المسجد الأحمر مؤشر على التراخي في مكافحة التطرف الديني في باكستان

قالت وكالة “فرانس برس″، إن باكستان المتهمة بالتراخي في مكافحة التطرف الديني أنها تفعل ما بوسعها لكن جهودها لا تخلو من تعقيد ومن التباس وأبرز مثال على ذلك ما آل إليه مصير الداعية عبد العزيز الزعيم السابق للمسجد الأحمر في اسلام اباد الداعي إلى تطبيق الشريعة.

عندما اتهمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانها تشكل “موئلا لعناصر الفوضى” ردت باكستان بأنها بذلت تضحيات جسام في هذه المعركة وأكد جيشها القوي أنه “خلص البلاد” من الجماعات “الإرهابية”.

وإذا لم يعد بوسع الجماعات المسلحة شن عملياتها بلا رقيب ولا حسيب مثلما كانت عليه الحال في الماضي على الحدود الباكستانية الأفغانية، فإن باكستان لا تزال مرتعا للتطرف حيث تقوم حركات دينية راديكالية بنشر أفكارها التي توفر تربة خصبة لتوليد العنف، متسلحة بشعبيتها ونفوذها الواسع.

وضمن هذا التيار، يعد الإمام عبد العزيز من الأصوات الأبرز والأكثر انتشاراً نظراً لماضيه المضطرب على رأس لال مسجد أو المسجد الأحمر وهو أقدم مساجد العاصمة.

وعلى الرغم من قرارات القضاء، لا يزال عبد العزيز يدعو إلى فرض الشريعة الإسلامية على الطريقة التي اتبعها نظام طالبان، محرما الرقص والاختلاط وأنشطة الترفيه ومؤثرا على جيل بأكمله ممن تشربوا الفكر المتعصب.

-الملا والنقاب-

في بدايات القرن الحادي والعشرين أدت خطبه النارية وافكاره المتعصبة التي انتشرت بين آلاف من مرتادي المدارس القرآنية في مسجد إلى نشوء وضع متفجر.

وفي سنة 2007، بدأ تلامذته بنهب متاجر بيع الأقراص المدمجة وأسطوانات الفيديو وخطف الصينيات اللواتي يقدمن خدمات التدليك في إسلام أباد. وسرعان ما تطور الوضع إلى مواجهات دامية.

وعندما حاصرت قوات النظام برئاسة برويز مشرف المسجد واقتحمته في 10 تموز/يوليو 2007، واجهت مقاتلين إسلاميين مسلحين بشكل جيد.

أوقعت العملية التي أثارت الكثير من الجدل أكثر من مئة قتيل وتبعها العديد من الاعتداءات الانتقامية.

أما إمام المسجد عبد العزيز فألقي القبض عليه متنكراً بزي امرأة وعلى وجهه نقاب في أثناء محاولته الفرار من المسجد المحاصر، ووضع في السجن. وعرضت حينها صورته بالبرقع على شاشات التلفزيون ما أكسبه لقب “الملا برقع”.

ورغم توجيه نحو عشرين تهمة إليه لا سيما بالتحريض على الكراهية والقتل والخطف، أطلق سراحه في نيسان/ابريل 2009 بكفالة.

ويبدو أنه تم التساهل معه منذ ذلك الحين، وبات يدير شبكة من مدارس تعليم القرآن محاولا بين الفينة والأخرى إلقاء خطب على الملأ في ما يشبه لعبة القطة والفأر مع السلطات.

-نقص الإرادة-

ويقول المحامي والناشط في المجتمع المدني جبران نصير “لقد برئ من كل التهم والحكومة فضلت عدم الاستئناف. لا تتوفر الإرادة لملاحقته أمام القضاء”.

ولم يتعرض عبد العزيز للإدانة حتى بعد نشر شريط فيديو تظهر فيه طالبات في مدارسه الدينية يعلن تأييدهن لتنظيم “داعش” في سنة 2014.

ويلتحق آلاف التلاميذ بمدارسه حيث يحفظون القرآن ويدرسون الشريعة بتفسيراتها الأكثر تشددا. وفيها درس زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

برر عبد العزيز الاعتداءات التي استهدفت صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية في سنة 2015 ورأى أن الخلافة التي أعلنها تنظيم “داعش” في سوريا والعراق “هي الحل” لمشكلات العالم.

ويقول الخبير السياسي طلعت مسعود “إنه يجسد الأفكار اليمينية المتطرفة التي أشاعها في الماضي الأمريكيون والباكستانيون”.

ففي ثمانينات القرن العشرين، ساهم لال مسجد في تجنيد المقاتلين “من اجل الجهاد” ضد القوات السوفياتية في أفغانستان، بدعم من السلطات الأمريكية والباكستانية حينها.

ويقول مسعود إنه “يتم التساهل مع عبد العزيز لأن الأمر سيكون اشبه بالعبث بعش للدبابير. ويضيف الجنرال السابق أنه “نظراً لحساسية الأهالي أزاء المسائل الدينية، فإن التدخل قد يوسع دائرة مؤيديه”.

ولكنه يبقى تحت المراقبة، ولم يعد مرحبا به في المسجد الأحمر الذي بات تابعاً نظرياً للدولة وعُيِّن أحد أبناء اخوته أمير صديق إماما عليه.

يرد اسم عبد العزيز على اللائحة الباكستانية لمكافحة الإرهاب. ومنع القضاء انعقاد المؤتمر الكبير الذي أعد له أنصاره لإحياء الذكرى العاشرة لحصار المسجد في تموز/يوليو الماضي.

وخلال الأشهر الماضية، لم تتردد السلطات في قطع الطرق المؤدية إلى الحي التجاري المحيط بالمسجد القديم لمنع عبد العزيز من المجيء لإلقاء خطب، أو من قطع شبكات الهاتف حتى لا يتمكن من إلقاء خطبة الجمعة، وإن عن بعد.

عاد المسجد مكاناً هادئا للصلاة وحرص القائمون عليه على العمل بهدوء. ويقول إمامه صديق اللبق البالغ من العمر ثلاثين عاما، “علينا أن ننسى الماضي والمواقف المتطرفة لتلك الحقبة. علينا أن ننأى عن الإرهاب”.

أ ف ب

شكرا للتعليق على الموضوع