عماد الدين حسين يكتب : المحبطون من تعثر يناير
طوال أيام ثورة ٢٥ يناير، وفى كل محطاتها المهمة كنت أخرج من بيتى قرب ميدان السيدة زينب سيرا على الأقدام متجها إلى ميدان التحرير. ومنذ هذا الوقت وحتى أدركنا أن الإخوان يريدون «أخونة» مصر بالكامل وربما المنطقة، كانت الآمال كبيرة وعظيمة.
كنت أقابل كثيرين من المواطنين العاديين، من سكان المطقة إلى أصحاب المحلات التجارية والعاملين فيها.
معظمهم كانوا يستبشرون بأن هناك عصرا جديدا يوشك على الخروج للنور.
أصدقاء كثيرون كانوا يعملون بالخارج وبعضهم فى مراكز ووظائف مرموقة عادوا إلى مصر ظنا أنها ستكون جديدة.
أذكر أن إحدى الصديقات كانت تخطط قبل الثورة للهجرة الكاملة من مصر والاستقرار فى أى بلد فى الغرب بحثا عن «حياة آدمية»، وبتعليم جيد لأولادها، ورصيف يستطيع «ترولى» الرضيع أن يسير عليه.
يومها كنت أسخر من تلك السيدة التى تريد الهجرة بحث عن «رصيف سليم»، ثم عذرتها لاحقا، حينما وجدت زوجتى تشكو نفس الشكوى وهى تسير بطفلتها الاخيرة التى ولدت فى عام الثورة.
هذه السيدة قررت الاستقرار فى مصر لانها عاشت بضعة أيام فى ميدان التحرير زمن الثورة.
وراهنت على أن كل ما كانت تحلم به سيتحقق.
لكن حينما تعثرت الأوضاع، خصوصا بعد التعديلات على مواد الدستور فى مارس ٢٠١١ ثم ما سمى بجمعة قندهار، وانتشار رايات داعش فى أكثر من ميدان، ودهس شعارات الثورة تحت صراعات التطرف والاستقطاب بشقيه الدينى والفلولي، حينما رأت كل ذلك، قررت أن تبذل كل الجهود كى تعود من حيث أتت، لكنها لم تنجح فى الهجرة منذ هذا الوقت.
قصص المحبطين من تعثر الثورة، كثيرة ومتنوعة ومرة أخرى، فإن البعض انصدم لانهم فوجئوا بأن كل ما حلموا به انتهى إلى ما يشبه الدولة الدينية ، خصوصا بعدما سيطرت هذه القوة على أكثر من ثلثى البرلمان بمجلسيه الشعب والشورى، ثم شكلوا الحكومة وبعدها حصلوا على منصب الرئاسة.
والبعض الآخر انصدم لأن التجربة انتهت وعادت كثير من الوجوه القديمة إلى مقدمة المشهد مرة أخرى.
أعرف صديقا ماركسيا كان يعارض الإخوان ولا يطيقهم، ورغم ذلك أيد انتخاب محمد مرسى فى الرئاسة ، ودافع عن حقهم فى الحكم حتى الإعلان الدستورى فى ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢، حينما أسفروا عن وجوههم بأنهم يريدون كل الكعكة أو كل البلد.
وبعدها كفر هذا الشاب بكل التجربة ، وغادر مصر مستقرا فى بقعة أقصى شمال قارة أمريكا الشمالية ، منتظرا حدوث معجزة تصلح من حال هذا البلد ، فربما وقتها يعود وأولاده كى يعيشوا فيه.
ما يؤلمه، أن أولاده لم يتعلموا العربية جيدا، وأكثر ما يؤرقه أن ينسوا لغتهم الأم، لأن أيام الغربة قد تطول.
أمثال هذا الشاب كثيرون. لا يؤيدون الإخوان، لكنهم يحلمون بوطن مختلف يقدر قيمة التعليم والصحة وسيادة القانون والمساواة واحترام حقوق الإنسان.
مرة أخرى طوال أيام ثورة يناير لم أجد من يعارضها إلا سائقى التاكسى الأبيض وبعض أصحاب محلات وسط البلد ، بسبب المظاهرات والفوضى وإغلاق الميدان أكثر من مرة.
إضافة بالطبع إلى أنصار دولة حسنى مبارك الذين خسروا معظم نفوذهم.
مبارك دخل السجن ومعه معظم أركان حكمه ، وصعدت قوى جديدة ، لكن بعض هؤلاء يحاول العودة مرة أخرى مراهنا على تداعيات ونتائج الازمة الاقتصادية شديدة الصعوبة.
البسطاء يعتقدون أن حال الاقتصاد المصرى وقتها كان ممتازا، وينسون أنهم ثاروا على هذه الأوضاع ، وأن نظام مبارك كان يرحل الأزمات ويؤجلها ويعتمد على الدعم محملا الأجيال المقبلة دفع كامل الثمن، وها نحن ندفعه الآن.
سوف تتحقق أهداف ثورة ٢٥ يناير حينما يدرك غالبية الناس أن ما يعوق التقدم والتحضر والحداثة والانطلاق هو القوى المتطرفة والمستبدة والمتخلفة، والفاسدة مجتمعة ولا حل الا بمواجهتها والانتصار عليها.
ONA
اقرأ للكاتب :
هذه الكائنات الإعلامية الجهولة