وسقطت في قوقعة الصمت ” قصة حقيقية ” ( 3 )

تأليف : نادية حلمى

ملخص الجزء الثانى :

وأمام العاصفة الهوجاء عمياء البصيرة … قصيرة النظر التى نُفِذت بيد إجرامية، والتى تجاسرت على عظمة مصر لكسر إرادتها بالترويع والتهديد  لتصفية الأجساد وإباحة دماء الأبرياء على كل أرجائها لتكميم الأفواه وتعطيل عجلة العمل للإضرار بالاقتصاد القومى للبلاد ولإثارة الفوضى ، وشل الحركة … والدافع المال والسلطة مِمّن أكثر منهما إجراماً … ما قد إنعكس بالسلب على كثيرين لِغياب الأمن والسائد من الأحداث، ما قد قوقع نِهال وأسقطها فى قوقعة من الصمت إحباطاً وإحتجاجاً، ولكن بصوت لا يتعدى صوت أنفاسها المرتجفة بالإرهاب الذى إقتلع كَشَجرة رَجَائِها، وأَنزل بأمالها وأحلامها أرضاً.

الجزء الثالث  :

وفجأة تقفز صائحة في وجه شقيقتها ذات الثمانية أعوام رنا على صوت توم وجيرى تبكى رنا مهرولة بعيدا عنها .. تلحقها نهال لتربت عليها .. تأباها رنا .. عنها تبتعد .. تعود نهال للنوم غير مكترثة بها قبل ما يفارق النعاس عينها وتفقد رغبتها في النوم .. برهات وتقفز مجدداً المرة من صوت رنا ..

  رنا تكرر صياحها .. نهال استيقظي .. صوتك يخيفني .. نهال من أنا .. نعم أنت .. تتحدثين بصوت غير صوتك وبكلام غير مفهوم ما يخيفني منك ..

  تهرول رنا للأم .. وكعادتها تخبرها بتفاصيل ما حدث ثم لتوم وجيرى تعود لتواصل فيلمها بينما أواصل أنا نومى .. يمر وقت ولا أدى كم من الوقت قد مر ويتناهى إلى أذني صوتها من بعيد كما من مكان آخر تنادى مامى .. مامى .. أحاول النهوض ولا أستطع .. الجسد مثقل للغاية وجفن العين أيضاً .. ثقل كان جاثما فوقى .. برهات وقطرات من الماء البارد تتساقط على وجهي .. أنهض فزعه .. أفتح عيني ولا أرى إلا خيال يتأرجح أمامي..

    أمي وبجوارها رنا .. أمي ما الذى فعلتيه هذا .. الأم فعلته لأوقظك من غيوبة أوقعت قلبي في أعماقي .. غيبوبة .. نعم .. ألهذا الحد كنت غارقة في النوم وأردف ربما كابوس أو شيطان أتاني لينال من رنا..

   رنا تنكمش في صدر أمي .. نهال تداعبك .. لا أريد مداعبتها .. نهال باتت تخيفني .. أمي بنظرة تجبرها على الدخول لحجرتها وغلق الباب خلفها ولكن رنا تترك الباب مواريا للتنصت واختلاس النظر .. هذه عادتها عكسي تماما ..

    أمي لصدرها الحنون والحاني تضمني .. قد بالحدس تستشعر خفايا القلب ومن طبعي إغلاق الأبواب الموارية خلف متاعب أعيشها .. هذه هي تركيبتى ألا أحمل متاعبي الخاصة بي لغيري .. تحاول أمي بكل الأساليب الممكنة بلطف أسر ولم تحظى بنتيجة لأن الأغلال خلف الباب السري متماسكة ومحكمة .. ثم برقة أسرة تحكمها ابتسامة جاذبة تتأرجح بين التكذيب والتأكيد وشيء من الشك  يعبث بها وخوفاً تبتلع شكها الغير أكيد .. مرددة قطتي الجميلة الرومانسية الرقيقة.. أين ذهبت ضحكتها الخلابة التي كانت تغازل بها فرحا قلوبنا …

    هذه هي أمي تهادن برقة ولطف لتصل إلى ما تلهث لمعرفته … أجيبها رجاء يا أمي .. كفى إلحاحاً .. لا أرغب الآن في الكلام حول ما يخصني ..

   وعلى كل قطتك الجميلة تبدلت .. باتت أخرى تائه لم تتعرف على نفسها ، أمن من مشاكل بينك وبين ياسر .. أمي هذا شأن خاص بنا .. وأنا لا اقصد التدخل بينكما ولكن في النهاية أنتي أبنتنا .. ما سيؤلمك سيؤلمنا ..

   وبقلب فياض بالحنين .. تضمني مجدداً لصدرها .. أشعر بدفئها بقدر ما يريح النفس ويبعث بالطمأنينة .. تقبلني قائلة .. اخرجي عن صمتك وتحدثي قد عند الكلام تتناولك الراحة .. أمي ما يحيق بنا الأيام .. كبل بالقيد الأفواه فأما أنا بات الصمت سمة من سمات حياتي …

وبلسان أنعم من الزبد بنعومة الحرير ينطلق بكلام وردي لا عليه أعترض.. لا أرى فيه شك.. بينما نظرات ترمقني مغلفة بالسوليفان المزخرف وإن كانت تحمل بعض النظرات ذات المغزى ولكن محاطة بالحذر..

   هذه أيضًا صفة من صفات أمي حفاظاً على مشاعر الغير وإن كان لها حق التهذيب والتهديد.. تعود للغزل الرقيق.. تلامس الخد كنسمه هواء مارة على الوجه قائلة.. أمن أحد ظهر في حياة قطتي وسيم داعب بالحب صغيرتي.. ولم كلامها يثير اعتراضى بل بروح الصداقة داعبني.. عبر على النفس عبور النسائم الملاطفة لطير الغصن بينما لا من أسرار أطرحها ولنتحاور حولها.. ولكن الأسلوب الذي تعاملت به معي قربني منها أكثر قرباً.

  فتعود قائلة:- إذا بماذا أفسر ما أنت عليه الأيام..

بذلك يكون قد عاودها الشك وأخذ يعبث بها. فللشك أتركها مرة أخرى وعليه أجيبها إجابة أزيد من شكها أمي عاصفة صيف وإن طالها الشتاء ستتلاشى يوماً فلا عليا تقلقي.. وأنا بين أحضانها يباغتني إحساس عامر بالنشاط يغمرني بالفرح فمن بين أحضانها أنهض لأترجمه إلى خطوات..

   أتوسط الهول وعلى وترمن الموسيقات الحالمة أرقص فوق أطراف أناملي كفراشة هائمة حول الرحيق الوردي على موجات الهواء المتوامجة في فضائها إحساس هاجمني دفعة واحدة.. أيقظ الراكد ركود الموت من الأعماق.. تخرج رنا من حجرتها على صوت الموسيقى وتتقرفص أمامي كقطة منكمشة أمام ما كان يدور مني.. تتأملني بفاه فاغر يجمده العجب.. ربما لأنني فاجأتها بتصرفات مفاجئة بعد صمت أعوام الخراب للإرهاب ودماء الأبرياء..

  أمي من مكانها يعلو صوتها فرحاً.. أشكر الله لقد استجاب لقلبي وأعاد فيها الروح لتفرح قلبي مجدداً.. ولكن قلبي المطعون بخنجر شكها دفعني لأزيد من الشك شكاً.. أمي.. هاتف ياسر لا صلة له بما أنا عليه الآن.. ياسر بعيداً عن ما يبحر في نفسي من فرح أو غضب..

   وهكذا أكون قد أسقطتها في قلق متعمد حيث شكها في سلوكي.. أَلاَمَنيِ كثيراً..

ربما أكون قد طرحت الحديث بصورة أثارت شكوكها.. حيث لطرح المواضيع أساليب كثيرة فإن أردت تشكيك المتلقي أجعل الكلام غامضً يحمل أكثر من معنى وهذا ما قد حدث دون تخطيط مني.. شككت أمي وتمسكت بموقفي ولا أدري لما؟

  ربما لبثق الغضب على النحو الذي يرضيني لتخفيف الحمل الجاثم على صدري بأي صورة وما من أحد سوى أمي سيتحمل ذلك.. وتردف أمي وإن لم يكن ياسر.. إذا من يكون؟ المتحكم في تصرفاتك..

   أمي مهما إن شرحت لكِ لن تعيش ما أعيشه.. مني سوف تسخرين واحتجاجاً سوف أثور.. أمي.. ما أتحدث عنه لا دخل له بياسر..

هذا إحساس أتنفسه ويتنفسني في صحياني وفي منامي.. لم نفترق ولكن الأيام فارقني.. معاً كنا نفكر ومعاً كناً نمضي.. وأمي بصوت يتأرجح بين التكذيب واليقين تصيح في وجهي.. إخمدي صوتك.. وبصوت فخور بذاته ولما يا أمي أخمد صوتي.. أنستني أنك متزوجة… وبثقة عالية وما دخل زواجي بذلك.

   الزواج شيئاً وما أنا عليه شيئاً آخر.. هذا أحبه وهذا أريده.. يا للخجل وزوجك.. سوف أشرح له تفاصيل حياتي ولن يحاسبني مثلما تحاسبني الآن.. ياسر لا يشك في سلوكي مثلما تشككت يا أمي..

أمي التي من الرحم للنهد تشبعت بصفاتها واستقيت من لبن نهدها..

     أمي بغضب.. لو ياسر رجل غيور على شرفه يرمي عليكي يمين الطلاق أشرف له.. ويخترق خنجرها صدري وبه أتألم.. وعليه استرسل في استفزازها حيث وصل بها الشك بي للنهاية..

     أقول لا تنسى نحن اليوم في عصر الحريات وعبارة حرية تثير غضبها.. تفجر بركان الغضب الكامن بالفساد تحت مسمى حرية الفرد والحريات وتصيح في وجهي لا تنطقيها مجدداً أمامي.. أي حرية هذه التي تتحدثين عنها فساداً بلا روابط بها تدرجت الشرور وباتت جهراً بضمائر مائتة سحقت القيم وكل أساسيات الحياة والمسافة باتت بعيدة بين البشر والله..

    كلمة حرية عن جهل أوقعت في غسق أسود جيل بأكمله الأعظم منهم تحرروا من قيمهم وغاصوا في مستنقع من الطين وبفتور مستفز وماذا كان علىّ أن أفعل وسط البحر الجارف من الفساد..

        إن لم أتواكب مع التيار سيتهمونني بالرجعية..

    وربما بالانحراف الخلقي باعتباري خارجة عن قوانينهم وأكمل بسخر وربما يا أمي أحاكم.. وتصيح كفى.. المبدأ واحداً.. لا يتغير تحت أي ظرف من الظروف مهما كانت صعوباتها.. وأتركها لشكوكها.. لم بإشارة أريح قلبها..

   أمي.. حقاً جيل وتصمت.. يبتلع اللسان عبارة فاسداً ومعانداً مسترسلة.. يبدو أنني فشلت في تربيتك.. التدليل له مساوئه.. جيل متمرد غرور متهور فوضوي مندفع يعيش وهم كبير اعتقاداً أنه على صواب من كل شيء..

  وتنهض ثائرة فا أندم لأني لم أقف يوماً أمامها بهذه الصورة وهي تعيش أزمة نفسية بخصوص شقيق أحمد.. كثير ما تشتت بينه وبين أبي لعدم التفاهم بينهما والاستنكار بالحكمة.. لم يلتقي فكر كل منهما بالآخر ما قد سبب لأمي تعب نفسي.. كانت تأمل أن يمتزج الماضي مع الحاضر حتى لا ترى فتور فى عين كل منهما بالآخر.. وألحق بها.. أمي اسمعيني للنهاية حتى لا يكون الحكم ظالماً بنا..

    أوافق الرأي.. كثير من الشباب فاسدون.. أفسدتهم الحرية المغلوطة فسقطوا في ظلامها عن فكر شيطاني ولكن هناك أيضًا شباب ناجح وغير فاسد.. تقاطعني.. أعلم ودمع يجول في العين ما قد دفعني لضمها وتقبيلها.. أمي.. أنا لم أقصر في تربيتكم وأجيبها وأنا لم أخرج عن صدر قوانيك.. مدرسة ومنها قد تعلمت يا أمي.. منك اكتسبت مبادئي وقيمي وأدركت معنى الحرية الحقيقية.. لها قيود وقيم وحد لا تتعداه.. تشملها المبادئ وأخي سيعرف غداً حين ينجب من الأطفال ويتعامل معهم بذات المدرسة وإن كانت الديكتاتورية أحياناً على حد قوله.. الديكتاتورية التي أحدثت فجوة بينه وبين أبي..

   أمي ممكن أقول شيء.. نعم.. باعتباركما الحكمة والفهم.. التفاهم الودود بين الحاضر والماضي أقرب للنفوس منه عن الديكتاتورية..

    الديكتاتورية سيف قاطع تصدرون به الأوامر.. الديكتاتورية سلاح فاصل بيننا وبينكم وهذا ما قد أثار المشاكل بين أخي وأبي وتجول دمعة في عينيها شوقاً بشقيقي..

تابعونا :

الجزء الرابع 

اقرأ للكاتبة :

الجزء الثانى

شكرا للتعليق على الموضوع