مصطفى جودة يكتب: أشهر الدعايات والشائعات «1-4»

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

«مات الفقيد – طيب الله ثراه – بموت الفجاءة، وهو موت العافية الذى أحب أن يموت به، وما كنت أدرى أن ذلك الجسم الدافق بالحيوية وذلك القلب النابض بالعلم، يطويهما الردى كلمح البصر».

دكتور عطية مصطفى مشرفة.

هذه كلمات الدكتور عطية مصطفى مشرفة بخصوص موت شقيقه الدكتور على مصطفى مشرفة بتاريخ 15 يناير 1950، والذى تحل علينا ذكرى وفاته الخامسة والسبعين اليوم. هذه الكلمات إثبات لا يقبل الشك فى أن موته كان طبيعيا. أذكر هذه الكلمات كونها وثيقة وردت فى صفحة 307 من كتاب بعنوان «على مصطفى مشرفة» تأليف عطية مصطفى مشرفة والذى يضم كل سيرته الذاتية وآثاره وأبحاثه ومشاركاته فى الحياة العامة المصرية شاملة مقالاته العلمية والصحفية والأدبية وأحاديثه الإذاعية وكل صغيرة وكبيرة عنه، والذى نشره مركز كتب الشرق الأوسط. رغم ذلك الخبر اليقين فإن شائعة موته مقتولا هى الغالبة على أمرها والتى أصبحت عبر الزمن وكأنها حقيقة ثابتة، فمرة يقال إن الموساد هو الذى قتله بوضع السم له، ومرة يقال إن الملك فاروق هو القاتل رغم إن فاروق هو الذى منحه الباشوية. كان يجب عدم الاستمرار فى تلك الفرية بعد ما كتبه شقيقه أن موته كان موت عافية، ولكن شائعة اغتياله هى الغالبة على أمرها، فأصبحت وكأنها حقيقة لا تقبل النقد.

هناك العديد من الشائعات الأخرى المدمرة والتى مستنا بعنف عبر تاريخنا، والتى أماط التاريخ اللثام عنها وعن مصادرها ودقتها وحقيقة أمرها.

من هذه الشائعات: شائعة مقتل النبى عليه السلام فى غزوة أحد، وشائعة الجيش المغولى الذى لا يقهر وشائعة قتل الأجانب فى الإسكندرية والتى أدت الى التدخل البريطانى واحتلال مصر، وشائعة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، وشائعة أسلحة الدمار الشامل التى يمتلكها العراق، وشائعة الجيش الإسرائيلى الأعظم أخلاقا فى العالم، وشائعة أن إسرائيل دولة متحضرة أكثر من الجميع وأنها واحة الديمقراطية فى الشرق الأوسط. وشائعة أن مقاتلى حماس قطعوا رءوس الأطفال الإسرائيليين وأنهم اغتصبوا النساء وبقروا بطون الحوامل فى هجومهم فى السابع من أكتوبر 2023، وغير ذلك كثير من الشائعات.

بخصوص شائعة مقتل النبى وطبقا لما جاء فى سيرة ابن هشام والسيرة الحلبية، حدد النبى عليه السلام أماكن المقاتلين فى غزوة أحد وقال لهم: لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال، وأمَّر على الرماة عبدالله بن جبير وكان عددهم يومئذ خمسين رجلا وقال له: «ادفع الخيل عنا بالنبل، لا يأتون خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك».

 كانت قريش ثلاثة آلاف مقاتل ومعهم مائة فرس وكان المسلمون فى المقابل سبعمائة مقاتل ومعهم اربعة أفراس. عندما أحرز المسلمون نصرا فى البداية وعندما بدأوا فى جمع الغنائم عصى الرماة أمر رسول الله وتدافعوا ليأخذوا نصيبهم منها، فانكشف المسلمون فأصاب فيهم العدو حتى وصلوا الى رسول الله ورموه بالحجارة، فأصيب وجرح وشج وجهه وأصيبت شفته، وكان الذى أصابه عتبة بن أبى وقاص فكسرت رباعيته وشج وجهه حتى سال الدم منها وجعل يمسح الدم وهو يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم الى ربهم.

رمى عتبة بن أبى وقاص رسول الله فكسر رباعيته اليمنى والسفلى وجرح شفته السفلى وشجه عبدالله بن شهاب الزهرى فى جبهته، وقام بن قمئة فجرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق الدرع وجنته ووقع الرسول عليه السلام فى حفرة من الحفر التى حفرها المشركون والتى لم يكن المسلمون على وعى بوجودها. عندما أخرج الإمام على الرسول من الحفرة نزع أبو عبيدة احدى الحلقتين من وجه رسول الله فسقطت إحدى ثناياه ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى.

 وقاتل بعض الصحابة لحماية رسول الله من هجوم المشركين المكثف عليه بالأحجار والنبال حتى قتلوا جميعا. ولما انهزم المسلمون وولوا نتيجة ما فعله الرماة، أقبل بن قمئة يقول: «دلونى على محمد، فلا نجوت إن نجا»، وتصدى له المسلمون المدافعون عن رسول الله. وألقى أبو دجانة بجسمه على النبى ليحميه من النبل، وتولى سعد بن أبى وقاص رمى النبل دون النبى، وسرت الشائعة أن النبى قد قتل، وكان ابن قمئة هو مصدر تلك الشائعة. لعبت تلك الشائعة دورا كبيرا فى زعزعة صفوف المسلمين وكان وقعها مدمرا ومحبطا على بعض المسلمين الذين ظنوا أن كل شىء انتهى بموت النبى، وآخرون منهم قرروا الثبات والقتال دفاعا عن الإسلام حتى لو كان النبى عليه السلام قد قتل، منهم أنس بن النضر الذى صرخ فيهم قائلا قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله.

كان كعب بن مالك أول من نادى بأعلى صوته: يامعشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله. عندها سرت الحياة بينهم وعرفوا أن النبى عليه السلام لم يقتل فنهضوا ونهض معهم النبى نحو شعب الجبل وكان بينهم أبوبكر وعمر وعلى وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، فلما أسند رسول الله فى الشعب، أدركه أبى بن خلف وهو يقول: أين محمد؟، لا نجوت إن نجا، فلما دنا تناول رسول الله الحربة من الحارس بن الصمة ورماه بها فأصابته فى عنقه حتى وقع من فرسه وجرح ومات فى أثناء رجوعه مع المشركين الى مكة. صلى النبى يومها الظهر بالمسلمين قاعدا وصلى المسلمون خلفه قعودا. نجا النبى عليه السلام يوم أحد من القتل ونجا الإسلام من شر أخطر شائعة فى التاريخ والتى كان بوسعها تغيير التاريخ الإنسانى.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: «اغتصاب» الجماهير

شكرا للتعليق