عبد الصمد وسايح يكتب : تجارة التعليم المربحة

الدفع مقابل الحق هو امتياز لمن يملك المال و تهميش لمن لا يملكه، و التعليم حق أساسي في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، شأنه شأن جميع الحقوق، دون ربطه بالوضعية الإقتصادية أو الجنس، أو الدين .

وهو في نفس الوقت وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الإنسان الأخرى و حماية الهوية و الثقافة و القيم المحلية التي يتميز بها كل بلد ، هذا في حالة ما إذا استطاعت الدولة وضع مخطط إستراتيجي و توفير الدعم الضروري له من أجل ضمان المساواة بين جميع طلبة و تلاميذ أبناء الشعب في البيداغوجية التعليمية و جعلها في متناول كل طلاب العلم كيف ما كان مستواهم الإجتماعي و الإقتصادي حتى لا يبقى الإمتياز في يد من يملك الثروة فقط .

لكن للأسف الشديد و رغم تعاقب مجموعة من البرامج التي تسعى إلى الرقي بقطاع التعليم و تخصيص ميزانيات ضخمة في بعضها ما زال القطاع يتخبط في غياب الإنتاجية المدنية و المساواة في المرجعية و الإنسحاب الممنهج من تحمل المسؤولية في توفير الحقوق الكونية و الدستورية لأصحابها، و اللجوء إلى إخلاء الساحة للمتاجرين بالحقوق من المستثمرين في القطاع الخاص و ترك الساحة فارغة لهم حتى يتمكنوا من تحقيق ثروات على حساب الحق في التعليم الذي كان من الضروري أن تلتزم الدولة بتقديمه بالمجان لمواطنيها بما أنها المؤسسة التي تتكفل بتدبير ثرواتهم الطبيعية و الضريبية و التمويلات التي تمر عبر صناديق التعاون الثنائي و المنظمات الدولية الأخرى و تدبير الشأن العام بصفة عام .

لكن هروب الدولة من مسؤولياتها أتجاه تدبير أخطر قطاع ربما يكون أخطر من وزارة الدفاع على مستوى التكوين و التدريب و التحصيل أو على مستوى الإستقرار الإجتماعي و ذهابها نحو تحميل ميزانية الأسر بكل مستوياتها تمويل تعليم أبنائها من جيوبها دون أن تقدم لها أي دعم مادي يقيها من ارتفاع أسعار التعليم في السنوات الأخيرة، و تركتها بين أيدي مافيات لا يهمها سوى الربح حتى على حساب الحقوق، دون توفير دفتر تحملات تحدد فيه أسعار التعليم التي يجب تبنيها من طرف أي مستتثمر يريد الولوج إلى سوق التعليم .

إن ما يقع اليوم و رغم صمت الكثيرين عليه و التخلي عن استثمار الدولة في تعليم أبنائها و حماية حقوقهم من لوبيات لا تعرف سوى لغة الأرباح يهدد استثمار الإنسان في الإنسان و لن تصنع لنا سوى مجتمع  ضعيف غير قادر على مواجهة التحديات وحماية الهوية و ستتوسع فيه الهوة أكثر فأكثر، في الوقت الذي كانت من أهدافه السامية إتاحة الفرصة لإنتشال الكبار و الأطفال المهمشين اجتماعيا و اقتصاديا من الفقر و الجهل و مشاركتهم الكاملة كمواطنين ممنوحين الحقوق و ملتزمين بالواجبات .

 لكن للأسف أصبحنا أمام نظرية القرن الواحد و العشرين الجديدة عندك المال تقرا،…ما عندكش إلى المجهول ، فمتى ستتحمل الدولة المسؤولية بجدية و يصبح التعليم صدقة جارية و غير مؤدى عنها.

 المغرب – Ziripress

شكرا للتعليق على الموضوع