دراسة جديدة تتحدى “نسبية” آينشتاين.. حتى الثقوب السوداء يمكن المرور من خلالها

في العالم الحقيقي، ماضيك يحد، بشكل فريد، مستقبلك، فإذا عرف الفيزيائيون كيف بدأ الكون، يمكنهم حساب المستقبل في كافة الأزمنة والأفضية.

وقد توصل علماء رياضيات في جامعة بيركيلي، كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى بعض أنواع الثقوب السوداء التي ينهار فيها ذلك القانون، حيث إذا استطاع شخص ما المغامرة والدخول في إحدى هذه الثقوب، الحميدة نسبيا، فإنه من الممكن أن يبقى حيا، لكن ماضيه سيطمس ويمكن أن يكون له عدد لا نهائي من المستقبلات المحتملة، حسب موقع الجامعة، وفقًا لوكالة “سبوتنيك” الروسية.

وقد قدمت ادعاءات، ففي الماضي، تنفي إمكانية حدوث ذلك، واستند فيها الفيزيائيون إلى “الرقابة الكونية القوية”، لشرحها، وكان الأمر كارثيا بالفعل حيث النهاية المأساوية والموت الفظيع الذي سيحدث في حال دخول منطقة الزمكان، وقد اقترح هذا المبدأ منذ نحو 40 عاما الفيزيائي روغر بينروس، مبقيا على “الحتمية” كفكرة مقدسة ومفتاح لأي نظرية فيزيائية، وهذا يعني أنه بالنظر للحاضر والماضي فإن قوانين الفيزياء للكون لا تسمح بأكثر من مستقبل واحد فقط.

لكن باحث ما بعد الدكتوراة في جامعة كاليفورنيا بيتر هينتز، تمكن من التوصل إلى أن بعض أنواع محددة من الثقوب السوداء، في أكوان مثل كوننا تتسع بمعدل متسارع، من الممكن لمن يدخلها أن يبقى على قيد الحياة منتقلا من عالم حتمي إلى ثقب أسود بلا حتمية.

ويقول هينتز إنه على الرغم من أن الدراسة تطرح إمكانية الحياة في فضاء، لا يمكن التنبؤ فيه بالمستقبل غير واضح، إلا أن النتيجة لا تعني خطأ معادلات آينشتاين للنسبية، والتي تصف حتى الآن تطور الكون بشكل رائع، بل يجعلها أكثر إثارة للاهتمام رياضيا، مضيفا أن هذا السؤال كما أنه من الممكن دراسته رياضيا، إلا أنه يمكن أيضا دراسة آثاره الجسدية والفلسفية، ما يجعل الأمر مثيرا.

لكن زملاء هينتز من جامعة لشبونة في البرتغال فيتور كاردوسو وجواو كوستا وكرياكوس ديستونيوس، ومن جامعة أوتريخت أرون جانسن يقولون إن هذا الاستنتاج يتطابق مع فشل الحتمية في النسبية العامة، والتي لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد في علم الكونيات الحديث نظرا للتوسع المتسارع للأكوان.

ويقول الباحث غاري هورويتز من جامعة سانتا باربرا إن هذه الدراسة توفر “أفضل دليل عرفته لانتهاك الرقابة الكونية في نظرية الجاذبية والكهرومغناطيسية”.

وقد نشر هينتز وزملاؤه ورقتهم البحثية التي تصف الثقوب السوداء غير العادية الشهر الماضي في مجلة  “فيزيكال ريفيو ليتيرز”.

تجدر الإشارة إلى أن الثقوب السوداء هي تلك المناطق من الكون التي حصلت على اسمها، من حقيقة أنه لا شيء يمكن أن يفلت منها ولا حتى الضوء، فإذا كنت قريبا جدا ما يسمى “أفق الحدث” فلن تتمكن أبدا من الهرب.

وحتى في الثقوب السوداء الصغيرة فإنه أيضا من غير الممكن النجاة، إذ أن قوى المد والجزر القريبة من “أفق الحدث” تكفي لتبديد أي شيء، فتمدده حتى يكون سلسلة من الذرات.

ولكن بالنسبة للثقوب السوداء الكبيرة مثل تلك الموجودة في نوى المجرات مثل درب التبانة، والتي تزن عشرات ملايين الأضعاف إن لم يكن عشرات مليارات أضعاف كتلة نجم، فإن عبور أي شيء خلالها سيكون حدثا ضخما.

ولأنه من الواجب أن يكون هناك إمكانية للبقاء على قيد الحياة في الانتقال من عالمنا إلى عالم الثقوب السوداء، فلطالما تساءل العلماء منذ فترة طويلة عما سيبدو عليه العالم هناك، ورجعوا إلى معادلات آيينشتاين للنسبية العامة للتنبؤ بالعلم داخل الثقوب السوداء.

وقد ظلت هذه المعادلات تعمل بشكل جيد حتى الوصول إلى المركز، حيث وفقا لحسابات النظرية، يصل انحناء الزمكان إلى حد لا نهائي.

وحتى قبل الوصول لمركز الثقب الأسود، فإن مستكشف الثقب الأسود، والذي لن يكون باستطاعته تماما التواصل مع العالم الخارجي، سيواجه بعض المعالم الغريبة والمميتة.

وقد درس هينتز نوعا محددا من الثقوب السوداء غير الدوارة وبلا شحنات إلكترونية، يدعى “أفق كوتشي” في “أفق الحدث”.

وكان يعتقد أن ثقب كوتشي هو المكان، حيث تنهار الحتمية ولا يمكن للماضي فيه تحديد المستقبل، ولكن رغم ذلك، حتى الآن لا يمكن لأي مراقب المرور من أفق كوتشي لأنه سيبدد.

وكما تقول الحجة فإن المراقب عندما يقترب من الأفق يتباطأ الوقت، لأن الساعات تصبح أبطأ في حقل جاذبيته القوي، وهناك حتما سيبتلع القب الأسود أي شيء.

لكن هينتز أدرك أن هذا لا يتطابق مع الكون المتسع بتسارع، مثل كوننا لأن الزمكان يتم سحبه بشكل متزايد بعيدا، وأغلب مساحة الكون لن تكون خاضعة لتأثير الثقب الأسود، لأن تلك الطاقة لا يمكنها السفر أسرع من الضوء.

وفي الحقيقة فإن الطاقة المتاحة للسقوط في الثقب الأسود هي تلك الموجودة في الأفق الملحوظ، فحجم المساحة من الكون التي يمكن أن تتأثر بالثقب الأسود تزيد عن مساحة وجودها.

على سبيل المثال، بالنسبة لنا فإن الأفق الملاحظ أكبر من 13.8 مليار سنة ضوئية يمكننا أن نراها في الماضي لأنها تحتوي كل شيء سنراه في المستقبل إلى الأبد. التوسع المتسارع للكون سيعوقنا من رؤية ما وراء الأفق بنحو 46.5 مليون سنة ضوئية.

وفي هذا السيناريو فإن التوسع في الكون يتعارض مع تضخم التأثير الناتج عن اتساع الوقت داخل الثقب الأسود، وفي بعض الحالات يلغيه تماما.

وفي هذه الحالات على وجه التحديد، فإن القوب السوداء السلسة بدون الشحنات الإلكترونية الكبيرة، يمكن للمراقب البقاء حيا خلال المرور من ثقب كوتشي إلى العالم غير الحتمي.

ويقول رينتز إن هناك بعض الحلول الدقيقة لمعادلات آينشتاين، تتوافق بسلاسة، حيث لا توجد قوى المد والجزر إلى ما لا نهاية، مشيرا إلى أن المرور عبر الأفق سيكون مؤلما لكنه موجزا، وبعد ذلك كل الرهانات متاحة، وفي بعض الثقوب السوداء يمكن تجنب التفرد المركزي تماما والعيش إلى الأبد في عالم غير معروف.

شكرا للتعليق على الموضوع