حكايات فى الفن : مسرحية المكان في عروض فرقة مسرح الثعبان

يشكل المكان المسرحي احد الركائز المهمة في خلق الفضاء والبيئة المسرحية الذي يعتمد وجود العرض المسرحي عليه ، اذ لا وجود للمسرح بدون وجود مكان حاوي له وللجمهور الذي يشاهده  ويتشكل فضاء العرض المسرحي ، ومن الممكن ان يقسم المكان بشكل اساس الى خشبة المسرح التي يبنى عليها فضاء العرض ويؤدي الممثلون عليه ادوارهم ، ومكان الجمهور الذين يشاهدون العرض ، والمتتبع لمراحل تطور خشبة المسرح يجد انها قد مرت بعدة مراحل  الى ان اصبحا على ما هي عليه الان ، فمنذ نشأة المسرح والتي يجمع الباحثون على انها كانت على يد الاغريق واهمهم  ( اسخلوس ، سوفوكليس ، يوربيدس ، ارستو فانيس ) والرومان ( بلاوتس ، تيرانس ، سينيكا ) حيث كانت المسارح مفتوحة اي مسرح الهواء الطلق وكانت تجربة الممثل الاول “ثسبس” الذي اخذ يقدم عروضه على عربة متنقلا بين قرية واخرى هو سمة للمسرح الجوال ذو التعدد المكاني ، بعدها بمراحل زمنية في العصور الوسطى وسيطرة الكنيسة على كل مرافق الحياة أصبحت العروض تقدم داخل الكنيسة مقتصرتا على العرض الديني فقط .

 بعدها انتقل العرض الى باحات الكنيسة وساحاتها واصبت العروض اكثر تحررا لكنها لم تخرج عن رقابة الكنيسة ، ثم في فترة لاحقة وتطور الحياة خصوصا في العصر الايزابيثي وبفعل الثورة الصناعية ظهر “مسرح العلبة” الايطالي وهو المعتمد في تقديم العروض المسرحية بشكل اساس وحتى اكثر العروض في عصرنا .

 وبظهور التجارب المسرحية الحديثة وبعد شيوع التنظير المسرحي بشكل اوسع  من السابق أخذ المخرجين والمنظرين المسرحيين يبتكرون طرق جديدة للتعامل مع العرض المسرحي بمختلف ادواته ومنها المكان المسرحي ، ومن هؤلاء المخرجين  “انتونين ارتو” ومسرحه الذي اسماه مسرح القسوة ، وكروتوفسكي ومسرحه الفقير ، فقد تعاملا مع العرض على اساس طقسي في العودة الى الانثروبولوجيا وحياة الانسان قبل ان تشوهه سرعة الحياة والتطور التكنولوجي ، لذا اعتمد ارتو على الصراخ والقسوة الفكرية في تصوير المجتمع كذلك كروتوفسكي الذي اعتمد على التقشف التقني معتمدا على الممثل يشكل اساس في تصوير الفضاء .

 لكنهم لم يخرجوا في تجاربهم عن قيود مسرح العلبة رغم محاولاتهم اشراك الجمهور في العرض المسرحي ،  اما بيتر بروك فقد حاول في تجاربه ان يخرج عن مسرح العلبة في وصفه للمسرح بأنه اي مكان يوجد فيه شخص ويؤدي حركة او يأتي ذهابا وايابا فيما يتابعه شخص اخر فهذا هو المسرح ومن اهم تجارب بروك هي عرضه (المهابهارتا) المستوحى من ملحمة هندية .

 اما ريتشارد شيشنر ومسرحه البيئي فقد عمد الى مسرحة المكان والبحث عن اماكن جديدة لم بنقب عليها في عروض سابقة ، وتحويل بيئة المكان وجعلها مناسبة للعرض بحيث تستوعب المتفرجين المشاركين في العرض لذا جعل بيئة المكان جزء لا يتجزأ من بيئة العرض المسرحي ، فالحدث المسرحي يمكن ان يقع في اي مكان متحول اي مصنوع  او مكان موجود بالفعل يتم تطويعه ليستوعب العرض المسرحي ، لذا اصبح المكان المسرحي اكثر مرونة من قبل في الية تغييره والتحكم به بما يتلائم مع الخطاب الفكري والجمالي المطروح .

اقترب شيشنر بشكل كبير مع عروض فرقة مسرحة الثعبان وتعملها مع المكان المسرحي او مسرحة المكان التي هي عملية تطويع المكان وتغيير ما يلزم تغييره فيه لينسجم مع متطلبات العرض  ، وعمدت الفرقة المسرحية الأمريكية ( فرقة مسرح الثعبان ) على مداعبة فكر المتفرج، من خلال تقديم عروضهم في أماكن جديدة لم تدشن مسرحياً، إذ ” قدمت عروض هذا المسرح في أماكن طبيعية حيث يتم تقديم قصص عادية في أسلوب غير عادي ، يتمثل بعدم قيام الممثلين بالنطق وبدلاً من ذلك تسمع حواراتهم من خلال شريط مسجل أو ينطقها ممثلون بعيدون عن مكان العرض “

  إذ خرجت هذه الفرقة في عروضها المسرحية عن الأماكن التقليدية باحثة عن أماكن جديدة ، فقدموا عدة عروض مسرحية منها مسرحية ” (الإلة) أو (أوتو) عام 1979  تمزج فرقة مسرح الثعبان بين بيئة حقيقية وأحداث متخيلة ، وقدمت هذه المسرحية في محطة وقود مهجورة للسيارات ، فجلس النظارة وظهورهم الى الشارع الرئيسي مواجهين لمضخات الوقود ومباني المحطة ، وتدور المسرحية حول مهندس وعائلته الذين تواجههم مشكلة في سيارتهم بعد أن خرجوا بها لتوهم في رحلة ويسحبون السيارة إلى محطة الوقود حيث يعرفون أن سيارتهم قد ماتت بسبب الإهمال فيقام احتفال جنائزي “

فرغم بداية المسرحية التي تبدو كأنها قصة واقعية ، إلا أن استمرار الأحداث يكشف عن فنطازيا هذه الفكرة، من خلال السلوك الذي تتشارك به الشخصيات كما حدث في ( موت السيارة ) ، وكذلك مكان العرض الذي يتحدد بفكرة العرض المسرحي ، كي يكون المكان مناسباً للأحداث المعروضة ، وقد دارت مسرحياتهم إضافة إلى عرض الأسرة التي تتعطل سيارتها بمحطة الوقود” كذلك دارت مسرحياتهم حول فتاة نادلة في مقهى تعمل طوال الليل ، وحول بحار والفتاة التي هجرها.. ويرتدي المؤدون أقنعة بارزة الملامح والقسمات ، ويستخدمون مهمات مسرحية مصممة    بعناية فائقة ، وعرائس ورسومات وشخوصاً من كل الأحجام يشغلها أحيانا من الداخل    مؤدون ( لاعبون ) ويعد مسرحهم تجربة بصرية وليس تجربة نفسية ، تعبر الاقنعة عن الشخصية مباشرة فتساعد على التركيز على العناصر البصرية وليس على الاحتياجات الداخلية    للشخصية “

إذ لم يكن هم هذه الفرقة وأعضاؤها تقديم مشاكل اجتماعية أو سياسية ، قدر اهتمامها بتقديم المتعة البصرية إلى الجمهور من خلال المكان الممسرح الذي تقدم فيه عروضاً كمحطة وقود أو حانة ، إذ تلغى الحواجز بين المتلقي والعرض المسرحي فيكون المتفرج جزءاً من هذه السينوغرافيا المشكلة لفضاء العرض المسرحي .

بشار الاعرجي - العراق
بشار الاعرجي – العراق

شكرا للتعليق على الموضوع