العشماوي ل”التلغراف”:أنا أسوأ من يتحدث عن رواياته في الندوات

ضد حبس أي كاتب أو مصادرة كتاب وسأقف في صف المبدعين دائمًا..

اجرى الحوار : وفاء شهاب الدين

أشرف العشماوي لم يعد يحتاج لتقديم فهو روائي وحكاء من عيار ثقيل لمع منذ سنوات وتوهج حتى صار نجما في عالم الرواية، له قاعدة كبيرة من جمهور القراء الذين ينتظرون رواياته بشغف كل عام او اثنين .

عن الحياة والنقد الأدبي والكتابة والسيناريو والدارما والوسط الثقافي المصري حدثنا العشماوي بصراحة كعادته وبدون حسابات الدبلوماسية او اعتبارات المجاملة التي تحفظ له مكانة بين اقرانه قال ما يريد دون مواربة وبعبارات لا تحتمل التأويل والتفسير فكان لنا معه هذا الحوار الذي غلبت فيه الصراحة على كل اجاباته .

بداية أريد ان أعرف منك احساسك ببدء الكتابة في سن كبيرة وليس شابا ثم النشر على مشارف الاربعين من عمرك هل ضايقك الوصول متاخرا؟

ان اصل متاخرا افضل من عدم الوصول هكذا يقول المثل الانجليزي، الحقيقة ان الامر لم يشغلني يوما ، كتبت في الثانية والثلاثين من عمري ونشرت بعدها بعشر سنوات تقريبا ، هذا قدري انا شخص قدري وكسول نوعا ما انتظر ان تاتي الفرصة مرات ومرات ثم اختار منها ما يناسبني ووقتها انشط وامسك بها ربما ايضا لانني لم اخطط ابدا كي اكون كاتبا الامر مجرد خواطر وقصص بوليسية كتبتها وانا صغير على اوراق الكراسات وقرأها والد احد اصدقائي الدكتور محمد الجارحي بكلية العلوم وطلب مني الاستمرار لكني لم افعل وفضلت يومها لعب الكرة بدلا من الكتابة، كنت صبيا لا اخطط لشئ ، ثم انغمست في رياضة تنس الطاولة وحصلت فيها على بطولات كثيرة ثم عدت للقراءة التي احبها اكثر من اي شئ اخر وفي اثناء عملي بالنيابة بدأت اكتب قصصا قصيرة فاشلة ثم رواية واخرى واستمر الحال سرا حتى نشرت مع المصرية اللبنانية اول عمل لي ولازلت معهم ، وقامت ثورة يناير وكتبت بعدها ثلاث روايات حتى الان في ثماني سنوات لا اعرف لو عاد بي الزمن هل كنت ساتدخل لتغيير المسار ،لا اظن فأنا راض عن مسيرتي وحياتي ومحظوظ بمن حولي وبناشري وبأصدقائي ولست نادما على شئ والحمد لله .

  قرأت لك تصريح مؤخرا ان مصر صارت بلا نقاد ولا يوجد نقد ادبي حقيقي فهل ترى انك تبالغ للفت الانظار ام تلك حقيقة فعلا؟

لم اقل ذلك في تصريح انما في اطار سخرية بصفحة احد الاصدقاء ، انا لا اريد لفت الانظار ولا احتاج لذلك ولم افعله ابدا، وبالنسبة لجيلي انا محظوظ فقد كتب عنى نقاد كبار مثل جابر عصفور ذما ومدحا في اكثر من سبعة مقالات ،والدكتور العالم الكبير صلاح فضل وكتب عني اربعة مقالات ونشر عني فصلا في كتابه الاخير عن تقنيات السرد الروائي والفني والدكتورة نانسي ابراهيم استاذة النقد الادبي بالجامعة كتبت مقالتين متميزتين عني ايضا واجازت روايات لي للتدريس بكلية الاداب، وهناك رسائل دكتوراه وماجستير عن اعمالي الروائية ومن بينها جامعة الازهر وهذا امر اسعدني جدا جدا، وكتب عني مقالات ووقف بجانبي وتحمس لي روائيون كبار مثل ابراهيم عبد المجيد ومكاوي سعيد رحمه الله والدكتور علاء الاسواني ويوسف زيدان والكاتب الصحفي انيس منصور وعمنا الكبير خيري شلبي وغيرهم لا اريد ان انسى احدا ، وبالتالي انا لا اشكو من تجاهل النقاد لاعمالي، انا فعلا محظوظ ولا ينقصني اي اهتمام، لكني قصدت ان النقاد الحقيقيون في مصر لا يتعدون اصابع اليد الواحدة لدينا الاساتذة الكبار خيري دومة وحسين حمودة ومحمد الشحات ولدينا الكاتب الصحفي ايهاب الملاح والدكتورمحمود الضبع واخرين بالطبع، لكنهم لا يكتبون بانتظام وبالتالي فالحركة النقدية التي يمكن ان تكون بوصلة للقراء ضعيفة او قليلة وهذا كان مقصدي تحديدا ، من حق كل كاتب ان يكون هناك احتفاء بروايته الجديدة من خلال عرض لروايته او كتابه الجديد وهذا دور المحرر الثقافي وبعدها ينتقي الناقد ما يروق له ويكتب عنه، لا يصح ان نطلب من ناقد القراءة ولا يصح ان نستجدي منه مقالا نقديا ولو بالسلب، لكن لا يصح ايضا ان يتحول الناقد الى شتام وهذا للاسف يحدث احيانا وهو ما يثير دهشتي قبل غضبي ، فاذا ما كانت الرواية لم تعجبك فلماذا تهجو صاحبها ؟ هذا أمر يحتاج لطبيب نفسي في تقديري وهذا ما قصدته من سخريتي وبالطبع لا علاقة له بما ذكرتهم هنا من اسماء لها كل تقدير واحترام .

هل انت ممن يؤمنون بالمشروع الادبي ؟

اظن اننا استهلكنا هذه العبارة واستخدمناها في غير موضعها كثيرا ، وفي رايي هي عبارة خاصة بالنقاد لا يصح ان يقولها كاتب على نفسه، فأنا مثلا لم اجلس على مكتبي منذ عشرين عاما لاقول هذا مشروعي وسوف اكتب كذا وكذا ، هذا هراء، المشروع يتكون على مراحل وخبرات تتراكم وتطور اسلوب الكتابة يغير المسار وتنوع الكاتب قد يفهم على انه خروج عن المشروع، انا افضل ان اكتب ما احبه واترك للقارئ المتعة وللناقد التذوق والتحليل والشرح انا مؤمن بالتخصص وهذا المثلث هو المحصلة لأي كاتب حقيقي .

لماذا لا تحب الحديث عن رواياتك في الندوات فقلما تحكي ما تدور عنه الرواية هل ترى ان الكاتب لا يجيد هذه الموهبة ؟

انا شخصيا اسوأ من يتحدث عن رواياته لا اعرف كيف احكيها ولا افهم ان اجلس في ندوة لاحكي روايتي لكن غيري يحب ذلك ويجيده ، انا اكتب فقط يمكنني التحدث لساعات عنها وحولها وكواليس كتاباتها لكن حكي قصتها وحبكتها لا اعرفه ولا اتفهمه ما فائدة الكتابة اذا كنت ساروي لك في دقائق مضمون الكتاب . الرواية التي تحكى بسهولة هي رواية اقرب لمقال او قصة قصيرة وليست فنا خالصا هذا رأيي.

هل تعود في روايتك القادمة للكتابة التاريخية مثلما فعلت في كلاب الراعي وتذكرة وحيدة للقاهرة ام ستختار قصة حقيقية وتبني عليها مثلما فعلت في سيدة الزمالك التي قامت على مقتل شيكوريل؟

لا احب الحديث عن عمل لم يكتمل اشعر بانه مثل جنين غير مكتمل النمو وقد يتغير شكله عما اقوله عنه، لا يصح الكلام عنه قبل ظهوره للنور حتى يولد صحيحا ، قد اعود للكتابة التاريخية وقد انشر رواية معاصرة كتبتها منذ سنوات ولم تنشر ابدا لا اعرف حتى الان لكني اكتب حاليا في رواية جديدة منذ شهور عن ادب الجريمة وفقا لمفهومي عن هذا اللون من الادب لا وفقا للسائد او المتعارف عليه.

كيف ترى مصادرة كتاب وحبس كاتب وانت قاض في المقام الاول وكاتب روائي قد يتعرض لذات الامر ؟

اراه كارثيا بكل المقاييس ، من كتب اجتهد فاذا اخطأ فلنرد عليه بكتاب ونكذب ادعاءاته ونفند اسانيده او نتجاهله اما الحبس والمصادرة فلا اظن انها صالحة في عام 2018 ، الخطور ان الدولة عندما تحبس كاتبا تشجع اصحاب الفكر المتطرف للتطاول عليه والنيل منه انا ضد هذه الاجراءات ككاتب اما عملي فلا علاقة له حاليا بهذه القضايا واذا ما عرضت علي هذه القضية ساتنحى عن نظرها استشعارا للحرج فأنا بالتاكيد ساكون في صف اي كاتب يتعرض للمنع من الكتابة. وبالتالي لن اكون محايدا والحياد اولى صفات القاضي.

 قلت من قبل انه لا توجد محاذير بالنسبة لعملك الحالي بمحكمة الجنايات ومهنتك كروائي في الوقت ذاته فهل يمكن ان نرى رواية تتعرض للقضاء من الكواليس مثلا ؟

اذا كان توفيق الحكيم فعلها منذ ثمانين عاما بيوميات نائب في الارياف وانتجت فيلما منذ خمسين عاما فهل يمكن ان يتصور انها ممنوعة اليوم ، المهم ماذا تقول وكيف تقوله وتقدمه للقارئ وان يكون لدي ما يستحق ان يروى فعلا .

يقول يحيي حقي أن الحكي ارقى انواع الادب الى اي مدى تؤمن بهذه المقولة؟

الى اقصى مدى بالطبع، انا لا املك الا الحكي ، دعني اقول بصراحة ان كل روائي له نقاط قوة ونقاط ضعف وانا اعرف ذلك جيدا واستوعبه واعمل على تطويره قدر الممكن لكن في النهاية هي موهبة وقدرة وما افعله بسهولة قد يراه غيري عبقريا والعكس صحيح هناك من يملكون ناصية اللغة الشعرية وهناك من يجيد التجريب وهناك من يبدع فى الفانتازيا والواقعية السحرية وهناك من يملك الحبكة والدهشة وبعضنا لديه لغة سلسة ومضمون قوي وفي ذات الوقت لا يشعر القارئ بالملل ابدا رغم كلاسيكية البناء وهناك كتاب اثارة فقط او ادب جريمة عادي وهكذا ، كل منا لديه ما يقوله بطريقته وعلى كل منا ان يلعب فى منطقته لصالح القارئ بلا فلسفة فارغة او مغامرات غير محسوبة بدقة . غامر لكن بحساب واعلم اولا اين تضع قدمك قبل ان تخطو خطوة واحدة ناحية التجريب لأن البعض فعلها وخرجت الكتابة مهلهلة وفارغة واقرب لحواديت خيالية تافهة. او شديدة البطئ وتبعث على الملل . الفن غرضه المتعة والتسلية ووسيلته الدهشة والحبكة القوية والتشويق، وبعدها تأتي اشياء كثيرة  يهتم بها النقاد ، هذا رايي الشخصي كقارئ وكاتب

يقول نجيب محفوظ انا مسئول عن الرواية اما الفيلم فمسئولية مخرجه وكاتب السيناريو مع انه كتب سيناريوهات لافلام كثيرة الى اي مدى تتفق او تختلف مع اديب نوبل؟

اتفق تماما انا لم اكتب سيناريو يوما ما ولا اعرف كيف يكتب عمليا معرفتي كلها نظرية من خلال القراءة والاطلاع والاصدقاء انا رواياتي التي تحولت الى دراما لم اتدخل في السيناريو مطلقا ولم ابد اي اعتراض هذا ليس تخصصي ولا افهم فيه كثيرا انا مسئول عن روايتي فقط لكن مهم اقول ان محفوظ كتب سيناريوهات لاعمال غيره ولم يكتب اعماله ابدا وهو ذكي في تقديري ذكاء شديدا .

وصلت تويا للبوكر وحصدت البارمان جائزة افضل رواية عربية من هيئة الكتاب بعدها بعامين ثم ابتعدت عنك الجوائز فهل ترى ذلك تراجعا في كتاباتك ام انها صارت جماهيرية اكثر ؟

لو على الجماهيرية فتويا والبارمان هما الاكثر مبيعا بين كل رواياتي حتى الان رغم مرور سنوات كثيرة على صدروهما، انا اكتب ما اريد في الوقت الذي اريده ولا اكتب بناء على ما يطلبه المستمعون ولا احد يطلب مني ان افعل ذلك ، اما الجوائز فانا لي رأي فيها انا اسعد جدا بالحصول على جائزة او تكريم في حياتي هذا امر جميل ومبهج ودافع قوي ومحفز للمزيد من الابداع لكن الامر يتوقف على ذائقة لجنة التحكيم وانا لو كنت في لجنة ساحكم بذائقتي الخاصة واستبعد ما لا يعجبني هذا امر انا اتفهمه واحترمه لذا لا احزن في حالة الخسارة ، انا تقدمت للبوكر بكلاب الراعي وتذكرة وحيدة للقاهرة ولم يحالفني الحظ ووصلت رواية في بيت العنكبوت لمحمد عبد النبي وهي رواية مدهشة واسلوبها السردي بديع وعبد النبي كاتب حقيقي ومبدع اصيل وفرحت له لانها تستحق الوصول، ووصل اشرف الخمايسي بروايتين للبوكر مرتان وهو يستحق لا شك، ووصل حمور زيادة بشوق الدرويش وفي تقديري انه كان يستحق الفوز بجائزة البوكر لا قائمتها القصيرة فقط ، الامر متوقف على اللجنة في كل الاحوال وعلينا تقبل النتائج دون اهالة التراب على لجان التحكيم في حالة خسارتنا .

البعض يمصر روايات وافلام اجنبية والبعض يقتبس من روايات وافلام ما الحد الفاصل الذي يمكن ان نقول عنده ان الكاتب سارق خاصة وان هناك زوبعة اثيرت مؤخرا على رواية حدث في برلين؟

التمصير في الروايات والسينما لا بأس به اذا قال الكاتب المصدر الذي تناوله بالتمصير ، اما الاقتباس فهو يعني في رايي فكرة العمل لكن طريقة التناول يجب ان تكون مختلفة ربما هذه امور تصلح في السينما والدراما اكثر من الادب انا افضل الادب الابداعي الخالص ابن الخيال اكون انا الاول انا من يقتبسون مني وعني هذا رأيي، اما رواية حدث في برلين وما حدث لكاتبها فهذه ليست زوبعة ولا نقدا وهشام لم يقتبس وابدع في هذه الرواية عمل فني جدير بالتقدير والقراءة ،لكن هذا الذي حدث له في رأيي “قلة أدب” وتطاول غير مقبول وكلام فارغ ، لكني مع هشام الخشن بأن لا يرد على مثل هذا الهراء ، من كتب مقالا بائسا أنها مقتبسة عن فيلم الكمان الاحمر انا اجزم انه لم ير الفيلم وربما لم يقرأ الرواية اصلا، انا شاهدت الفيلم وقرأت الرواية ولا يوجد اي اقتباس او نقل او اي شئ مما قيل لكنها ثقافة الببغاوات المنتشرة على السويشايل ميديا، احدهم يقول والقطيع يردد خلفه ولا احد يتوقف لحظة ليسأل نفسه ما هذا الهراء الذي يكتبه!!

بصراحة هل عبارة الاكثر مبيعا لا تزال تطربك؟

طبعا تطربني، لكنها لا تعني الافضلية ، انا في تقديري ارى انها تعني بوضوح الاكثر توزيعا تعني الاقبال على العمل الاهتمام به لكن الافضل ليس بالضرورة الاكثر مبيعا لكي يكون الامر واضحا لدى الجميع. وهناك روايات افضل من رواياتي ولا تبيع مثلي.

ماذا تقرأ هذه الايام ؟

انتهيت من رواية رائعة بديعة اسمها الجمال جُرح لكاتب اندونيسي من ترجمة احمد شافعي وهي ترجمة تستحق جائزة ابداعية بجانب العمل الروائي وانتهيت من رواية الزوجة المكسيكية وهي بديعة كبناء ولغة واسلوب وفكرة وحاليا اقرأ رواية اسمها احلام شمس والبدايات طيبة جدا لكني لم انته منها بعد .

هل يمكنك قراءة روايات اثناء الكتابة الروائية ؟

احيانا استطيع واذا وجدتني مشتتا اقرأ شعرا لأن الشعر يحسن من اسلوبي في الكتابة الروائية ومؤخرا قرأت كتب الشاعر احمد الشهاوي واسفت جدا انني تأخرت في قراءة اعماله البديعة . بصراحة مدهشة

مَن مِن الكتاب الرجال الذين تصدر لهم رواية فتحرص على قراءتها فورا؟

كتير بصراحة أحب كتاباتهم ولازم أتابعها فور صدورها واقراا لكاتبات ايضا وعندنا كاتبات مبدعات .. لكن من غير ترتيب أقرأ لهشام الخشن وعمرو العادلي واشرف الخمايسي وعلاء الاسواني وابراهيم عبد المجيد والمنسي قنديل ومحمد المخزنجي وحسن كمال واحمد القرملاوي والكاتب العراقي علي بدر والكويتي سعود السنعوسي والقطري عبد العزيز ال محجوب ومحمد الفخراني ومحمد عبد النبي وطارق امام ومصطفى نصر.. انا للاسف ذاكرتي سيئة في الاسماء ولابد انني اقرا لغيرهم ولا اتذكر الان باقي الاسماء فعذرا لهم .

متى تفكر في اعتزال الكتابة او تقول هذا يكفي وأريد العيش في هدوء؟

عندما اموت فالكتابة في رايي فعل حياة .

شكرا للتعليق على الموضوع