رضا عبد السلام يكتب : هل هي نهاية تركيا؟!

جدل كبير، وترقب أكبر من الكثيرين لما يحدث في تركيا هذه الأيام، بسبب هبوط سعر صرف الليرة التركية…فهل تسقط تركيا بتراجع سعر صرف الليرة؟!

وما هي الأسباب والاثار، خاصة وان تركيا هي واحدة من اكبر ٢٥ اقتصاد في العالم، والخلل فيها يؤثر (بل أثر بالفعل خلال الأيام الماضية) حتما في الاقتصاد وأسواق المال العالمية.

هنا اسمحوا لي بأن أعرض هنا لرؤية اقتصادية متخصصة ومتجردة وبعيدة تماما عن أي تجاذبات أو انتماءات…توكلنا على الله؟!

إن آجلا او عاجلا ستتصالح المصالح، وسيعود الود بين امريكا وتركيا، لأننا تعلمنا أن العلاقات الدولية لا يحكمها دين او قيم او مباديء، كتلك التي ندرسها لطلابنا في الجامعات وعلى الورق، ولكن تحكمها “المصلحة” ولا شيء سوى المصلحة.

في عام ٢٠٠٠ اي منذ نحو ١٨عام، شهدت الليرة التركية أسوأ انهيار لها في تاريخها…الا انه منذ عام ٢٠٠٢، أي منذ نحو ١٦ عام وبعد ان تولى اردوغان رئاسة الحكومة ، نجح في وضع تركيا على الخارطة العالمية من جديد وصار هناك اقتصاد تركي وصناعة تركية وصادرات تركية وسياحة تركية، بل وحتى مسلسلات وافلام تركية.

ولكن التراجع الكبير الذي شهدته الليرة مؤخرا امام باقي العملات، وعلى رأسها الدولار فسببه السياسة، ولا شيء غير السياسة، وبالطبع غرور اردوغان.

خرج اردوغان من محاولة الانقلاب الاخيرة كما الثور الهائج، وبدأ يفتش عن من وقفوا وراء الانقلاب ويتجسس ويطرد، ومن بين من قفشهم اردوغان قِس أمريكي، وهو سر تصاعد الأزمة مع تركيا.

بالطبع لو فتشت وراء اي مصيبة في هذا العالم حتما ستجد امريكا خلفها…من هنا تصاعد التوتر بين أمريكا وتركيا، وقرر ترامب اعلان حرب تجارية واقتصادية مع تركيا، من خلال وقف استيراد سلع حيوية من تركيا وكذلك الاستثمارات…الخ.

بالتبعية، قرر اردوغان وقف استيراد المنتجات والمهمة من أمريكا، حتى الآي فون!!!

طبيعي ان تؤدي تلك الحالة من التوتر الى خلق حالة من الهلع وعدم اليقين في تركيا، وهو ما أدى الى سيادة الهلع والرعب وبالتالي تراجع حاد في مؤشرات البورصة التركية وفِي تدفق الاستثمارات بل والسياحة، ونحن الان في موسم…

وبالتالي كان طبيعيا ان تفقد الليرة التركية ما فقدته من قيمة امام العملات خلال الأيام الماضية.

والحقيقة ان انخفاض سعر صرف الليرة التركية ليس كله شر…انخفاض الليرة التركية سيشجع زيادة الصادرات من تركيا الى الاسواق الاخرى…اي ستتضاعف الصادرات التركية..

فبعد ان كان المستورد الياباني – مثلا – يضحي ب٢ ين ياباني في مقابل ١ ليرة للحصول على قميص تركي، بعد انخفاض قيمة الليرة سيمكنه بذات ال٢ ين استيراد قميصين من تركيا…وهكذا.

بالطبع، فارق كبير بين تركيا وبين مصر عند انخفاض العملة…فتركيا أصبحت تتمتع بقدرات إنتاجية وتصديرية عالية، ولهذا فان نزول سعر صرف عملتهم لَيْس شرا محضا بل ستزيد صادراتهم وستُقل وارداتهم، وبالتالي سيحدث انخفاض سريع في عجز الميزان التجاري التركي.

ولكن الوضع في مصر مختلف..فرغم انخفاض سعر صرف الجنيه امام الدولار من دولار لكل ٨جنيه عام ٢٠١٦ الى دولار لكل ١٨ جنيه !!! ورغم مضي اكثر من عامين منذ بدء التعويم، لم تنتفض صادراتنا كما كنّا نحلم، لأننا بعد عقود الخراب، ورثنا وطنا منهارا حتى على صعيد سلع استراتيجية كالقطن والمنسوجات…دي حاجات نسميها ألف باء اقتصاد.

نعود لتركيا ولليرة، مشكلة تركيا الكبرى حاليا هي في الدين العام المقوم بالدولار، والبالغ نحو ٤٧٠مليار دولار اي نحو ٥٢ ٪ من الناتج المحلي التركي .

بعد حالة الهلع وتراجع الاستثمارات وتراجع قيمة الليرة باتت تكلفة خدمة وسداد الديون مضاعفة، وقد تضطر تركيا الارتماء في احضان صندوق النقد الدولي من جديد، ومؤكد ان هذا هو ما تحلم به أمريكا !!

ونظرًا لأن الأزمة هي أزمة سياسية في المقام الاول، تبارى كارهي سياسات ترامب لدعم تركيا…فها هي الصين تعلن رسميا دعمها لتركيا ودعم عملتها، وكذلك فعلت إمارة قطر عندما أعلن اميرها عن ضخ ١٥ مليار درلار استثمارات في تركيا لدعم الليرة…كذلك فعلت ألمانيا وإسبانيا وغيرهم!!!

اذا، إن آجلا او عاجلا ستخرج تركيا من ازمتها، خاصة وان اقتصادها يرتكز على أسس إنتاجية وصناعية قوية، كما انه ليس هناك ثوابت في عالم السياسة كما ذكرت، وتذكروا كلامي هذا “، وربما بعد ايام نرى اردوغان وترامب يتبادلان القبلات!!

أهم درس يمكن ان نخرج به من تلك الأزمة هو عدم الإفراط في الاقتراض والمديونية الخارجية، والدرس الأهم هو ان البنية الإنتاجية والصناعية القوية الراسخة هي صِمَام الأمان ورمانة الميزان التي تحمي أي اقتصاد من اي أزمة مالية او نقدية طارئة…دمتم بألف خير.

بقلم ا . د : رضا عبد السلام محافظ الشرقيه السابق

اقرأ للكاتب

رضا عبد السلام يكتب : كلمة السر…العدل!!

شكرا للتعليق على الموضوع