نانسى فتوح تكتب : الحب الحقيقي لا يقتله الدوام

حينما تفتح النافذة فجأة تسمع ضوضاء الشارع يملأ أذنيك، ثم تخف الدوشة شيئا فشيئاً حينما يستمر صخبها في أذنك لتصل أنك لا تدرك أنه كان هنالك الضوضاء إلا حينما تهدأ.

وحينما تركب الأسانسير تشعر به في لحظة تحركه ولحظة توقفه .. بينما أثناء استمراريته لا تشعر به.

وعندما تنظر للشمس لأول مرة تغشى عينيك ولكنك حينما تتعود عليها تبحلق فيها دون أن تأثر .

كذلك الصحة لا تشعر بوجودها في حياتك ولا تتذكرها إلا حينما تبدأ أن تسلب منك وتمرض.

كثيرة تلك الاشياء التي فقدنا وجودها في حياتنا ولم نعرف قيمتها الا بعد زوالها …

كذلك المرأة ففي فترة التعارف الخطوبة وكتب الكتاب يتمنى خطيبها أن ينال ارضائها وتستمر علاقتهما ويشعر بوجودها في حياته، ولكن بمجرد أن يتزوجا ويبدأ في الاعتياد عليها وعلى شكلها يبدأ يقلل اهتمامه بها شيئا فشيئاً فتصبح كقطعة الأثاث في البيت يدخل كل يوم ليجدها في مكانها.

تظل المرأة كذلك حتى تأتي تلك اللحظة الذي يدب فيها الخلاف بينه وبينها ويتأرجح الزواج على هاوية الطلاق في تلك اللحظه يعاوده الشعور بها خشية لفراقها .

فما السر ورا ذلك؟

فقد ذكر الدكتور مصطفى محمود وهو “كيميا الأعصاب”، أن أعصابنا مصنوعة بطريقة خاصة حيث تشعر بلحظات الانتقال ولا تشعر بالاستمرار.

فهل الدوام قاتل الشعور لأن أعصابنا عاجزة بطبيعتها عن الإحساس بالمنبهات التي تدوم؟

وأتساءل ..هل نحن مصنوعون من الفناء، ولا ندرك قيمة الأشياء إلا في لحظة فناءها؟ ، فإذا دام شيء في يدنا فإننا نفقد الإحساس به!

لا، فالحب الحقيقي والإخلاص للحبيب لا يقتله دوام العلاقة بل العكس يعمقه ويصبح جزءاً حقيقياً من كيانه، لايستطيع التفريط فيه أو البعد عنه.

ولكن لا نتجاهل أنه يوجد من البشر من ينظر إلى البعيد وينسى أو ربما يتناسى ماماملكته يداه، فهو دائماً يطمع في الشئ الكثير وينظر لما هو بعيد.
ويحاول تحقيق المستحيل .. فلا هو أدرك ما تملك يداه ورضي بما قسم الله له ولا هو سخر قواه ليحصل على ما يريد لانه دائماً لا يعرف قيمة ما بين يديه إلا عندما يفقده أو يقلب الحال فيصبح ضده..

هكذا هو الإنسان يغلبه طابِع النسيان والجحود والضّعف، لذلك أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).

فكأنها إشارة إلى وجوب تذكّر النِّعم لأنك أيها الإنسان ظلوم كفّار تنسى النِّعمة والمُنعِم .

ولكن هل لو أدرك الإنسان قيمة مابين يديه هل سيوفيه حقه؟

لو أدرك كلاً منا عظم هذه القيمة لما تجاهلها ولا فرط فيها  .. بل سعى جاهداً للحفاظ على هذه النعمة وشكر الله على ما هو عليه .
فهناك من يملك الخير الكثير من الصحه والمال والزوجة والأولاد ومحبة الغير ولكن نراه متأفف دوماً ، لا يرضيه شئ وكأنه لا يملك أي شئ، ولكن تأتي لحظه ويفقد كل شئ لأنه لا يقدر معنى الحياة ولا يؤمن بأن الله هو من يقدر الأمور وليس هو..

أسأل الله أن ينعم علينا بنعمة الإخلاص والرضى فيما نملكه وألا يذيقنا لحظة فقدان أو ندم .

 دمتم بخير وعافية.

اقرأ للكاتبة :

أنثى .. لم تنتزع طفولتها ..

شكرا للتعليق على الموضوع