ما الذي تفعله وحدها؟ “قصة قصيرة”

متى بدأ جاسر يشك في زوجته ؟

ربما عندما بدأ يشعر أنها تصير أكثر سعادة، عندما تعلم انه لن يكون موجودا بالبيت!!

والحقيقة أن جاسر كان ما يزال متعلقا أكثر بمنزل والديه وكان يجد متعة أكبر في البقاء هناك والحديث إلى والديه وإخوته لذا كان ينتحل الأعذار دائما للبقاء أطول وقت هناك.

 أحيانا كان يعود ليجدها ما زالت تنتظره أو غلبها النوم فنامت وهي جالسة.

في البداية لم تكن تعترض ثم صارت تبدي ضيقها بطريقة مستترة ثم بطريقة ملحوظة ، أما هو فكان يتصنع انه لا يفهم في معظم الأحيان ، ثم صار يتشاجر معها في أحيان أخرى ثم لم تعد تبدي اهتمام وفي النهاية بدأ يلاحظ تلك السعادة الخفية التي تبدو على محياها كلما علمت انه لن يكون بالمنزل!!

إن النساء ينتحلن دائما أسبابا للشجار، أليس هو أفضل ممن يقضون جل وقتهم على المقهى مع أصدقائهم ، صحيح انه يتشاجر معها كلما تأخرت في زيارات أهلها لكن الأمر مختلف فهي كامرأة لديها واجبات أكثر منه فمن يغسل ثيابه المتراكمة وينظف الشقة ويعد الطعام؟!

أتراه ابن خالتها الذي كان يرغب في الزواج بها قبله أم هو فتى الجيران الرقيع الذي يقضي جل وقته في الشرفة أو لعله الشاب الوسيم الذي………….سحقا لتلك الأفكار التي توشك على إصابته بالجنون!!

لكنه اليوم رتب كل شيء ليعرف الحقيقة كاملة وليقطع الشك باليقين كما يقولون، وسيمسك بها متلبسة بالجرم المشهود!!

ذات مرة قرأ خبرا عن مفاتيح خاصة لا تصدر صوتا تتيح للأزواج العودة متأخرا دون علم زوجاتهم، وهو الآن بحاجة لمفتاح مماثل ليدخل دون أن تشعر به زوجته!!

أخبرها انه سيتناول الغذاء اليوم عند والدته، ولم تستطع إخفاء لمعة عينيها، عرض عليها الذهاب فأخبرته أنها متوعكة قليلا ولن تستطيع الذهاب، فأبدى أسفه ثم أكد عليها أنه سيعود متأخرا فلا داعي لان تنتظره!!

أخبر صاحب البناية أن لديه نية لتأجير الشقة المقابلة ، واخذ المفتاح بهذه الحجة، ومن العين السحرية الصغيرة راح يرقب كل قدم تقترب من شقته!

مرت الأوقات بطيئة مملة ثم سمع خطوات تصعد الدرج كان عامل توصيل الطلبات يقف أمام باب شقته مبتسما، عامل توصيل طلبات هل انحدر ذوقها إلى هذا الحد، أبعده هو الصيدلي المحترم تنظر لمثل هذا العامل الصغير الشأن!!

سلم العامل البيتزا واخذ نقوده وانصرف ، ليس هو إذن، لقد طلبت اثنين لابد وان الآخر بالداخل، متى دخل؟

أيكون هو من الغفلة لدرجة أن الرجل كان موجودا ومختبئا قبل مغادرته المنزل؟!!

وتذكر النافذة التي تطل على غرفة النوم!!

نعم يستطيع أن يرقبها عبرها، كان هناك ذلك المنور الصغير الذي يفصل بين الشقتين وتتلاقى نافذتي غرفة النوم فيه وبمجرد أن اقترب حتى سمع تلك الضحكة، ضحكة زوجته بلا شك، عابثة ماجنة، وسمعها تقول محادثة مجهولا وهي تضحك:

-“يخرب بيتك!!”

ولم ينتظر حتى يسمع أكثر، تمالك أعصابه كي لا يفتح باب الشقة بعنف ويسمع اللعين صوته ويعرف بوجوده، دخل على أطراف أصابعه، وانتفض الجسد النحيل لرؤيته:

-“جاسر”

ولسعها كوب الشاي الذي كان بيدها:

-“مع من كنتِ تتحدثين؟”

-“مع من؟ مع نفسي طبعا”

-“كنت تقولين لنفسك يخرب بيتك!!”

-“لا”

وأشارت إلى الرواية في يدها:

-“أرسين لوبين، إنه مذهل!!”

-“أرسين من؟”

-“ألم تقرأه من قبل؟”

جلس على طرف الفراش:

-“رواية وكوب شاي وبيتزا”

-“الحقيقة أنني كنت اغضب من غيابك الطويل عن البيت واضطراري للبقاء بمفردي في المنزل ثم وجدت أن لا بأس من أن تخصص وقتا لنفسك اخصصه أنا الأخرى لنفسي ، ليس من الضروري أن تكون اهتمامي الوحيد”

-“امم.. وقت لنفسك لتحولي فيه الشقة إلى مزبلة؟”

-“شكرا !! هل تغضب لو أخبرتك انه لهذا السبب كنت أصير أحيانا سعيدة بغيابك، يمكنني أن افعل ما يحلو لي وأتخلص من أعبائي المنزلية و…………….ولكن لماذا عدت فجأة؟”

ابتسم كأنه متفهم وغمغم بصوت لا يسمع:

-“لأكون اهتمامك الأوحد!!”

أمالت رأسها وابتسمت وفي تلك اللحظة لسعها كوب الشاي بالفعل فجعلها تنتفض، هذه نهاية الخيالات الرخيصة ، قالتها لنفسها،  إنه لن يهتم أصلا حتى لو اعتقد أن هناك رجل آخر، ليس هناك أفضل من أرسين لوبين فتى أحلامها القديم، وأمسكت بالرواية لتواصل القراءة ، قبل أن تتوقف وقد خيل إليها أنها سمعت صوت المفتاح يدور في الباب!!

قصة قصيرة

تاليف : هبة الله محمد حسن

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *