برديس الجهات الأربع يكسر النمط السينمائي في طهران

التلغراف – طهران – احمد حيدري : رافقت حكاية  فردوس الجهات الأربع أو “برديس جهارسو” تخوف كبير. ووجدها السينمائيون الإيرانيون أنها مغامرة لا يحمد عقباها.

بينما وجد آخرون أنها فرصة لا يمكن الاستغناء عنها.  بين التخوف والثقة، افتتح  مجمع لصالات عرض سينمائي فيها خمس صالات عرض،  تستقبل 900 مشاهد. وإذا بحثنا عن مفردة “برديس” نجد بعض اللغوين يرجعونها إلى أنها في الأصل “برادائزا” أي البستان، بينما يرجعها آخرون إلى أنها من جذور عربية “الفردوس”.

لكل صالة عرض مكانة تاريخية وحساسيتها، خاصة إذا كانت موقعاً للمهرجانات، فهي ستتحوّل إلى واجهة للبلاد. فالأمر لا يُختصر على العرض فقط. فمثلا مهرجان البندقية السينمائي، ترك المكان سحره على كل حركة المهرجان أو مهرجان برلين السينمائي كما هو الحال مع مهرجان القاهرة السينمائي.

ويدخل بعضها ضمن الركائز التي أثرت على السينما، وجهارسو حديثة الولادة قد أفتتحت في 27 يناير 2015. لكنها تستمد التاريخ من مكانها الجغرافي، فهي في ال “دان تاون” كما يصطلح عليه الامريكيون، أي وسط المدينة. وهي منطقة تاريخية ويطلق عليها الطهرانيون “طهران القديمة” وذلك لوجود المقاهي القديمة، ومن الصدف قرب مقهى “نادري” من “جهارسو”، المقهى الذي أثّر تأثيرا مباشر على الأدب والسينما الإيرانية المعاصرة وكانت معقل المثقفين الإيرانيين. وقد أسس هذا المقهى رجل مهاجر أرمني “خاجيك ماديكاينس”. وبقربها أيضا مجلة “فيلم” الشهرية التي تعتبر أهم مجلة سينمائية إيرانية.

وتأتي أهمية فردوس الجهات الأربع في النقلة النوعية التي أحدثتها للجمهور، فصالات العرض في طهران وسعت نفسها في شمال طهران، حيث المجتمع المخملي والثراء، لكن مركز المدينة هو جمهور السوق ومصاعب الحياة اليومية والناس وهم يصارعون من أجل لقمة العيش. فرق شاسع بين الجمهورين، جمهور شمال العواصم وجمهور جنوب العواصم.

ففي السابق وحين يقام مهرجان فجر السينمائي الدولي، يُحاصر الضيوف الأجانب بكل حديث، وبالمباني الجديدة، وبمجتمع يعرف عدّة لغات ويرتدي أحدث الثياب. لكنه الآن يجد الباعة الجوالين والبسطات وزحام السيارات الخانق وثياب عمّال. ها هم أمام طهران القديمة بكل ضجتها وصخبها وحياتها.

مهرجان فجر السينمائي العالمي يفتح أبوابه للتسجيل

هنا التحدي بين أخذ سينمائين أجانب أعينهم لا تفوت أي مشهد، إلى الشمال الراقي، أو أخذهم إلى الجنوب المتعب بحياته اليومية. يتلاشى التخوف من عرض صورة المدينة في المساحة المحيطة بالمجمع السينمائي، إذا هناك أكثر من ثلاثين متحف بين حديثة الولادة وبين من قاوم الزمان لقرون. والمباني القديمة جدا ترتفع فيما بينها، طلاب الجامعات كثافتهم في المنطقة ملموسة حيث تقع منامات الطلاب وحيث منازل رخيصة الأسعار متاحة لهم. وقد ركّز مهرجان فجر على الطلاب، فخصص لهم تذاكر مجانية، وورشات يمكنهم المشاركة فيها.

إذاً لم يكن التغيير فقط في الجمهور بين جمهور ثري وجمهور الطبقة الوسطى، هو تغيير فرض نفسه حتى على قائمة الأفلام التي تُعرض. صالات الشمال الطهراني هواجس مشاهديها هواجس نخبوية، بينما هواجس مشاهدي وسط المدينة هي هواجس يومية ومستقبلية والتخوف مما هو قادم أو اسراف في الآمال. كل ذلك أدّى بالمسؤلين إلى العناية بقائمة الأفلام المعروضة والتغيير فيها، فصالات العرض ليست مثل السابق يجلس فيها قلة صامتين، هنا مشاهدين يقفون طوابير ويملؤون الصالات ويصدرون أصوات اعتراضية حين العرض.

ليس الأمر إذاً تغيير مكان وصالات عرض وجمهور، هو أقرب للتغيير المفاجئ. في إحدى مهرجانات فجر السينمائي الدولي، حدث أمر لأول مرة في تاريخ العروض السينمائي في إيران، على مدى عشرة أيام كان العرض الأخير الليلي فيلم رعب. والجمهور ملأ الصالات بصورة أثارت التعجب. وهي التجربة الأولى للمشاهد الإيراني في مشاهدة أفلام الرعب في السينما، بعد أن كان يشاهد أفلام فنية جدا ونخبوية. والسينما الإيرانية لا تنتج أفلام الرعب، وهذا موضوع قد نتطرق له ولتاريخه وأسبابها في مكان آخر.

في نفس برديس جهارسو ينتظر القائمون على مهرجان فجر السينمائي الدولي تحديات جديدة رغم قُدم المكان، تحديات في الضيوف وفي قائمة الأفلام المعروضة على جمهوره الجديد الذي أحبّ أفلام الرعب وتفاعل معها أكثر من الأفلام التي كانت رهان المهرجان.

موضوعات ذات صله : 

ما لا تعرفه عن مهرجان فجر السينمائي

شكرا للتعليق على الموضوع