ترامب في السعودية.. بعيدا عن الجدل الداخلي!
تسعى السعودية لتعزيز نفوذها العربي والإسلامي والاقليمي على حساب جارتها إيران، خصمها اللدود في الشرق الأوسط، باستضافتها 3 قمم تجمع رئيس أمريكا دونالد ترامب بقادة وحكام عرب ومسلمين.
ويبدأ الرئيس الأمريكي جولته الخارجية الأولى فيما يأمل البيت الأبيض أن تحول الانتباه بعيدا عن الجدل الداخلي وتوجهه صوب سياسته الخارجية في ظل المشاكل التي تواجهها إدارته، حسب تقرير لوكالة رويترز.
ويلقي ترامب الذي يصل السعودية السبت، خطابا يوم الاحد في ثاني أيام لقاءاته، أمام أكثر من 55 حاكما من دول عربية ومسلمة حول “ضرورة مواجهة الإيديولوجيات المتشددة” وتطلعاته “نحو رؤية سلمية للإسلام”، وذلك في أول زيارة خارجية له منذ تسلمه منصبه في كانون الثاني/ يناير.
وجاء في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، أن قادة الدول العربية والمسلمة الذين سيحجون إلى المملكة للقاء الرئيس الأمريكي، يتطلعون لإعادة إنعاش علاقات تاريخية مع الولايات المتحدة بعدما طغت عليها تبعات قرار ترامب المثير للجدل بمنع دخول رعايا دول مسلمة إلى بلده والاتهامات التي وجهت اليه على إثر هذا القرار بإذكاء الإسلاموفوبيا، بعد تخلي سلفه باراك أوباما جزئيا عن لعب دور “حامي الحماة” في الشرق الأوسط، وتمنعه عن الانخراط المباشر في الخلافات الإقليمية التي تعصف بهذه المنطقة التي طالما شكلت موردا هاما للنفط إلى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
ويعتقد كثير من المتابعين أن الضجة السياسية في واشنطن بسبب عزل ترامب لمدير مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) جيمس كومي، والمزاعم أنه ضغط على كومي لوقف التحقيق في أمر مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، وتعيين مستشار خاص للتحقيق في مزاعم عن تدخل روسيا في انتخابات 2016 واحتمال ارتباطها بحملة ترامب تهدد بأن تلقي بظلالها على جولته وقممه في السعودية.
وقال تقرير لوكالة “أ ف ب”إن الرياض تجهد من خلال تنظيمها “قمم ترامب” واستضافتها على أراضيها، ليس فقط لترميم العلاقة المتراخية مع الحليف التاريخي، بل تسعى لجذب واشنطن مجددا للانخراط في صراعات المنطقة، والوقوف بحزم إلى جانبها في وجه إيران، التي تنافسها على الريادة في العالمين الاسلامي والعربي وتحاول فرض نفسها قطبا شيعيا ندا يدعي حق الدفاع عن حقوق أتباع المذهب الشيعي المنتشرين في بعض الدول العربية والإسلامية، بما في ذلك في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط من المملكة نفسها.
وقال الباحث في معهد “المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية” آدم بارون لوكالة فرانس برس، إن استضافة القمة العربية الاسلامية الأمريكية “مؤشر على الريادة الاقليمية للسعودية” والغرض منه إظهار مدى قدرة المملكة السنية على جمع قادة مسلمين تحت سقف واحد، مع ترامب.
وفي مؤشر على الأهمية التي توليها المملكة السعودية لزيارة الرئيس الاميركي، أطلقت الرياض موقعا إلكترونيا خاصا بالزيارة التي لم تتوان عن وصفها ب”الحدث التاريخي”. ويتصدر صفحة الموقع عد تنازلي باليوم والساعة والدقيقة والثانية لوصول ترامب الى المملكة، مرفقا بعبارة “القمة العربية الاسلامية الاميركية – قمة تاريخية لغد مشرق”.
وعقب سنوات من الفتور في ظل ادارة باراك اوباما، وجدت دول الخليج في ترامب المثير للجدل حتى داخل بلاده، حليفا تعيد معه بناء العلاقة التاريخية مع واشنطن.
وتشيع السعودية مرارا اتهامات لجارتها ايران بالتدخل في شؤون دول المنطقة، لكن هذه الاتهامات لم تلق صدى في واشنطن خلال عهد الرئيس السابق أوباما، غير أن الرياض وجدت على ما يبدو لدى إدارة ترامب آذانا صاغية تتفاعل مع قلقها مما تصفه بـ “التدخلات الايرانية”، خصوصا مع تكثيف مسؤولي هذه الادارة اتهاماتهم لطهران بزعزعة استقرار المنطقة وتلويحهم باتخاذ اجراءات بحق الجمهورية الاسلامية التي تتسم علاقتها المقطوعة مع واشنطن بسمة نفور متبادل منذ انتصار ثورتها الإسلامية عام 1979.
أما طهران التي تتبنى نظام حكم إسلامي على مبدأ “ولاية الفقيه” فتنفي الاتهامات السعودية لها، وتتهم في المقابل الرياض بدعم جماعات إسلامية متطرفة تنشط على أراضيها وعلى أراضي دول حليفة لها مثل العراق وسوريا وغيرها.
ويتوقع محللون أن تهيمن إيران التي تنظم الجمعة انتخابات رئاسية يتنافس فيها الرئيس المعتدل حسن روحاني مع رجل الدين المحافظ ابراهيم رئيسي، على لقاءات السبت بين ترامب والمسؤولين السعوديين وعلى رأسهم الملك سلمان، واجتماعات الاحد بين الرئيس الأمريكي وحكّام دول الخليج والدول الاخرى.
واعتبر سلمان الانصاري، رئيس لجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية المعروفة باسم “سابراك”، أن القمة العربية الاسلامية الأمريكية “تحمل رسالة واضحة للنظام الإيراني المتشدد مفادها أنه سيكون هناك تفاهم كامل واتفاق شامل بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والاسلامي” بشأن التعامل معها.
وقال مستشار الأمن القومي إتش.أر. مكماستر، إن البيت الأبيض حدد ثلاثة أهداف لجولة ترامب وقممه في السعودية، وهي إعادة التأكيد على دور الولايات المتحدة القيادي على الساحة الدولية، وبناء علاقات مع زعماء عالميين وتوجيه “رسالة وحدة لأصدقاء أمريكا وأتباع ثلاث من أكبر الديانات في العالم”.
وأضاف للصحفيين “الرئيس ترامب يسعى لتوحيد الناس من جميع العقائد وراء رؤية أمريكية مشتركة للسلام والتقدم والرخاء”.
وذكر مكماستر أن ترامب سيلقى كلمة في السعودية يعبّر فيها عن أمله في أن يلقى الإسلام الوسطي المعتدل صدى في العالم.
ويعول مكماستر نفسه، الذي دافع علنا عن ترامب هذا الأسبوع، بوجه مزاعم بأنه كشف معلومات بشكل غير لائق خلال اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالبيت الأبيض، على الجولة.
ويرى إندرياس كريغ، الباحث في مجال الدفاع في كلية كينغز بلندن، أن الملك سلمان من جانبه يسعى إلى الاستعانة بالولايات المتحدة لتشكيل “تحالف إسلامي بقيادة سعودية ضد الفكر المتطرف، وضد إيران”في نفس الوقت!.
والقمة جزء من استراتيجية أمريكية لدفع العالم الإسلامي إلى التحرك ضد المتطرفين السنة في تنظيم “داعش”، وضد الجماعات المسلحة الشيعية المدعومة من إيران وعلى رأسها حزب الله في لبنان، بحسب ما نقلت “أ ف ب” عن مصطفى العاني من مركز الخليج للأبحاث.
ويوضح المحلل قائلا “إنها استراتيجية مهمة لأنها قد تترجم بإجراءات على الارض وبمساهمات مالية سخية من الدول النفطية مقابل مشاركات عسكرية وتبادل للمعلومات الاستخباراتية”.
وكدفعة أولية، أعلن مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية أنّ طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، قصفت عصر الخميس قافلة يبدو أنها كانت تنقل عناصر من الميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب قوات النظام في سوريا، قرب الحدود الأردنية.
ويقول العاني إن إدارة ترامب تعي أن السعودية “قوة إقليمية كبرى” ومن الضروري طلب مساعدتها والتعاون معها في احتواء إيران ومحاربة “الارهاب” في آن واحد.
ومن المؤكد أن ترامب سيلقى استقبالا حارا منقطع النظير من الزعماء والحكام في السعودية وإسرائيل، لكن التساؤلات بشأن وجهات نظره من اتفاق إيران النووي والتزامه تجاه أمن حلف شمال الأطلسي والتشكيك في اتفاق باريس للمناخ قد تؤجج التوتر خلال اجتماعات مع نظرائه الأوروبيين في بروكسل وصقلية المشمولتين بجولته الخارجية الأولى.
وكالات