يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

استيقظت فى موعدها المعتاد …. كانت تتردد فى ذهنها كلمات والحان أغنية لأنغام …. كانت تستمع لها على نحو متكرر فى الأيام السابقة … تستمع لها وهى ترتدى ملابسها استعدادا للذهاب الى العمل … وهى تقود سيارتها …. وهى جالسة وحدها فى مكتبها …. حتى قبل ان تغفو ورأسها مستند على وسادتها …. 
فكان أمراً طبيعياً إذن ، ان تصحو معها تلك الاغنية وتلازمها مع بداية يومها …
ولكن ما الذى دعاها الى الاستماع لتلك الاغنية بالأخص ، بهذا الشكل المفتعل !!!
ربما كان عنوانها “انا سانده عليك” هو ما استفزها على هذا النحو وربما كانت الكلمات ….

“في جوه في قلبي مكان مافتحتوش يوم غير ليك
وحاجات حصلتلي معاك ومحصلتليش قبليك
مبقتش بخاف ولا عامله حبيبي لبكره حساب
وان خفت في لحظة بيبقى الخوف يا حبيبي عليك”
انا ساندة عليك لو يوم الدنيا بتيجي عليا انا بتحامى فيك
وفى عز البرد بلاقي دفايا في حضن عينيك
انا سانده عليك ده ساعات يا حبيبي انا ببقى لوحدي
وبحتاج ليك قبل ما بندهلك بفتح عيني قصادي الاقيك”

كلمات مرعبة … مخيفة …. كانت كلما استمعت لها وهمست بها لنفسها ، تسارعت دقات قلبها ، وارتعشت يداها ، واختنق الهواء داخلها
قد تبدو للجميع كلمات رومانسية حالمة ….
اما هى فلم يكن هذا هو شعورها تجاه تلك الكلمات بل كانت الخطر بعينه والمحذور !!!!
بداية من “انا سانده عليك”
اليست تلك العبارة فى مضمونها مجازفة كبيرة …. ان تستند على احدهم … ان تأمن له …. خصوصاً وان كنت شخصاً قوياً قد اعتاد طوال سنوات عمره ان يعتمد كلياً على نفسه ويستند عليها …. عليها وحدها … فكيف يستند على شخص آخر …
وكأنه اتخذ قراراً بالتخلي عّن مأمنه والرحيل خارج أسوار حصونه … وكأنه اختار ان يحمل كفنه على يديه ليسلمه لغيره ……

مروراً ب ” مكان فى قلبى مفتحتوش غير ليك ” … اليست تلك مخاطرة اخرى …. ان يحتل شخص ما مكانة فى القلب لم يصل اليها غيره من البشر …
ماذا لو كان لا يستحق ، ماذا لو لم نحتل نحن نفس المكانة ، ماذا لو لم يقدر تلك المكانة ، ماذا لو خذلنا ، ماذا لو رحل عنا ، ماذا لو …. وماذا لو …
الا يكون هلاكنا حينها …. انكسارنا …. وجعنا … خيبتنا أمراً محتوماً ….

“وحاجات حصلتلي معاك ومحصلتليش قبليك”
اليست تلك اللحظات من العمر التى نتشاركها مع أحدهم ، ذكريات نختذلها لحظة بلحظة ، يوماً بعد يوم … عاماً وراء عام …. ماذا لو رحل عنا وترك لنا كل تلك الذكريات لتؤرقنا …. لتوبخنا …
لتكن كلمات عتابنا لانفسنا حينها ، كالسوط يسقط على جسدنا فتتجدد الجراح وكان جراحنا القديمة لا تكفى ولا تشفع لنا ….

“مبقتش بخاف ولا عامله حبيبي لبكره حساب
وان خفت في لحظة بيبقى الخوف يا حبيبي عليك”
الا يقولون “من خاف سلم” فكيف نجرد أنفسنا من الشعور بالخوف … أليس الخوف شعور يجعلنا نتوخى الحذر ونتحرك بروية دون تهور !!!
وكيف لا نحسب حساباً للغد …. كيف نقرر بتلك البساطة ان يكون اليوم … الحاضر … هو كل ما نتمناه ونرجوه ونعيشه وكأنه لا وجود لغد !!!!
بالرغم من ان الغد قادم قادم لا محالة … وما يحمل معه لنا فهذا فى علم الغيب … فكيف نتغافل عنه …
ولكن ما يجعل الامر اكثر خطورة ، هو اننا فى احسن الافتراضات وان تملكنا الخوف ، سنخاف على من نحب اكثر مما نخاف على أنفسنا ….
الهذا الحد يجردنا الحب من حب الذات ويسلبنا حقنا فى حماية أنفسنا والحفاظ على سلامتنا …
لتكن سلامة من نحب أولوية وأكثر أهمية !!!!

“انا ساندة عليك لو يوم الدنيا بتيجي عليا انا بتحامى فيك
وفى عز البرد بلاقي دفايا في حضن عينيك”
يا للمجازفة !!!!!! يا للمخاطرة !!!!! ان نصطفى شخصاً بعينه دون العالم اجمع كى نحتمى فيه ، كى نلجأ اليه ، كى نختبأ فى أحضان امانه الدافئة
كى نزرف دموعنا فى حضرته ، كى نسقط جميع أقنعتنا أمامه ، كى نتجرد من قوتنا وصلابتنا فى حضرته ….. ماذا لو أغلق أبوابه فى وجهنا يوماً !؟ ماذا إذن !؟ ستكون النهاية لنا … سيكون هلاكنا

انا سانده عليك ده ساعات يا حبيبي انا ببقى لوحدي
وبحتاج ليك قبل ما بندهلك بفتح عيني قصادي الاقيك”
الا نشعر بالاكتمال الا فى وجود من نحب ، كارثة !!! كارثة بكل المقاييس ….
ماذا لو رحل …. ماذا يحدث لنا حينها …
انصبح نصف شخص ، نصف جسد ، نصف روح ، نصف مشاعر ونعيش نصف حياة ….
اى اننا لسنا أحياء ولا أموات …. وكاننا اخترنا البرزخ سكناً دائماً لنا لا نفارقه …
فلا ذقنا نعيم جنة الوصال ولا أهلكتنا تماماً نار الفراق

دينا ابو الوفا
دينا ابو الوفا

اقرأ للكاتبة

يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

شكرا للتعليق على الموضوع