يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

عادة ما تحضرنى الخواطر ، بعد ان استمع الى قصة من أرض الواقع ، فتستوقفنى و تستحضر أفكارى و كلماتى نظراً لما تحمله من دروس ورسائل فى طياتها و بين سطورها ….

وهذه القصه بالتحديد كانت بالنسبة لى قاسية على مسامعى و قلبى حتى انى لم ادرى كيف أرويها ……

بدأت القصه منذ خمس سنوات. حين قرر “سيد” الزواج ليكمل نصف دينه كما يقولون !!!

لم يكن له اى تجارب سابقه فقد كان دوماً شخصاً جاداً لا يهتم لشىء سوى دراسته و من ثم عمله و نجاحه ….

و حين تقدم به العمر بعض الشىء ، أكثرت أمه ، كأى أم ، من إلحاحها عليه ان يتزوج كى ترى احفاداً لها….

حتى انها رشحت له “بنت الحلال” التى تناسبه ….

كانت ابنة إحدى الاقارب الذين لا يرونهم الا نادراً فى بعض المناسبات العائلية المتباعده …

و ليتخلص من هذا الالحاح المتكرر و لاقتناعه بأن الوقت قد حان ، وافق و رضخ للفكره ….

و بالفعل تمت الخطبه ، التى مرت بسلام دون مشاكل و لكن دون ان يشعر تجاهها بأى مشاعر او بوادر حب …

 و برغم ذلك ، قرر ان يكمل ما قد بدأه ، فتم عقد القران و الزفاف …

وبدأت حياته مع “نعمه” التى بدلت كيانه و قلبت كل الموازين بالنسبه له و اثبتت له بجداره ان الحب قد يأتى بعد الزواج …

 فنجحت فى فتح ذلك القلب المغلق بحرفيه ….

لم تدخر جهداً لاسعاده بالرغم ان الخلافات كانت كثيره فى البدايه،و لكن لانها عاقله و متفهمه لطبيعة الزواج ، كانت على علم ان الخلافات امر طبيعى …

 ولهذا و منذ اليوم الاول ،لم تتوقف عن العطاء بلا حدود …

 أعطته أغلى ما يمكن لامرأة ان تعطى لرجل …. قلبها !!!

هذا لان المرأه اذا وهبت قلبها هان العطاء فى كل شىء بعد ذلك ….

رفضت العمل حتى تكرس حياتها ووقتها له و لبيتها …

 تعلمت ان تطهو له كل ما يحب ، تغسل له ملابسه اولا بأول ، تكويها ، تطويها …

 كانت تحرص على نظافة البيت و جماله حتى يعود من عمله على مشهد يريح قلبه …

 فما ان يَصِل بعد فترة العمل الصباحية ، حتى تحيط البيت بجو من الهدوء والسكينه ليرتاح قليلا قبل فترة العمل الثانية …

 كانت تدلله باستمرار، لعلها ترى ابتسامة الرضا ترتسم على وجهه ، فتكون خير هدية تطمع فيها ….

ولهذا سرعان ما احبها ، و أصبحت بالنسبة له الحياة بكل ما فيها من نعم فكان يداعبها احياناً و يناديها ” يا نِعَم “بدلا من “نعمه” …

و توج هذا الحب ، ولادة ابنتهم الاولى التى أتت الى الحياه قبل ان ينتهى العام الاول من الزواج و كانت فرحتهما بها لا توصف …

 وكاد ان يمر العام الاول بسلام الا انه عاد يوماً من عمله مشحوناً ، مشدوداً ، يملأ عينيه غضب جامح أخافها …

و دار بينهم الحوار اليومى المعتاد الذى اشتد و احتد فجأه ، فأطاح النقاش بعقله و لم يفيق ، الا بعد ان كان قد إنهال عليها ضرباً …

 رآها أمامه ملقاه على الارض ، تنزف ، يملأ وجهها و جسدها الجروح والكدمات …

وقف مشلولا مذهولاً ، يكاد لا يصدق ما فعل بها …

ظل يردد وهو مغمض العينين …

” انا بحبها ، ازاى عملت كده ؟ انا روحى فيها ، ازاى عملت كده ؟ “

أما هى ، فظلت تبكى فى صمت ، غير مصدقة انه فعل ذلك بها و لم !!!!!!

ثم قامت و استجمعت بقايا قوتها و خرجت من بيته عائده الى بيت اَهلها …

و لكن اى بيت هذا، فمن كانت ستحتمى به و تلقى بنفسها بين احضانه قد فارق الحياة منذ أعوام …

و كان “سيد” هو الضهر و السند بعد وفاة والدها رحمة الله عليه …

 هكذا عاهدها منذ البدايه ” انا ابوكى و اخوكى و حبيبك و جوزك ، هكون ليكى سند و ضهر و عمرى ما هجرحك …”

هذا الخاطر ، استحضر دموعها الضعيفه مرة اخرى فأجهشت بالبكاء …..

ظلت فى بيت اَهلها لعدة أشهر ، تضمد جراح قلبها و كرامتها ، حتى نجح “سيد” فى إقناعها اخيراً ان تعود لبيتها مع وعد الا يعود للحظة الجنون تلك مرة اخرى …

 وعادت …. و لكنها عادت جسداً بلا روح ….

تغيرت ، لم تعد ” نعمه ” كما عرفها …

 فالمرأة قد تجرحها أشياء عده و برغم ذلك تجد بداخلها القدره على النسيان و الصفح و التسامح …

 الا ان تجرحها فى كرامتها وكبريائها ، الا ان تجعلها تبدو صغيرة امام نفسها …

 حينها لا تعود ابدا كما كانت ، يموت بداخلها شىء ، و محاولة إيقاظه من جديد أمر مستحيل …

و مرت الأعوام الخمس ، حتى كان الشهر الكريم ، فإذا بزوجها يعود الى البيت ، بعد يوم عمل شاق ، ليرى وجه ابنته الصغرى و به حروق بسيطه نتيجه ماء ساخن سقط عليه. …

فاستشاط غضباً وهاج و فى لحظه طائشة ، انقض علي “نعمه ” و ضربها مرة أخرى …

 و تركها ملقاة على الارض تنزف وقد غطى جسدها الجروح …

 لكنه لم يرى المشهد كاملاً

 فلم يرى قلبها المجروح ينزف حبها له ، و لم يرى الشرخ الذى احدثه فى جدار روحها حتى آلت للسقوط …..

هذه المره ، لم تبكى

 ربما لانه قتل بداخلها الشعور منذ زمن بعيد ، فلم تعد تتألم …

 ربما لان ما تبقى لها من كرامه و كبرياء، أبَيَا ان يراها ضعيفه مهزومة …

 أو ربما لانها اتخذت قرار الرحيل ، فلم تعد الدموع تجدى نفعاً …

مر الان ، خمسة أشهر على تركها المنزل ، و خلال تلك الفتره حاول”سيد” الاتصال بها و الوصول اليها بشتى الطرق الا انها رفضت قطعياً حتى سماع صوته ….

بعث اليها كل الاقارب و الأصدقاء يستجدون عطفها ، يتحججون بالبنات وبتربيتهم فى بيت واحد …

 لو ان بناته بهذه الاهميه ، اما كان يجب عليه ان يحترم امهم ، و ان يراعى ربه فيها !!!!!

لو انه أغلق عينيه للحظه ، و تخيل إبنته بدلاً من زوجته ، هل كان ليرتضى ان يمس احدهم شعرة منها !!!!!

هل كان ليترك ابنته، لتعود اليه !!!!!

أحس فجأه بالندم الشديد و أدرك عواقب فعلته و أقر انه خسرها للأبد و انتهت القضيه ….

انها تريد الطلاق ، هى لا تريده بعد الان ، لا تريد ان يجمعهما بيت واحد او حياة واحده …

 لم يعد لديها ما تُقدمه ، لم تعد تشعُر بالامان ، لم تعد تُحب …

 فلماذا تعود ؟!!

 و كيف لامرأة ان تعود لمن مزق أغلى ما تملك …. قلبها ..

دينا ابو الوفا
دينا ابو الوفا

اقرأ للكاتبة :

هل من عاقل يختار ما بين البقاء و الانقراض ….. لا اعتقد !!!

شكرا للتعليق على الموضوع