ندى معوّض تكتب: محاربة الفساد… من أين تبدأ؟
هنالك آية كريمة تقول: “إِنَّ اللَّه لَا يُغَيِّرُ ما بقَوْمٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم”، وكذلك هنالك الحديث الشريف: “كيفما تكونوا يُولّى عليكم”… وأيضًا قول السيد المسيح: “أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلًا جَيّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ في أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بنَفْسِ الْكَيْلِ الذي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ.”
يذكر أيضًا الدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م)، مؤسّس مركز علم الإيزوتيريك الأول في لبنان والعالم العربي: “الانسان هو نظام قائم بذاته، وهو النظام الوحيد الذي يمتلك زمام التحكّم بنظام نفسه بنفسه”…
هذه العبارات هي تصريح واضح بأنّ الإنسان، كلّ إنسان، هو محور أحداث حياته، وهو المسؤول الأوّل والوحيد عمّا استجدّ ويستجدّ فيها، وهو الوحيد القادر على تغييرها… لذا، فهو الوحيد أيضًا الذي لا يحقّ له أبدًا أن يُبرّر أو يشتكي أو يتذرّع، أو يُلقي اللّوم على غيره، أو على حظّه أو على “ظلم” الحياة، الخ…!
لقد أصبح موضوع محاربة الفساد “موضة” وشعارًا يحمله الكثيرون ممّن يسعَون للخير والإصلاح، ومنهم من يدّعون هذا السعي طبعًا. وكي نفهم الفساد، لا بد من الأسئلة الآتية:
ما أصل الفساد؟ أين ينمو؟ كيف نحاربه؟ وكيف نحمي نفوسنا منه؟ والأهم، كيف نؤسّس لمستقبل لا مكان للفساد فيه، بل فقط للخير، كلّ الخير؟
قلّة هم أولئك الذين يعملون لصالح الآخرين، أو في سبيل خير البشر، من دون مقابل مادّي أو معنوي… أولئك هم من يجب أن نمنحهم، أقلّه أذنًا صاغية، لأنّ لا مصلحة شخصية لهم. ولكن، كيف نتأكّد من ذلك؟ بكل بساطة، يمكن لكلّ من يريد معرفة الحقيقة أن يرى كيف يعيش هذا الإنسان. هل يعيش وِفق مبادئه و”شعاراته”؟ أم أنّ الفكر والقول والفعل لديه في تناقض؟ ولكن… هل كلّ إنسان قادر على دراسة هذا الأمر بموضوعية؟ أم أنّ الضبابية المشاعرية تغشّي رؤيته للحقيقة؟
لو تفكّرنا قليلًا، لرأينا بأنّ الطعام الفاسد، مثلًا، غير صالح للأكل.
البُحيرة الراكدة المياه تصبح مع مرور الوقت مستنقعًا آسنًا فاسد المياه. فتيّار الماء هو الوحيد القادر على تحريك مياه البُحيرة، والتيّار لا يمكن أن يتحقّق من دون “انفتاح” البُحيرة…!
فهل يمكننا تشبيه هذه البحيرة بالنفس البشرية أو بالفكر مثلًا، لنقول إنّ النفس المنغلقة على حركة الوعي، والمنغلقة على الآخر، المتعصّبة في قوقعتها، ستتحوّل إلى ما يشبه المستنقع؟ وهل يمكننا الاستنتاج بسرعة، أنّ عدم الانفتاح هذا هو أحد أسباب الركود الداخلي، بالتالي تربة خصبة لاستقبال الفساد؟
الفساد المذكور لا يُقصد به فقط الرشوة أو التزوير أو الاختلاس، أو استغلال السلطة الممنوحة لتحقيق منافع شخصية… بل الفساد أيضًا هو عدم إعطاء كل ذي حقٍ حقّه في حياتنا، هو عدم الوفاء بالوعود والعهود، وهو عدم تأدية دورنا كما يجب، أيًّا كان هذا الدور، سواء في العمل، في العائلة، أو حتى مع نفوسنا…
يذكر علم الإيزوتيريك في كتاب “رحلة في آفاق عصر الدلو” بقلم ج ب م (ص 41-42): “يؤمن البشر على أرض الواقع بالقوة الظاهرة – الأنا – ويتجاهلون تأثير القوّة الحقيقية الخافية – المحبّة – إذ يجهلونها، أو يجهلون مفاعيلها! فالإنسان لا يزال ينجذب إلى المظاهر على نحو جارف، وهذا الجاذب يؤسس لمتاهات يعشش فيها الفساد الذي يشكّل النزعة الأكثر ترسّخًا في الزمن الراهن. بالتالي إنّ الانعتاق من هذا الجاذب – جاذب الأنا والمظاهر الخارجية – يشكّل الخطوة الأولى لتحرير الحياة على الأرض من الفساد السائد على تفاصيل التعامل بين البشر”.
يمكننا الاستنتاج هنا أنّ الفساد مرتعه النفس البشرية في الشخصية الفردية. فكما يقول الإيزوتيريك أيضًا: “ليس هنالك عمل ناجح وعمل فاشل، بل هنالك إنسان نجح في عمله وآخر فشل فيه”. كذلك، ليس ثمة “مؤسسة فاسدة” أو “مشروع فاسد” بل الأشخاص الذين يعملون في تلك المؤسسة أو في ذلك المشروع، هم الفاسدون (وطبعًا ذلك لا يشمل الجميع بالتأكيد).
إنّ حبّ الأنا، والتعلّق بالمظاهر هي التي تؤسس لمرتع الفساد في النفس البشرية. والخطوة الأولى للتحرّر منه هي الانعتاق من جاذب الأنا والمظاهر الخارجية. كيف؟ عبر تفتيح المحبة في النفس! كيف؟ عبر تحقيق الحبّ في الحياة… “قد لا يدري المرء أنّه كلما تعمّق وارتقى في شعور الحب، واجه أشدّ السلبيات شراسة وترسّخًا بهدف تهذيب الأنا في نفسه.” (من كتاب “الأحلام والرؤى” بقلم ج ب م ص 200). نعم، قد يبدو الجواب بسيطًا للبعض، ولكن شئنا أم أبَينا، فأجنحة الحبّ هي الوحيدة القادرة على رفع المرء نحو المحبة… وبقوّة المحبة المتفتحة في الشخصية البشرية الفذّة، يمكن التغلب ليس فقط على الفساد، بل على شرور العالم بأسره…
لذا، بالعودة إلى العبارات التي ذُكرت في بداية هذا المقال، إذا أردنا أن نغيّر واقعنا، علينا أن نتغيّر نحن قبل أي شيء. فكيف سنحارب الفساد، إن لم نحاربه في نفوسنا أوّلًا؟؟!!
إقرأ للكاتبة
ندى معوّض تكتب: مستلزمات تغيير المسلك الحياتي إيجابًا