهجي اشكالا سياسية وعسكرية متعددة لقتل أمال الآخرين في استنهاض فكرة مقاومة المشروع ونبذه، مطبقة منهجية كي الوعي لدى الشعب الفلسطيني وخلق توترات نفسية عنده في عدم جدوى مقاومة هذا المشروع “التاريخي والحضاري لبني صهيون”! وما لم يلتفت إليه قادة إسرائيل الأوائل، وحتى المتأخرين ممن يطلق عليهم ملوك إسرائيل الجدد، أو القادة التاريخيين لدولة إسرائيل، أن أي مشروع استعماري يحمل في طياته بذور رفضه وعوامل مقاومته، لأنه ببساطة هو مشروع استعماري بنيوي متكامل، فهو يتضمن نقائضه المتضادة مع هدفه النهائي.

ولأن الظرف المكاني والزماني لا يكون غالبا في صالح المستعمِر، فإنه بالضرورة يشكل عنصر قوة كامنة لدى المستعمَر المقهور، على قلة امكاناته المتاحة او حتى انعدامها، فهي لا تؤشر إلى عامل ضعف في سياق تاريخي متكامل.

إذا لا يمكن هنا قياس ضعف رد الفعل أمام سطوة الفعل في ميزان الربح والخسارة، فكثير من ذوي السطوة تخلخلت إرادتهم وقوتهم أمام فعل لا يضاهيه في القوة والوسائل الجبارة التي يحوزها.

فأي حركة فعلية تاريخية تتضمن في ذاتها وهيئتها بذرة تناقضها، ولنأخذ مثلا: بريطانيا العظمى التي تمثل أكبر تحرك استعماري في التاريخ توقفت اهدافها وبرامجها لتعزيز حركتها عند سهام قبائل الزولو البسيطة، وفي ذلك تجمدت حركة التاريخ المصنوع لصالح تاريخ الانسان الذي يجب ان يزرع دائما بذور المقاومة من أجل حريته وانعتاقه من قيود الزمن والفعل المتسلط.

وهذا يصب في صالح الضعيف، فعنده يتجمد فعل القوي، لأنه لا يستند على حقل أخلاق يمده بالقوة ذاتها التي تمد الضعفاء – شريطة أن يكونوا أصحاب حق – فأمريكيا سطت بقوتها الذرية على شعب اليابان لكن الأخير فاز في السياق التاريخي على هذه السطوة الجبارة .

حتى عدم الفعل يمثل فعلا قاتلا، لأنه يغير مجرى الفعل ويحد من جبروته وتواصله، ليحرفه الى سياقات أخرى غير التي تتسق مع المنهج المتبع في ممارسة القوة أو استعراضها. ألم تجمد صور ومشاهد الفيتنامي الذي ينتعل حذاءه المصنوع من مخلفات اطارات السيارات أمام جبروت الجندي الامريكي، الفعل الاستعماري المجنون؟ ذلك كان برفض منطق القوة والتسلط غير الاخلاقي. فجبروت القوة وممارستها يُشلُّ عند ضعف الوسيلة لدى الخصم الضعيف، وهذا ما اشار له الكولونيل البريطاني جرين في الحديث عن جبروت قوة القنبلة الهيدروجينية او النووية عند القوي امام خشبة مسمرة في أرض فلاح بسيط. الم يعيق اطفال الحجارة في الانتفاضة الاولى حركة تاريخ الاستعمار الصهيوني ؟ بلى. ألم نلحظ طفلا فلسطينيا شل حركة كتيبة مؤللة ومدججة بالسلاح في زقاق حي صفيحي؟ بلى. ومذ ذاك الحين لم يهنأ هذا الاستعمار الاحلالي على استكمال برنامجه الذي يحول منطق الاستعمار الكولونيالي الاحلالي الى مجرد عدم تناغم في الوسائل الحياتية، ليصبح الصراع على أساس المشروع ومدى أخلاقيته ومشروعيته، بعيدا عن تحويره إلى مشاكل سكانية وخدماتيه بين قوميات متعددة في دولة عتيدة وراسخة.

إذا في خضم عدم توازن وتكافئ الفعل ورد الفعل، فإنه يتحتم على الضعيف أن يمتلك وسيلته الضعيفة أيما تملك، ويدرك مدى فعاليتها وقوتها، مستندا على ايمانه بحركة التاريخ التي لا تخطئ، والتي تنصر قوة أخلاق الضعيف وتهتك قوة المتسلط وتشوه أخلاقه المشوهه.

بقلم : أحمد عطاالله كاتب وصحفي فلسطيني

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *