رحلة بين قبائل السلبيات … ل ” جوزيف مجدلاني “

بيروت – تقلا ابراهيم : ضمن سلسلة علوم الإيزوتيريك، (علوم الباطن الانساني) الكتاب الثالث والأربعون بعنوان:”رحلة بين قبائل السلبيات…” بقلم د. جوزيف مجدلاني (ج ب م). يضمّ الكتاب 96 صفحة من الحجم الوسط، منشورات أصدقاء المعرفة البيضاء – بيروت.

   تساءل كثيرون، “ما أعمق هذا الكيان الانساني، وما أعظمه وجوداً وأرقاه خلقاً… لكن، كم نحن بعيدون عن حقيقته!”  إذ أنّ ما نعرفه من هذا الكيان العظيم، لا يتعدّى عشرة في المئة من حقيقته الكاملة على أبعد تقدير( النسبة القسوى المتفتّحة من خلايا الدماغ لدى العوالم حالياً) أي ما يوازي طاقة المدارك على الاستيعاب في الزمن الراهن وما يتوافق مع حرارة الشمس على الأرض.

   لعلّ أهمّ ما في هذا الكتاب الشيّق، الكاشف والفريد من نوعه أنه يتناول موضوعاً لا يبدو أحداً أن تطرّق اليه من قبل… وهو عيوب النفس البشرية، أو السلبيات الغائبة عن مدارك صاحبها !…

   يلقي “رحلة بين قبائل السلبيات…” الضوء على ما يجهله المرء وهو هاجع في صميم نفسه، يتصرّف عبره لا شعورياً منه، وربما يساوره الندم، أولاً: يتنبّه الى نتيجة تصرّفه… وهنا يكمن الخطر، وتشتدّ المعاناة، ويتوالد العذاب في حياة المرء، كل ذلك من دون أن يدري السبب، وهذا ما يجعل المفكّر يتسأل: “هل العذاب إذا ما أضطرّ الأمر عملية بديهية أو ضروريّة” لصقل الجوهر الإنساني كي يظهر أشدّ لمعاناً  وبريقاً.

    “رحلة بين قبائل السلبيات…” الكامنة في النفس البشرية دونما دراية صاحبها، كيف يكتشفها؟ كيف يتحقق منها؟  وكيف يعمل على إزالتها وإستبدالها بالإيجابيات؟!

      يسرد الكتاب قصة واقعيّة ذات وجهين الأول حياتي عملي، والثاني وجداني، وجهين مختلفين عن بعضهما ومتباعدين … كلٌّ يعمل على هواه دونما علم أو إهتمام بالآخر، متجاهلين أن الغاية تقرّبهما من بعضهما، والهدف إلغاء التناقض بينهما… اذا ما شاء المرء أن تستقيم حياته وتبتعد عنه المنغصات الحياتية…

       يستعرض الكتاب بأدقّ التفاصيل مواجهة صريحة بين النفس والذات، يشرحها في صور حياتية ومواقف عملية لا يملك القارىء إلاّ أن يشبهها على نفسه، يقتدي بها، ويعيش بموجبها، فيرتقي في حياته، في أعماله ومشاغله الخاصة والعامة، ما يوسّع نظرته في الأبعاد ويطفي على مداركه سعة أفق التفكير، ويثبّت أن الايزوتيريك أسلوب حياة راقٍ وبديع.

     هدف الايزوتيريك أن يكشف تباعاً المعارف الخافية في حياة الانسان – وكم هي كثيرة لا يحويها حصر ولا عدّ… إنما هي دائماً مظلّلة بالوعي الحياتي العملي.

وحيث أن وعي الظاهر يعصى عليه إدراك مكنون وعي الباطن في الحالات الاعتيادية. لنستمع الى المعلّم وهو يشرح بإسلوب إنسيابي سلس، قوامه قاعدة ذات ركائز أربع، معروفاً إسماً لكنها مجهولة تقنياً، ودورها متداخل في بعضه، يشرحها الكتاب بتبسيط السهل الممتنع الذي يستوحي من الفنون تعبير التصوير وجمال الشاعرية وهي: التأمل – التركيز – التمعّن والتطبيق أي (ممارسة النتائج )

     يشرح المعلّم هذه التقنيّة:

–  تعلّم فنّ التأمل من عاشق متيّم ينتظر معشوقته في لقاء أبدّي وفي خلفيّة خياله صورتها التي تهيمن على وجوده دونما تركيز منه أو جهد، لأن توقه اليها يتخطّى حدود التفكير والتركيز والوعي الحسّي.

–  وتعلّم فنّ الركيز من حرفيّ ماهر، يحاول أن يبتدع من بضعة أشياء بين يديه أدقّ تحفة وأجمل عمل لأن الصورة – الهدف المحفور عميقاً في ذهنه، هو الذي يشحذ تركيزه ويجعله أكثر حدّة.

–   وتعلّم فنّ التمعّن من موسيقيّ بارع يستلهم نغمات سيمفونيته من أصوات الكواكب والنجوم، ثمّ يتمعّن فيها باحثاً عن أبعادها، عن معانيها عن ما أخفيَ بين نغمة وأخرى وبين نجمة وأخرى.

–   وتعلّم فنّ التطبيق العملي من نملة تحمل قشّة على ظهرها وتسير بها مسافة طويلة لتبني لنفسها حجراً يأويها  وصغارها طوال فصل الشتاء. فالمثابرة في عملها لهي أسمى ما يصبو اليه انسان  في تطبيق ما يتعلّمه.  فتلكم هي قمّة الوعي في المعرفة”.

بذلك ينفتح المرء على باطن وعيه لا بل سيجد أن ثمّة اتصالاً قد مدّ بين ظاهر وعيه وباطنه… مسؤوليته أن يمكّن هذا الاتصال في ضوء الحكمة العملية المكتسبة. فالحكمة إكتساب والإكتساب حقيقة تطبيق، والحقيقة لا تهادن لا تساوم ولا تتهاون وإلاّ فليست حقيقة.

 من هنا فإذا ما أبصر المرء سلبياته بعين الحقيقة، ضعفت تلقائياً وتقلّصت أمام نور الوعي، لأن الجهل ظلام داخلي والظلام هو الغذاء الوحيد للسلبيات ومأوى كل سوء تصرّف، فالسلبيات لا تعشّش الاّ في ظلام الوعي، إعترف بوجودها تجدها ضعفت، إكشفها، تجدها تقلّصت، سلّط عليها نور الوعي تجدها بدأت تجفّ وتذوي.

كتابٌ إنسانيّ بطبيعته، إرتقائيّ بهدفه، حياتيّ بإسلوبه، عملاني، إرشادي وكاشف.

شكرا للتعليق على الموضوع