سجن الفراشة ” قصة واقعيّة ” (3)

اقرأ الجزء الثانى

أذعنت هدى سريعاً هذه المرّة. كانت تعرف ما ينتظرها إذا قاومت هذا القرار. بدأت مشاعرها تقسو وتعتاد على أسوأ الاحتمالات. ليتها لم ترضخ. ليتها قاومت بأسنانها وعينها الباقية وفتات مشاعر الأمومة التي بقيت لديها. رضوخها عجّل في موتي، وأذاقني أهوالاً رهيبة. كنتُ أتهيّأ لجحيمي تلك الليلة. حتى أكثر المخيلات رعباً، لم تكن لتتصوّر ما ينتظرني.

في السادسة من عمري، واجهت الشيطان وحيدة، عارية، وبلا أظافر. أيتها العناية، أين كنتِ في ذلك الزمن المشؤوم؟

بكيت كثيراً في الطريق إلى منزل العائلة الجديدة. بدت على أمي مسحة من اللامبالاة والتأفّف. دفنت وجهي في صدرها لأحضّها على الوقوف بجانبي.

– “إفعلي ما يقول أبوك”. قالت “سيضربك إذا لم تكفّي عن النحيب”.

– “لن أترككما، لا أريد، أعيدوني إلى البيت، أرجوك أمي، لن أفعل شيئاً سيئاً بعد اليوم”.

– “كفى”،  صرخت من بين أسنانها المشدودة.

شعرت بالأحداث تتكرّر بشكل وثائقي. غمرتني المشاعر نفسها في كلّ جزء من الحدث.

وصلنا إلى منزل آل المفتون في طرابلس. لماذا تدور حياتي كلّها حول هذه المدينة الشماليّة؟ التعاسات تنطلق من هناك، وتعود لتصبّ في الأماكن نفسها. دارت الأحاديث من غير مشاركتي، كأنهم يساومون على غلّة البيدر. الجدّة سلمى المفتون، امرأة في الخمسينات من عمرها. لا شيء في وجهها يفصح عما يدور في باطنها. أمسكت الحوار بحزم، وبدت قاطعة في آرائها. في زاوية الدار جلس مراهق في السابعة عشرة من عمره تقريباً، خلف طاولة تكدّست عليها الكتب والأوراق، وراح

يلتفت إليَّ بين الحين والآخر مستطلعاً. إسمه “وائل”، وهو الابن الأصغر للعائلة.

قرّرت في ذاتي أن ألعب دور الفتاة السيئة. بدوت غاضبة ونكدة كلّ الوقت، ونظرت بعدائيّة إلى كلّ المحيطين بي. فكّرت أن ذلك قد يدفعهم إلى تجنب إبقائي لديهم. لكن الأمور دارت بشكل آخر. هذه المرّة كان الإتفاق قاتلاً. عملية بيع فاضحة لمدة تسع سنوات. علمت ذلك في ما بعد، وعلمت أيضاً أن اتفاق العمل الذي وقّعه أبي لتشغيل أختي الكبرى إبتسام، وقبض ثمنه سلفاً، كان لمدة ست سنوات. يتقاضى أجر هذه المدة مسبقاً ويترك إبنته في منزل المستخدمين ويرحل.

تسع سنوات من حياتي البائسة باعها لعائلة لا يعرف عنها شيئاً إلا رغبتها باستخدام طفلة فقيرة لتقوم بأعباء المنزل. قبض ثمن عملي واستعبادي ومأساتي، وأدار قفاه مغتبطاً بهذه الصفقة. الأولاد حقاً، شيء مربح! إبتسام من قبلي، ثم أنا، وبعدنا جاء دور رانيا وإلهام.

جلست أرضاً وتمسّكت بفستان أمي. لا بدّ من أن يؤمّن لي ذلك بعض الحماية. مرّة أخرى جاء دور خدعة الحليب.

– “هل حقاً تحبين الحليب كثيراً؟ وأنا أيضاً أحبّه”.

قالت الجدة بلطف موزون وهي تتوجّه إليَّ.

– “لا، لا أحبّ شيئاً”. هذه المرّة لن ينالوا مني بسهولة، قلت في نفسي.

– “تعالي معي سنشرب معاً كأسين من الحليب”.

– “لن أذهب إلى أيّ مكان. أريد أن أبقى مع أمي، لا أريدها أن ترحل بدوني”.

– “لا أحد سيرحل بدونك. تعالي، لا تخافي. سينتظراننا هنا ريثما ننتهي، هيّا”.

نظرت إلى أعلى حيث يقع وجه أمي، فابتسمت لي.

– “هيّا، إذهبي مع تيتا سلمى”  قالت مشجّعة. “سـننتظرك هنا”.

أراحتني كلمة “تيتا” قليلاً، وخفّفت من توتري. تذكّرت الأيام الماضية وشعرت ببعض الدفء يسري في عروقي. نهضت حذرة ومتأرجحة. لم أغب بنظري لحظة عن الموجودين. دخلنا إلى المطبخ، وتركت أذنيَّ تتابعان بدقة الحركة في الخارج. فجأة شعرت بأهلي يهمّون بالرحيل. قذفت بنفسي وأنا أصرخ “أمي”، فوصلت سريعاً إلى الباب الرئيسي. كانا فعلاً على وشك المغادرة. إرتميت على فستان أمي وتشبّثت به بكلّ قواي ووجعي، وانفجرت فوراً في نوبة بكاء حاد وفاجر.

– “أرجوكِ أمي لا تتركيني هنا، لا أريد أن أبقى وحيدة. أرجوكِ خذوني إلى البيت . لا تتركيني أمي، أرجوكِ”.

ردّدت الكثير من هذه التوسّلات وسط بكائي، وأمي تحاول إبعادي عنها وفكّ أصابعي التي تقلّصت بعصبيّة فوق فستانها. لم أكن واعية لما يقال من حولي، تحوّلت حياتي وقتها إلى لحظة صراع مرير للحفاظ على قدرتي على التشبث بالفستان. زاد صراخي وقنوطي بشكل قاسٍ عند ذلك الباب الفاصل بين حياتين، فضاق الجميع ذرعاً بي، وكان أبي على ما يبدو، أكثر الموجودين ضيقاً وعصبيّة.

– “هيّا يا عاهرة، ستبقين هنا ولو انفجر قلبك من البكاء والعويل. هيّا، اتركي أمك وارجعي إلى الداخل”.

أشبعني شتماً وتهديداً، وأنا لم أنكـفئ. عندها أمسك يديَّ المقفلتين وشدّ عليهما كالثور، حتى شعرت بأن عظامي ستنسحق. ولما أفلتُّ الفستان، لطمني لطمة قويّة قذفتني إلى الوراء كالقش اليابس، فارتطمت بالحائط وانهرت أرضاً فاقدة الوعي.

تلاشت الأصوات من حولي وتغبّشت المشاهد للحظات، كانت كافية لتترك لأهلي فرصة الرحيل. عندما استعدت الوضوح قفزت كالمجنونة إلى الشرفة، فرأيتهما يركبان سيّارة أجرة. صرخت مجدّداً ليعودا ويصطحباني، وعاودني البكاء. لم يصل صوتي إلى أيّ مكان. بقدريّة مميتة، رأيت السيارة تبتعد وتختفي في أحد الأزقة. ارتخت قواي، فتقوقعت فوق بعضي أنشج نشيجاً خافتاً. طال الوقت بي على هذه الحال حتى هدّني النعاس، فغفوت. استيقظت بعد ذلك على يدٍ صغيرة تهزّني. فتحت عينيّ فوجدت قبالتي طفلة في السادسة من عمرها تقريباً.

– “أنا لارا. ما بك نائمة هنا؟ قومي لنلعب معاً”.

عاودتني روحي سريعاً لرؤية شخص من عمري. نهضت مـن

مكاني وسرت خلفها صامتة. في الداخل، كان المنزل قد إمتلأ بوجوه جديدة. أحسست أنني غير معنية بالموجودين. لحقت لارا إلى إحدى غرف النوم، فوجدت طفلة أخرى في الرابعة من عمرها، منكبّة على مجموعة من الألعاب.

– “هذه رلى، أختي الصغيرة”.

جلسنا معاً، وسرعان ما استغرقت في لهو الطفولة.

لارا  و رلى هما ابنتا السيدة أمل، الابنة الصغرى لعائلة “المفتون”. ارتحت إلى رفقتهما في جوّ من الغربة القسريّة. دخلت أمهما إلينا لتلقي نظرة عليّ. أحسست أنها أحبتني. أسمعتني بعض الكلمات اللطيفة، وأمضت بعض الوقت معنا.

بعد يومين جاء إبراهيم الجندي زوج أمل، وفهمت أنه سيصطحب عائلته إلى بلدة “أبلح” في البقاع حيث يقطنون. ثم سمعتهم يتحدّثون عني. كان عليَّ أن أرحل بدوري معهم لأعيش في منزلهم. لم تبدُ الفكرة سيئة بالنسبة إليَّ. وجودي مع لارا ورلى سيجمعني بأطفال من عمري أتقاسم معهم اللعب الذي لم أختبره في السابق. لم يكن يبدو من سياق الأحداث أن أيَّ شيء استثنائي يمكن أن يحدث.

– “انتبهي إلى حنان”، قالت الجدّة لابنتها. “مازالت صغيرة جداً”.

كانت هذه وصيتها الرقيقة قبل أن تجمعنا سيّارة الأب، وترحل بي بعيداً عن طرابلس وأهلي وكلّ ما شكّل في عمري حتى ذلك الحين الماضي والذكريات. لم أنسَ كلمات أمل  الأخيـرة التـي

ردّت بها على والدتها:

– “لا تخافي، سأعاملها كما لارا ورلى، وستكون رفيقتهما الدائمة”.

بيت الجندي في أبلح يقع على أطراف البلدة، وهو مؤلف من طابق واحد وله مدخلان، واحد رئيسي وآخر يقع في الجهة الخلفيّة ويؤدي إلى المطبخ ويمكن الوصول إليه عبر درج مستطيل. عندما وصلنا إلى البيت، بدا مهجوراً. محتوياته مغطاة بقطع بيضاء من القماش، لأن العائلة كانت تمضي جزءاً من عطلتها الصيفيّة لدى الأهل في طرابلس. جرّتني لارا فوراً إلى غرفتها ورحنا نخرج معاً ألعابها من الخزائن ونلهو بها. بعد دقائق دخلت أمل إلى الغرفة ونظرت إليّ باندهاش:

– “ماذا تفعلين؟ ألم تري حالة البيت المزرية؟ تعالي معي لتعينيني ببعض الأعمال”.

شعرت فجأة بقلق غامض يسري في عروقي. سرت خلفها، وبدأت بالقيام ببعض المهمات الطفيفة. وهكذا انقضى اليوم الأول.

اتّضح موقعي سريعاً منذ اليوم الثاني لوجودي في هذا البيت. لم تشأ أمل أن تهدر الوقت معي. أدخلتني فوراً إلى عالم الخَدَم. لم أستوعب سريعاً هذا الانقلاب في تصرّفاتها تجاهي. لقائي الأول بها كان مشجِّعاً وترك فيَّ انطباعات لطيفة. ما بها هذه السيّدة الغريبة انقلبت فجأة إلى آلة للأوامر المتلاحقة؟ أدركَتْ سريعاً أنه ليس لديّ أيّ خبرة في الأعمال المنزليّة. من كان ليملك في عمري مثل هذه الخبرة؟ بدأت فوراً تحدّد لي الأعمال للقيام بها.

– “احملي المكنسة الناعمة واكنسي غرفة الأولاد، سأقول لك بعدها ماذا تفعلين”.

كانت تريني قليلاً كيفيّة القيام بذلك وتنصرف إلى شؤونها. بدت أشياء العمل ضخمة ومرهقة بالنسبة إليَّ. عاملتها بصعوبة فائقة لم تخفت كثيراً مع الوقت. أمسكت المكنسة للمرّة الأولى، وأوقفتها إلى جانبي، فاكتشفت أنها تفوقني طولاً. احترت كيف أمسكها لأتمكّن من العمل بها، فزاد ذلك من حنقي وإرباكي. استغرق صراعي معها زمناً طويلاً قبل أن تعود أمل وتكتشف أنني لم أفلح بعد في السيطرة على هذه الآلة العملاقة.

– “لم تفعلي شيئاً بعد؟ يبدو أنكِ ستتعبينني. سأجلب لك على أيّ حال بعض الأغراض التي تلائم قصرك الشديد. هيّا، تعالي الآن سأعلّمك كيفية مسح البلاط”.

تواصل عملي منذ اللحظة الأولى لدخولي هذا المنزل. مضت ثلاثة أيام وأنا على هذه الحال، فتذكّرت أمي. عندما تلاشت الصورة التي ارتسمت في مخيلتي، والمليئة بالألعاب والرفاق، امتلكني حنين مفجع لعائلتي. تضاعفت نوبات بكائي من غير سبب، مما أغاظ أمل وزاد في قسوتها وتأفّفها. كنت أحسب وقتها أنه بإمكاني أن أناديها دائماً باسمها الأول “أمل”، لكنها وضعت حداً سريعاً لهذه الحميميّة المتفائلة من قبلي:

– “تنادينني ست أمل، أو معلمتي. لا تنطقي أبداً اسمي بهذا الشكل. هل فهمت؟”.

طبعاً فهمت! كنت بعيدة جداً في ذلك الحين عن معنى الطبقيّة وما تفرضه من تعابير وتصرفات خاصة. ظننت أن الفروقات مجرد أمور خارجيّة مقتصرة على نوعيّة الثياب وامتلاك بعض الأغراض الخاصة. هنا، اكتشفت أن الأطفال ليسوا متساوين. مع الوقت، بدأت لارا تقتبس من طبع أمها وطريقتها في التعامل معي، وتدخل ذلك في شخصيتها. رلى ظلت مختلفة. لم تجفُ وتستبد، لكن وجودها الرقيق كان عاجزاً عن مساعدتي في أيّ شيء. كيف لطفلة أصغر مني أن تشكّل حجراً مهمّاً في معادلة معقّدة وشائكة تدور في عالمها؟

كانت أمل في بداية الثلاثينات من عمرها عندما دخلت بيتها. امرأة جميلة، اجتماعيّة، تسهر على أولادها وتتابع أمورهم الصغيرة. لن تساعد هذه التفاصيل القليلة في فهم الأحداث الآتية. أنا نفسي لا يمكنني أن أجد أيّ رابط حتى الآن، بين ما كانت تظهر عليه وما فعلته بي. زوجها إبراهيم ينتمي إلى السلك العسكري، لهذا كان يغيب كثيراً عن المنزل، وعندما يحضر لم يكن يعيرني أيَّ اهتمام خاص، ولكنه في الوقت نفسه كان لطيفاً معي.

بعد أيام أرادت أن تعلّمني الجلي. اصطحبتني إلى المطبخ فوجدتْ أنني قصيرة جداً لأتمكّن من القيام بهذه المهمة. خرجت إلى الشرفة وعادت بصندوق خشبي مخصّص لتوضيب الخضار.

– “هيّا، اصعدي إلى هذا الصندوق لنرى إذا أصبح الوضع مناسباً”.

صعدت إليه، فارتفعت فعلاً فوق حوض الجلي. أمسكت هي ببعض الأواني وعالجتها بالصابون والماء، ونبّهتني إلى كيفية الالتزام بالطريقة الصحيحة للجلي والتأكد من رائحة الصحون بعد تنظيفها. تركتني بعد ذلك وغادرت إلى شؤون أُخـَر. تجمّدت بعض الوقت صامتة وحائرة. كيف أبدأ؟ وماذا عليّ أن أفعل الآن؟ كانت هناك ركوة قهوة وعدد من الفناجين. جذبتني الرسومات التي تركتها المادة السوداء. أمسكت الفناجين ورحت أتأمل بها، فوجدتها مليئة بالوجوه والطرقات والأشكال الغريبة. مددت يدي إلى داخل الركوة، وأخرجت منها البن الذي رقد في قعرها. وجدت التجربة مثيرة. رفعت يدي الملطّخة إلى الحائط قبالتي، ورحت أمرِّغها فوقه معجبة بما تتركه من رسومات ومشحات. استغرقت في هذه الخيالات الحالمة، ولم أستفق من شرودي إلا على وقع صفعة مدويّة من يد أمل القويّة فوق رقبتي.

– “ماذا تفعلين أيتها الغبيّة الصغيرة القذرة؟ تزيدين الأوساخ في بيتي بدلاً من أن تنظّفيها!”.

أمسكتني من شعري ورفعتني عن الصندوق الذي أقف عليه، ثم

جرّتني به إلى الخارج وهي تطلق بعصبيّة مخيفة شتائمها وتهديداتها. توقفتْ  قليلاً  في  وسط  الدار، وانهالت  عليَّ  بصفعات  متلاحقة  فوق  رأسي ووجهي، وأمسكت بعدها شعري من جديد وجذبتني إلى الحمام. قذفتني إلى الداخل وأقفلت عليّ الباب وسط بكائي.

كانت تلك هي المرّة الأولى التي تلقّيت فيها الضرب في منزل أمل. وقفت في الحمام خائفة ومطعونة بشعور حادّ من القهر. الصدمة عميقة وغير متوقعة. إلى من ألتجئ في هذا الوضع غير المتكافئ والشاذ في غربته؟ من أنادي؟ لا أحد. ما من يدٍ قادرة الآن على انتشالي.

درت على نفسي كالهائمة في صحراء شاسعة وبلا أفق، ففرغ رأسي من الأفكار. لم تبق في داخلي إلا مشاعر الضعف وعدم الحماية والأمان. تداعيت أرضاً وتركت ضعفي ينزف من كلّ مسامّي، وبقيت ساعات في هذا الذهول والتلاشي.

ببساطة، تحوّلت حياتي في الأيام التي تلت هذه الحادثة، إلى حياة رهينة بين يدي جلاديها. الرهينة تصارع لخلاصها، والجلاد يملك القوّة والسطوة. حتى المكان الذي كنت أنام فيه يستدعي هذا التشابه المخيف. كانت للزوج هواية ركوب الخيل، ويملك في المنزل أغراضاً خاصة بهذه الهواية يضعها في غرفة صغيرة ملحقة بالمطبخ تستعملها الزوجة أيضاً لتوضيب بعض الخرضوات وأغراض المونة. هنا كنت أنام، وفي هذه الغرفة راودتني أفظع كوابيسي. في مرّات أُخـَر كانت أمل تجبرني على النوم في الحمام، حين تغادر العائلة لتمضي نهاية الأسبوع في طرابلس. تقفل عليّ الباب من الخارج، وتتركني سجينة فوق المرحاض. وضع الغرفة الأخرى لم يكن أفضل. مساحتها ضيقة جداً لتتّسع لأكثر من جسدي الصغير. البلاط عارٍ صيفاً وشتاءً. في الصيف كنت أرتمي بملابسي فوق البلاط، وفي الشتاء كانت تعطيني غطاء صوفيّاً واحداً لأتدبّر به أمري. فكان عليَّ أن أضع قسماً منه على البلاط، ليخفِّف برودته القارسة، وألتفّ بالقسم الباقي طلباً للدفء، فأجد نفسي مكبّلة ومتقوقعة حتى أمنع قدر الإمكان تسرب البرودة إليَّ.

العمل لم يتوقف وكذلك نتائجه المأساويّة. ظلّ اللعب هاجسي كلّ الوقت. أفعل أيّ شيء لأكسر التتابع  غير المألوف لأيامي. أتحيّن الفرص القليلة لأنضم إلى لارا ورلى وأشاركهما اللهو والمحادثات. الغريب أنني لم أقبل أن أخضع يوماً لما كان يفرض عليّ. كسرت كلّ القرارات، وخالفت كلّ ما كان متوقعاً مني.

تابعونا : الجزء الرابع

الكاتب والاديب سمير فرحات
الكاتب والاديب سمير فرحات

شكرا للتعليق على الموضوع