محمد النقلى يكتب: إصطباحه “1977” (4 – الاخير)

انتهينا في مقالنا السابق إلى إنه مع قدوم عام “1977”، كانت المجموعة الاقتصادية برئاسة الدكتور “عبد المنعم القيسوني” قد ارتأت.. إنه لإجراء عملية إصلاح اقتصادي، كان لابد من اتخاذ بعض الإجراءات، مثل ضرورة أن يحصل المواطن على السلع والخدمات بالسعر الحقيقي لها، بما يعني رفع الدعم الحكومي عنها، وخصوصاً بعد عودة الحياه إلى طبيعتها، وانتهاء حالة الحرب مع إسرائيل، تلك الحالة التي يتطلب معها التدخل الحكومي لدعم السلع الرئيسية، وهو أمر يحدث في جميع الدول خلال فترات الحروب.

وبناءًا على ذلك، وفي يوم 17 يناير 1977 أعلن نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية الدكتور عبدالمنعم القيسوني في بيان له أمام مجلس الشعب مجموعة من القرارات الاقتصادية منها.. رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، وكان قد سبق ذلك بأيام قليله، إعلان الحكومة عن زياده في الاجور قدرها 10% اعتبارًا من أول يناير 1977، فأحس الناس بان ما يقدم لهم باليمنى، يؤخذ منهم باليسرى.. فكانت الطامة الكبرى..

والطامة الكبرى هنا.. ليس فيما حدث يومي 18، 19 يناير، ولكن.. فيما نتج عن الحدث من أثار “مدمره” تحملتها أجيال ما بعد تلك الفترة.. ومازالت.

لذا.. وعلى هذا الأساس، في “اعتقادي الشخصي” إن سنة “1977” هي سنه فارقه في تاريخ مصر الحديث.. وخصوصًا، إذا أضفنا إلى أحداثها، حدث في غاية الأهمية، ألا وهو زيارة الرئيس السادات للقدس قبل نهاية العام، وهى زياره اعتبرها القاصي والداني.. زياره تاريخيه، ليس في ذلك شك، اتفقنا مع الحدث أو اختلفنا حوله.

وعوده لما حدث.. في صباح 18 يناير 1977 قامت مظاهرات في جميع أنحاء مصر، تعبر عن رفضها لما تم اتخاذه من قرارات، واستمرت حتى نهاية اليوم التالي.. لن نخوض كثيرًا في وصف تلك المظاهرات، ولكن ما يهمنا هنا هي تلك الملاحظات:

-خروج تلك المظاهرات “في وقتٍ واحد” من أماكن مختلفة.. فعلى سبيل المثال.. عمال الغزل والنسيج، والمصانع الحربية في حلوان، عمال الغزل والنسيج في شبرا الخيمة، عمال الترسانة البحرية في منطقة المكس بالإسكندرية.

-جميع تلك المظاهرات رفعت “شعارات موحده”.

(لم تكن هناك أي وسيلة اتصال متوفرة سوى الهاتف الأرضي، والذي كان في غالب الأحيان.. لا يعمل).. مما جعل أصابع الاتهام تشير إلى كل ما هو “شيوعي وناصري”، وحقًا لم يكونوا فوق مستوى الشبهات.

أطلق السادات على تلك المظاهرات “انتفاضة الحرامية” نظرًا لما قامت به من أعمال حرق، وسرقة، ونهب للمنشآت العامة والخاصة.. (أقسم بالله العلى العظيم بأني رأيت ذلك بأم عيني)، بينما أطلق “آخرون” عليها.. “انتفاضة الخبز”!! لا أعلم أي خبز هذا الذي “ينتفضون” له.. بالحرق والسرقة والنهب؟؟

“في حوار أجراه أ. صلاح منتصر مع الدكتور عبدالمنعم القيسوني، بعد ذلك بسنوات، تحدث عن الدور المريب للسيد/ ممدوح سالم رئيس الوزراء حينها، حيث قام بالتعتيم على المناقشات التي كانت  تجرى داخل المجموعة الاقتصادية وفي مجلس الوزراء لإصلاح الوضع الاقتصادي والتي وافقت على زيادات الأسعار التي تقررت، وكان ممدوح سالم حسب تفسيره يشعر بقوة «القيسوني» وتحكمه في معاونيه مما لا يعطى الفرصة لرئيس الوزراء بالتدخل والتغيير فكان أن اتجه إلى إضعاف المجموعة الاقتصادية، وانتهز فرصة المظاهرات التي خرجت من حلوان فور زيادة الأسعار وطلب من وزير الداخلية «السيد فهمي» عدم التعرض لها وكان يمكنه ـ لو أراد ـ فضها بسهولة، لكنه تركها”..!!! انتهى

يا للعجب.. رئيس وزراء مصر يبحث عن “وضع شخصي” داخل مجلس الوزراء، وفي سبيله إلى ذلك يترك.. البلد للجحيم.. يا الله!! المهم.. قام السادات.. وبسرعه بإلغاء قرارات المجموعة الاقتصادية، مع استمرار منح العلاوة الإضافية التي تقررت.

أما الأهم، والأخطر من كل ذلك هو استجابة السادات لنصيحه نُسِبت إلى المهندس عثمان أحمد عثمان “وزير الإسكان والتعمير السابق”.. مفادها هو.. إطلاق الإخوان المسلمين من القيود والعزلة التي فرضها عليهم نظام عبد الناصر, وإخراجهم من كهوفهم، وبالتالي سيقدرون ما فعل ويواجهون معركته ضد الشيوعيين والناصريين الذين ظل السادات «محروقًا» منهم بسبب أحداث يناير.. وبالفعل أفرج السادات عن الإخوان المعتقلين وسمح لهم بممارسة نشاطهم بقيادة السيد/عمر التلمساني. وبدأ بالفعل انتشار الإخوان في الجامعات والنقابات، ولأول مرة يشارك الإخوان في الانتخابات البرلمانية وبدأ ظهورهم سياسيًا!!!! الم أقل.. إنها سنه فارقه في تاريخنا؟

انقضى عام 1977 بزيارة القدس، كما ذكرنا، وبعده بأربع أعوام اغتيل السادات، ولكن .. اغتيلت قبله.. مصر اقتصاديًا، ببقاء واستشراء “مرض الدعم” الذي كان في حدود تسعة ملايين جنيه (كل الدعم في سنة المظاهرات) إلى أن أصبح 234 ملياااااار جنيه عام 2015/2016، بما لم، ولن يسمح.. لا بتعليم، ولا صحه، ولا تقدم.. ولا عزاء لمصر.. والمصريين.

أما عن خروج  جماعة الإخوان المسلمين إلى النور في ذلك العام، وما تبعها من جماعات “أخرى” خرجت من عباءتها.. فلا تعليق سوى.. رحم الله “عثمان أحمد عثمان” و رحم الله “أنور السادات”..

ذلك ما حدث خلال عام 1977 الذي ذهب إلى حال سبيله تاركًا للأجيال من بعده تركة أثقلت كواهلنا جميعا.. “الدعم” الذي لا فِكاك منه و”الإخوااااااااان”.. ولكِ الله يا مصر..

ألا تتفق معي يا عزيزي.. على إنها كانت سنه فارقه في تاريخنا..

“استقيموا يرحمكم الله”

بقلم .. محمد علي النقلي

Elnokaly61@gmail.com

تابع سلسلة مقالات الكاتب عن العام 1977 :

الجزء الاول

الجزء الثانى

الجزء الثالث

شكرا للتعليق على الموضوع