شوقي العيسه يكتب : من الماضي ( 6 )

في شهر 11 عام 1978 حصلت على ورقة لاستصدار هوية شخصية ، كان كل شخص يبلغ 16 عاما يحصل عليها وبعد حوالي شهرين تصدر له هوية شخصية ، لم يستطع كابتن كريم (وهذا كان اسم حركي لضابط الشاباك المسؤول عن مخيم الدهيشة) الانتظار لحين صدور الهوية ، (وكان كلما حضر لاعتقالي تقول له امي الله لا يكرملك وجه) ، وارسلني الى سجن نابلس المركزي ، انا وابن خالي مروان، وكانت اول مرة ادخل فيها سجنا رسميا ، اعتقال احترازي كما كان يسمى ، حيث كانوا عند اقتراب اية مناسبة يعتقلون النشطاء احترازيا كي لا ينظموا نشاطات ومظاهرات ، وكانت قد اقتربت الذكرى الاولى لزيارة السادات لاسرائيل ، كان اسوأ شيء حول هذا السجن لمن في جيلي ولطلاب الجامعات ان من يدخله يحلقون شعره عالصفر ، في وقت كانت الموضه الشعر الطويل والسشوار.

الزنازين كانت واسعة نسبيا ولكن حين يوضع فيها 3 معتقلين تصبح ضيقة جدا، في تلك الزنزانة تعلمت من السلف الصالح خدعة الاستغناء عن طلب اشعال السيجارة من الحارس ، ( الحاجة ام الاختراع ) ، يتم سحب خيط من البطانية ودهنه بالزبدة التي تحصل عليها مع الفطور ، وتعليقه في الزنزانة ، وحين تشعل السيجارة الاولى من الحارس تقوم بوضع طرفها المشتعل على الطرف السفلي للخيط حتى يحترق فيبقى مجمرا طوال اليوم.

بعد انتهاء مرحلة الزنازين تم نقلنا الى غرفة التوقيف وكانت كبيرة فيها حوالي 40 موقوف منهم خمسة او ستة من الجبهة الشعبية والباقي من فتح ، استقبلوني واعطوني بعض السجائر (عمر بدون فلتر) وبسكوت وتركوني لأرتاح ، كان بعض من في الغرفة من هواة رياضة كمال الاجسام كانوا يتدربون في وسط الغرفة باستخدام عصا المكنسة وقد لفوا على طرفيها البطاطين ، في اليوم الاول حصلت مشكلة بين فتح والشعبية وصلت حد الاشتباك بالايدي .

في اليوم الثاني اعلنت قيادة التنظيمات في السجن الاضراب عن الطعام لمدة يومين بمناسبة مرور عام على زيارة السادات ل تل ابيب ، وفي المساء جلسنا جميعا وامامنا مسؤول فتح ومسؤول الشعبية وقرأوا علينا بيانا من القيادة ضد السادات ومشروعه المشبوه ، وبعد ذلك قدم كل منهم محاضرة سياسية ، مسؤول الشعبية تحدث عن رفض كل شيء جملة وتفصيلا . مسؤول فتح بعد ان طرح موقف فتح الرسمي برفض مشروع السادات قال دعونا نفكر بمنطق سياسي ماذا لو استفدنا من ما سيفعله السادات بانشاء حكم ذاتي واستخدمنا ذلك كأداة اضافية في استمرار النضال من اجل التحرير الحقيقي ، يبدو ان الرجل كان يستخدم عقله ويحاول التفكير بعيدا عن القوالب الجاهزة الكلاسيكية ، ولكن ما ان قال ذلك حتى قمت انا وأحد رفاق الشعبية وهاجمناه بكل الجمل النارية والشعارات الجاهزة التي كنا نرددها في كل مناسبة ، ووصفناه بكل صفات التخاذل والتنازل ، الرجل كان مؤدبا ودمثا وحاول ان يشرح موقفه وانه ملتزم بالموقف الرافض لمشروع السادات ولكنه يحاول النقاش والتفكير في الاستفادة من اي شيء ، ولكن استمرينا بالقصف وانه ممنوع حتى التفكير ، وانتهى الاجتماع . بعد الاجتماع طلب مني رفاق الشعبية الجلوس معهم واعتقدوا اني منهم ، اخبرتهم انني لست من الشعبية وان ما قلته في الاجتماع هو قناعاتي التي تتفق مع رأيهم ، واثناء جلستنا وحديثنا جاء احد ابطال كمال الاجسام وسحبني الى وسط الغرفة وجاء زملاؤه وقالوا لي يجب ان تحدد الان انك مع فتح ، وقال احدهم امبارح لما جيت اعطيناك من صندوق فتح ، اخبرتهم انني لست فتحاوي ولا جبهاوي ، وان توقيفي ينتهي بعد عدة ايام وانني لن احدد تنظيمي في السجن .

في غرف التوقيف كان يحصل الكثير من المشاكل بهذه الطريقة اما غرف المحكومين فكانت اكثر تنظيما وفيها قواعد تتحكم في العلاقات التنظيمية .

يوم الافراج اخذونا الى غرفة بجانب البوابة الرئيسية للسجن وابقونا فيها حتى المساء وكان الانتظار يومها اصعب من كل الايام التي سبقته ويبدو انه كان مقصودا.

بعد الافراج كانت المشكلة حياة المراهقة بدون شعر وخاصة اثناء التسكع في الشارع امام مدرسة البنات.

فلبست طاقية طوال الوقت ، ولكن بعد يومين في المدرسة كان الدرس القوي ، دخل الى الصف استاذ الرياضيات وكان من انصار الشعبية ونحترمه جدا وكان اضافة الى عمله في التدريس يكمل دراسته مساء في جامعة بيت لحم ، نظر الي وقال الحمدلله عالسلامه ، ثم مشى نحوي ونزع الطاقية عن رأسي وقال ما معناه يجب ان تفخر لا ان تخجل . وكان ذلك آخر ظهور للطاقية .

وللحديث بقية ………

اقرأ للكاتب :

من الماضي ( 5 )

شكرا للتعليق على الموضوع