رامي فرج الله يكتب : اغتيال ” فقها” علامات و دلالات

راقبت كثيراً من التحليلات الصحفية واراء المحللين حول اغتيال فقها، فكان بعضها ما هو قرب إلى المنطق والعقل، و بعضها الاخر يجافي الحقيقة، ولا يمت إلى العقل بأي صلة.

إن اغتيال الأسير المحرر مازن فقها أمر جد خطير،  و ظروف استشهاده لن تكشف بسرعة، لكن مما لا شك فيه ، أن جريمة الاغتيال تحمل بصمات الموساد الإسرائيلي، نفذتها أدواته في غزة، ولابد أن لا يدع مجالاً للشك أن الاحتلال هو الذي خطط ودبر، أما التنفيذ فكانت عبر أياديه الخفية في قطاع غزة والمتعارف عليه بـــــــ” العملاء”.

لقد اتخذ الاحتلال قراراً وتم المصادقة عليه، وهو اغتيال الأسرى المحررين الذين خرجوا في صفقة  الجندي الإسرائيلي ” شاليط”، وهذا القرار تم المصادقة عليه قبل فترة وجيزة، حيث طالب أهالي القتلى الإسرائيليين تنانياهو بتصفية كل من قتل ابنها، فاعتبرت إسرائل أن كل من تعتبر ” يديه ملطخة بالدماء ” من الفلسطينيين يقع في دائرة الإرهاب، حتى وإن كان أسيراً محرراً.

الاحتلال لم ينم على الإطلاق منذ صفقة الأحرار في عام 2011، فقد بدأ فعلاً بمراقبة الأسرى المحررين المبعدين من الضفة إلى غزة، و عودتهم إلى العمل العسكري ضده، وما يرجح هذا الكلام أن الاحتلال وضع قائمة للاغتيالات قبيل عدوان تموز 2014، كان من بين الشخصيات التي ستغتالها إسرائيل ، القيادي البارز إسماعيل هنية، و محمود الزهار ، و خالد مشعل، وسوقها عبر وسائله الإعلامية، في الوقت حينه، كان يعد قائمة اغتيالات أخرى شملت ثلاثة أسرى محررين مازن فقها، ويحيى السنوار، مسئول حماس في قطاع غزة بعد انتخابات الحركة الأخيرة، و عبد الرحمن غنيمات، إضافة إلى القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، هذه القائمة لم تعلن عنها إلا في بعض وسائلها الإعلامية الناطقة بالعبرية، وعلى بعض صفحات الفيس بوك ، وقد بدأت إرهاصات التنفيذ إبان العدوان على غزة بمحاولة اغتيال الضيف التي باءت بفشل ذريع، ودعني أسمي أن الاحتلال اتبع سياستين: سياسة القائمة المعلنة ، وسياسة القائمة الخفية ” المبطنة”.

و أسلوب الاحتلال في الاغتيالات التي اتبعتها مع فقها هو أسلوب قديم حديث، فاغتيال الكمالين وأبي  يوسف النجار و أبي جهاد كانت بنفس الطريقة ، وبالتالي ليس غريباً أن تتبع إسرائيل هذا الأسلوب مرة أخرى، لكن الجديد هو ظروف الاغتيال، و التوقيت، فأفيغدور ليبرمان، وزير جيش الاحتلال ، أعلن يوم الأحد المنصرم على صفحته الشخصية على الفيس بوك ،عقب حادثة الاغتيال أن” إسرائيل تتبع سياسة  جديدة ضد حماس بطريقة مسئولة وحازمة”.

وإذا تساءلنا : ما هي ظروف الاغتيال ووضعنا فرضيات ، فأولى هذه الفرضيات هي :

أولاً: أدوات التنفيذ، وأقصد هنا ” ذيول الاحتلال”.

ثانياً:الاختراق الأمني.

ثالثاً: كيفية الاغتيال( بمسدسات كاتمة للصوت وليس بطائرات الاحتلال|).

رابعاً: الأرض التي جرت عليها الجريمة، حيث كان الاحتلال يعمد إلى تصفية المقاومين خارج الوطن ، لكن المرة  داخل حدود غزة، وهذا دليل على أنه أصبح يعتمد غزة دولة بحد ذاتها، وأن كتائب القسام جيش نظامي، مما يكرس الانقسام الفلسطيني، ويعمق جراح شعبنا.

أما بالنسبة للتوقيت، فهناك سؤال يطرح نفسه وبقوة على الطاولة، لماذا تم اغتيال ” فقها” في هذا الوقت بالذات؟، وهنا أيضاً أجزم قطعاً أن إسرائيل لم تختر وقتاً عبثياً، بل اختارته بدقة محكمة، فوزير خارجية تركيا أعلن يوم العشرين من هذا الشهر، أن بعد ضغوطات على حركة حماس، وافقت الأخيرة على إلقاء السلاح والدخول في مفاوضات مباشرة مع الاحتلال، ولم يكن الأمر خفياً ،بل تم الإعلان عنه عبر وسائل الإعلام، في حينه، نفت حركة حماس موافقتها على إلقاء السلاح، مؤكدةً أن ضغوطات شديدة مورست عليها، ولم تخضع لها.

ثم كان قبل الحادثة بعدة أسابيع ، تحليق مكثف للطيران الإسرائيلي في سماء غزة، و اختطاف صيادين في عرض البحر من قبل زوارق الاحتلال، كان الهدف من ذلك في اعتقادي هو إلهاء حماس عما ينويه الاحتلال فعله ، فكانت عملية اختطاف الصيادين هي تمويه فقط  للتستر عما تريد إسرائيل القيام به في غزة من مسلسل الاغتيالات.

ومن منظور اخر، أرادت إسرائل ” جس نبض ” يحيى السنوار، الذي يترأس الحركة في غزة، لكشف ما في جعبته، لتقيس عليه كيفية التعامل معه، و تغيير قواعد اللعبة مع حماس بغية كسر شوكة المقاومة، وخلط الأوراق بعضها ببعض، لا سيما بعد اتخاذ قرارت الإعدام تجاه تجار ومروجي المخدرات  الأخيرة  في قطاع غزة.

و أخيراً ، إن إسرائيل لم تقم بجريمة الاغتيال إلا بعد دراسة الأهداف المرجوة منها، والرسائل الموجهة من خلال اغتيال ” فقها”، و أعتقد أن أولى الرسائل هي موجهة إلى شخص السنوار ، كما أن إسرائيل تريد إرباك الساحة الفلسطينية في قطاع غزة، وإشعال الفتنة.

بقلم الصحفي: رامي فرج الله

كاتب ومحلل سياسي – غزة

شكرا للتعليق على الموضوع