وسقطت في قوقعة الصمت ” قصة حقيقية ” ( 4 )

تأليف : نادية حلمى

ملخص الجزء الثالث :

تسترسل نِهال فى عُزلتها ما قد أثار مخاوف الأم وشكوكها … وقد حدث بينهما حِواراً مُطولاً ولم تخرج الأُم بنتيجة ثم تَطَرق الحِوار حَول الفجوات التى إتسعت بين الآباء والأبناء … دِكتاتورية الماضي…

  وآراء ، وفِكر الحاضر ، وفى النهاية أدركت الأم السبب … سبب العُزلة وهو رفض نِهال عالم بات مقبرة للقيم والمشاعر الإنسانية … عالم أباح لِنفسه كل ما قد حرمه الله تلاعباً وعبثاً بما أنزله من مقدسات سماوية لتقنين ما ترغب نُفوسهم من غَايَات ورَغَبات شيطانية ما قد دفع نِهال للِتعايش مع عالم أنقى وأطهر … عالم يَعلو  فوق البشر وهو عالم الطبيعة من  أشجار، وأزهار ، وأطيار لينساب ما قد جَثمَ على الصدر بأفعالهم.

الجزء الرابع :

وأردف.. أمي.. اسمعيني للنهاية وإذا هناك تعليق أو اعتراضاً أتركيه للنهاية.. أمي أدرك أنني طرحت ما كان جاثماً على صدري طرح أثار الشك وعليه رفضه المنطق ولفظته الحكمة.. أمي إذا بماذا أفسر ما أنت عليه الأيام وما الذي أصابك.. أمي.. لا أهذي ولا محموم بداء الإدمان.. تتركني وتمضي لتجهيز الطعام عصبية وأسمع دمدمة وتمتمة تتناهى للأذن كهسس الشجر في ليلة هواء وفجأة أتنبه أن أمي مصابة بضغط الدم وأهرول خلفها.. أمي.. أنا لم أخن ياسر صدقيني.. لم أخنه وما عنه أتحدث الإحساس بالتفاؤل.. لقد تخل عني فحزنت وحين نهضت من حضنك وقفزت لأرقص.. كان إحساس منه.

     أمي تتأملني.. أمي لا تتأمليني هكذا.. قلت لك أنا لا أهذي.. إذا وضحي الكلام.. إنني أمقت ما بين السطور.. إنه يثير الشكوك أمي إذاً هُناك شك.. وبغضب بالغ.. العالم كله تزلزلت ثوابته وفقد قيمه وأسسه وتنازل عن مبادئه وأنا وأنتي جزء من هذا العالم وحسب المعطيات الضعيف منا يتأثر.. باختصار.. أجد جديد في حياتك وأصمت غضباً..

تردف أمي.. ليست نهال ابنتي.. الرقيقة الودودة.. من أنت يا نهال اليوم؟

    أمي أنظريني جيداً.. أليس اليوم عكس الأمس والأعوام المنصرمة.. تورد الوجه والفضل له يعود.. من أوثب الغافل عن ذاته وراقص الأوتار وله تمايل القد.. أمي حدث تصالح مع النفس بعد خصام أعوام وعليه سأفعل ما لم أفعله وكان علىّ فعله.. لقد كنت سلبية وسط الغاضبون بالإرهاب فأما الآن بعد أن قفز بىّ هاجس من القلب بالأمل المشرق بأن من سيتقلد الحكم هو المشير السيسي.. سأنهض استعداداً للانتخابات.. سأفجر الكامن في معقله انتقاماً.. أمي وأنا بين أحضانك أيقظني صوتاً.. صوت خالجني.. بث في النفس التفاؤل وبي سبح على صدر نهر عذب.. تَتَفرسنيِ أمي وتساؤلات كثيرة تجول بها.. اقرأ بعضها.. ابنتي ملاك أم ماذا.. تنبأت النجاح ليوم 30 يونيه وحدث وأحداث كثيرة راودتها وتحققت وألوح بوجهي بعيداً عنها.. وإذ لصدرها تضمني بقوة جارفة وجهاز استشعاري يلتقط  أحاسيسها نحوي .. حينها تهاوت قيود المخاوف التي كانت تختنق بها أنفاسي على مدى الأعوام المظلمة التي جف لها الشجر وانشطر الحجر واحترق الأخضر ظمأ وتوقفت عجلة الحياة عن العمل احتجاجاً.. وأعود لأمي في لحظة شرود منها.. لقد آلامني إتهامك يا أمي لقد طعنتيني بخنجر رسخ في صدري.. لقد تشككتي فىّ ومازال الشك في عينيكي رغم يقيني لك لم أخن ياسر.. وقد صدقتك يا صغيرتي..

   إذا فلتغير مقلتيكي مسارها عن عيناي.. أمي لا تحاولي إبحاراً في بحور أحاول الهرب منها لأقف على أرض صلبة.. أدرك أن فكري مغايراً لفكرك ومنهجي منهاضاً لمنهجك وما أريد التأكيد عليه أنا خلاف شباب جيلي.. فتيان وفتيات.. صوتي من نبع ذاتي.. من قلبي وضمير وجداني.. لم أتأثر بأحد ولم يؤثر عليا أحد وقبل التعليق اتركيني أُطلق آخر نفس ضاق به الصدر.. تدركين يوم انفجار بركان الغضب في 30 يونيه الفرح راقص كل القلوب دون قلبي.. تدركين لما يا أمي.. لأنه كان محزوناً بها ولها فكيف دونها أفرح.. حزينة هايدي. لما حدث لها..

  هايدي فعلت الكثير من أجل الوطن.. بجوارها كنت صورة باهتة وصوت بلا صدى.. ما قمت به صفر بالنسبة لها.. وما حدث لها قوقعني خلف أسوار حديدية ونال من إرادتي وأفقد الروح شهيتها.. الحدث لليوم يلاحقني في صحوي ومنامي وفي ذات الوقت منحنى صحوة انتقامية هزتني.. أيقظتني من غيبوبة الخوف.. بعد أن أوقعتني فيه.. استحالت النفس وباتت أخرى عكس ما كانت عليه.. انكسارها كسر طموحي وحطم أحلامي.

  لحظة الاعتداء عليها.. دارت الدنيا بي وفي غسق المجهول أسقطتني ما حدث كان نائماً في بطن الشيطان.. لم تحسب له المسكينة حساباً فكيف أفرح وصديقتي مطعونة في قلبها.. ما حدث اهتزت له الآكام وانتقلت الجبال وعقابه الإعدام يكون عبرة لكل من تخول له نفسه ذلك..

جمرة في صدري مشتعلة.. تقاطعني أمي وقلبها يتألم.. 33 مليون متظاهر ومتظاهرة.. اجتياح جارف وأعود لذات الموضوع.. أمي قلبي يتأجع بالانتقام.. أحاسيس لم أعيشها من قبل كيف منها أتخلص وفي ذات الوقت نشط الخلايا النائمة بالوطن داخل جسدي ما حدث أعطاني من الحماس الكثير.. ومستعدة اليوم لأي نشاط يخص مصر..

 فقط نتخلص من وحوش الغابة.. أمي.. أمعقول ما أسمعه من ابنتي الرقيقة الوديعة وداعة عصفور عش الشجر التي يوماً بكت مع أول مشكلة صادفتها… أمي لا تسخرين مني.. لا بل أنا فخور بك وبحماسك الوطني الذي جد في حياتك.. أمي أريد الثأر لها ولكل مصرية ومصري من الإرهاب اللعين الذي أنزل بي يأساً وغاب فجرها مصريتي.. أمي بهدوئها الحكيم منحتني الطمأنينة وأثلجت قلبي المشتعل ناراً..

   هو ذا الفارق بيننا وبينهم.. أهل الحكمة.. ثبات وهدوء فاعل وابتسامات لامتصاص مخاوفي وإسكات رجفات ضعفي.. بحنكة أمي عكست لي عكس ما يجيش في صدرها من قلق.. لا يقل قلقاً عنا..

  جيل مثابر حكيم ونحن جيل متهور وغير صبور.. أمي بابتسامة استطاعت أن

تكبح غضب النفس، وتطمئن القلب مما يدور على أرض الواقع … لقد عكست لىّ بكلمات رقيقة خلاف ما تبطن نفسها … جعلت من المعتلج سهلاً كماء النهر فى صدري، واقول لها ربما تلتمس لي العذر … سامحيني يا أمى لقد كنت فظَّة معك … الأحداث سرقت منى ذاتى… وكل ما هو كان مميزا فى … البستني ثوب غير ثوبي … لم أعد المتسامحة والرومانسية … إنفصلت نِهال عن نِهال الأمس وتحديداً يوم حدث الإعتداء

الاعتداء على هايدي.. كان يوماً أسود لم يقتلوا فقط هايدي بل قتلت أيضًا معها.. أمام الحدث الرهيب والمخجل بك المعايير.. هؤلاء ليسوا بشراً.. لا بل شياطين بين البشر.. سائرون على الأرض..

   الأم.. إنسي يا ابنتي.. كيف أنسى يا أمي.. الأم.. انسي من أجلي وأجل صحتك وعلى كل الشدائد تصنع الإنسان.. أُقاطعها والشك يا أمي ماذا يفعل به.. أمي بألم تأخذني لصدرها مع تكرار اعتذارها بأنفاس تختنق بالدموع.. سامحيني يا صغيرتي..

   لقد أخطأت.. تسرعت بالخوف عليكي.. لغي الخوف حكمتي وتصدر وصدر حكمه ظلماً عليكي.. كان علىّ أن أصبر لأتأكد ولكن انجرفت خلف القلق.. قلق الأم على ابنتها.. وأتعاطف مع الدمع الذي تراكم على ثنايا محاياها أقبلها.. وتحتضني بقلب متلهف وأنسى لأنها أمي والخطأ دافع من الخوف.. وأقول لها.. أمي ما ألهث خلفه الآن.. هو الأمل يعود ويخالط أنفاسي لأعود نهال سابقاً وإذ برنا تندفع من خلف فتحة التنصت وبسذاجة مفرطة تندفع قائلة.. أمن رجل يدعي أمل.. زميلتي في الفصل.. تدعى أمل وأبي يدير مفتاح الشقة في الباب.. رنا تهرول.. تقبله.. يضمها وفي أذنه تهمس.. همس كل يوم.. فيربد الوجه البشوش.. تتغير ملامحه.. إذا هناك خطأ في الإرسال.. ماذا قالت له.. جعلته يتجهَّم..

 ويغلف الثغر بابتسامة زائفة.. منا يقترب وبشغف قبل أن يريح الجسد المرهق من عمل يوم طويل يسأل.. ماذا حدث؟

  ما قد جعلني استفزازاً أن أكمل حديثي مع أمي بينما أمي من أسلوب السؤال أدركت أن ما نقل إليه من مذيعة الأخبار مغلوطاً..

  واسترسل.. أدركتي الآن يا أمي.. حياتي دونه مستحيلة.. يقاطعني أبي.. من؟ ياسر وبنفس أصيبت بالغضب.. لا يا أبي لا دخل لياسر في ذلك.. من إذاً؟ … الأمل الذي تاه عني وسط زحام الخراب.. أتمنى أن يعود لأحيا من جديد.. حياتي دونه مائتة وتضحك أمي وأبي بعد شارداً في الجملة.. يتفحصها حيث لم يصل للمقصود منها.. قبلما يتمكن فكر عابث ويشرد به بعيداً تكمل..

  آه.. يا شقية.. كل هذا يخرج منك.. يا قطتي أنا..

أبي.. إشركاني معكما.. بينما استرخاء ينساب بالقلق الذي زرعته رنا عن جهل بالموضوع في نفسه.. أمي تستند برأسها على ظهر الأريكة وأمامها أجلس على المقعد بينما عيناي أبي ذهاباً وإياباً بيننا لمعرفة الحقيقة التي مازالت تائهة عنه وربما من خلال النظرات يلتقطها..

   أمي ترميه بنظرة ذات مغزى فينبسط ذهنه العاثر عليها.. تردف أمي.. اليوم يا مصطفى.. اكتشفت اكتشاف لن يجول في خاطرك ابنتك فيلسوفة عصرها.. يسمع أبي بتيقظ شديد وأمي مستطردة ساعات من المراوغة المطاطة للمماطلة المغردة لإجباري للسمع لها بعبارات مبهمة وغير واضحة مغلفة بالغاز غير مفهومة حتى كدت أن أصرخ في وجهها.. كانت تدور حولي ذهاباً وإياباً وكل ذلك يتلخص في جملة واحدة.. وتسترسل قائلة.. لا أدري لما تلاعبت بالألفاظ معي.

  ربما كان امتحان لي.. لقدراتي الحدسية والثقافية.. أم امتحان لقدراتها هيه.. ألديها من الجذب مساحة للتأثير على الغير.. تضحك أمي وبجوارها أبي وداخل نفسي أضحك ولا أدري عليهما.. أم على نفسي وتعود أمي قائلة.. وقد شككتني فيها.. ما قد أجبرني للسمع إليها للنهاية لأصل للحقيقة.. في كل ذلك لم يجد أبي فرصة لمسك طرف الخيط للتحقيق أو التعليق فقبل أن ينزلق الفاه بسؤال منه أقول لأمي.

  أمي.. لم أقصد حيرتك ولا صدك ولا ردك عن الكلام ولا كان امتحان كما حللتي لقدراتك الحدسية والثقافية.. لا .. هذا كان مساحة لي من الوقت لتبثق النفس المكبوت فيها.. ولتتنفس من خلالك مساحة ليسقط المغلول في صدري.. لأتنهد.. مساحة لتعمل عجلة الفكر التي توقفت عن العمل.. كان تجديداً للذهن الذي وضع له الإرهاب جداً.. ينهض أبي عند تساقط دموعي على الوجه ولصدره يضمني.. يطلب من أمي الصمت لأفيض بكل متاعبي النفسية.. التي توغلت وسيطرت دون أن أشعرهما بشيء.. وقلبه الدافئ يفيض حنان أحسه وأستشعر ما في صدره من مخاوف بنا وعلينا..

تابعونا :

الجزء الخامس ( الاخير )

اقرأ للكاتبة :

الجزء الثالث

شكرا للتعليق على الموضوع