علي فريد يكتب : لمحاتٌ نُورانِيَّة مِنْ عَتْمَةِ الثَّانَوِيَّة

إِنَّ أعظمَ درسٍ يجبُ أنْ نتعلمَه كلما واجهْنا أمورًا سيئةً أنَّها وَاهِيَةٌ جدًّا، ونحنُ أقوياءُ جدًّا؛ لذلكَ نبقَى، وهي تزولُ.

أنت وأقرانُك في لُعْبَةٍ والبقية متفرجون، حين تفوزُ نصفقُ لك ونُشيدُ ببراعتِك، وربَّما لا يحالفُكَ التوفيقُ فيوبِّخُك البعضُ وَيَنْزَعُ عنك كِساءَ كلِّ فضيلةٍ ويُلْبِسُك رداءَ كلِّ نَقِيصَةٍ..!!

لا تبالِ لا تبالِ؛ فهؤلاءِ لا يدركونَ أن ما رُسِمَ لك ليس ما خُطَّ لغيرِك، وأن التفوقَ في الثانوية هو فرعٌ من المواهبِ بل قد يكونُ أدناها، وأنَّ جُلَّ أوائلِ الثانويةِ قد يتعثَّرونَ أو يَنعزلون في جُزُرِ العِلْمِ النَّظرِيِّ دونَ أنْ يكونَ لهم دَوْرٌ في حياةٍ أوْ أَثَرٌ في دُنيا! وأنَّ راسِبي الثانويةِ -في أعينِهم- قد يُصبحونَ قادةَ المستقبلِ وصانعيهِ بمحْبَرَةِ عبقريتِهم وريشةِ إبداعِهم وتحررِ نفوسهِم التوَّاقة.. والنماذجُ على ذلك كثيرة!

هم لا يدركون أنَّكَ صُنْعُ الله، وصُنْعُ الله لا يفشلُ إلا إذا خابَ ظَنُّه، فلا تَكُنْ سببَ فشلِك!

هم لا يدركونَ أنْ مفاتيحَ العطايا قدْ سِيقَتْ إلى أرْبابِها، فلكلٍّ منَّا بابٌ قدْ رُزق مِفتاحَه؛ فابحثْ عن بابكَ وكُفَّ عن البكاءِ أمامَ أبوابِ الآخرينَ.

لا تبالِ لا تبالِ؛ فلقد باتتْ أفواجُ النصرِ قريبةً وأصبحتْ قوافلُ الثَّناءِ على وشكِ القدُومِ؛ فكلُّ فشلٍ تغتنمُه درجةٌ في مِعراجِ الوصولِ إلى سماواتِ غَايَتِك.

كثيرونَ انطلقوا من مقاعدِ الخسارةِ على أقدامِ الحماسةِ والجِدِّ وكثيرونَ قَعدوا في مجالسِ الفوزِ تَراخوا حتى تصلبوا وأكلتهم أَرَضَةُ الفُتُورِ والغُرورِ!

قد يكون الإِخْفاقُ أعظمَ وَقودٍ لعربةِ مُستقبلِك؛ إذ يستنفِرُ جيوشَ همتِك ويَسِنُّ نُيوبَ طموحِك وَيَشْحَذُ فِيك غَيْرَتَك؛ فتمضي إلى هدفِك وقد مَزقتَ عوائقَه وصنعتَ من عقباتِهِ دِرْعا واقتطعتَ من حواجزِه سَيفًا وأوجدتَ من سدودِهِ ألفَ ألفَ مصباحٍ..

أنتمْ في مرحلةٍ أشبه بطريق كُتِبَ على أحدِكم أن يمشيَه مشيا وقُدِّرَ للآخرِ أن يقطعَه بدرّاجة، قد يَسْبِقُ الماشي صاحبَ الدرَّاجَة إذا أصَرَّ، إذا بذلَ قُصارى جَهدِه، إذا أعملَ فِكرَهُ وحرَّكَ فِطنتَه ليكتشِفَ مخابئَ الطريق فيقفَ على ثَغرةٍ تقودُهُ إلى خط النهايةِ من أقرب السُّبُلِ في أقلِّ زَمَنٍ، وحينَ يُحَقِّقُ ذلك فقد ضَمِنَ لنفسِهِ مَكْرُمَتَيْنِ: هو أولُ من اكتشف الثغرةَ فهنيئا له الخلود، وأول من رَبِحَ السباق

فَحُقَّ له أنْ يَفْخَرَ..

وما ذاك متوفرٌ لصاحبِ الدراجةِ الذي لا يستطيع أن يُديرَ وجهَهُ ذات اليمينِ ولا أنْ يَلتَفِت ذاتَ اليسارِ، هو مُكبَّلٌ بِإشاراتِ الطريق، إذا حاد عنه أهلكَ دراجتَه وإذا نَزَلَ عنها أَصَمَّتْهُ صافِراتُ الزَّجْرِ والاستهجانِ!!

الماشي حرٌّ طليقٌ وصاحبُ الدراجةِ مُقَيَّدٌ أسيرٌ!!

الماشي من يرميه المجتمعُ بسهامِ الازْدِراءِ لفشله وهو ليس بفاشل! وصاحب الدراجة من ينحني له المجتمعُ لتفوقِه وهو لم يُثبِتْ جدارتَه بعد!

ودعوني أطرح على مائدةِ عقولِكم سؤالا دَسِمًا أوْ قلْ سؤالَيْنِ: أينَ أوائلُ الثانوية في الأعوام الماضية؟! أيُّ الفريقينِ أفضلُ حالا: أوائلُ المجتمعِ أم الفشلةُ في نظره؟!

إنَّ الإجابةَ حتمًا سترفعُ غطاءَ المأساة التي ستصفعُ منطقَنا وتسفِّهُ أحْلامَنا؛ فأي فلاحٍ في تعليمٍ خرج من التصنيفِ العالميِّ؟! وأيُّ إشراقٍ يُطِلُّ من نوافذِ أوائلَ يقولون: لا تسألْنِي بعد الامتحان عنْ شيءٍ فإنِّي قد نسيت!!

هي ثقافةُ الحفظِ والنسيانِ! ذلك البلاء الذي يجبُ أنْ يندثرَ؛ فالحضاراتُ لا تقوم إلا على ظهر الإبداعِ! والإبداعُ -لو تعلمون- مطرودٌ من رحمةِ نظامِنا التعليمي!

أرأيت إن انحرفَ طالبٌ عن الإجابةِ وأرادَ أن يسبحَ بخيالِهِ قليلا ماذا سيحدث؟ إنها الطامةُ فلسوفَ تَتَعَرَّقُ يداه ويمطرُ جبينُه وترتجفُ أوصالُه ويتضرعُ إلى ربِّهِ خوفًا من مُصَحِّحٍ سيصدرُ قلمُه على إجابتِه حكما بالسجنِ المؤبَّدِ في سَلَّةِ “الهُراءِ”!

بربِّكم أليس هذا عبثًا؟!! كيفَ نَبْطِشُ بِأبْنائِنا باسمِ العبثِ؟!! ونقتلُهم باسمِ العبثِ؟!!

ابنِ إنسانا وإياك أن تهدمَه بمِعْوَلِ “درجةٍ”!

الإنسانُ -يا سادة- ما خُلِقَ إلا لِيُبْنَى ثُمَّ يَبْنِي، فإذا هُدِمَ كان قَذيفةَ هدمٍ لا ندري أينَ ومتى تنفجر!

ليسوا فشلة وليسوا متفوقين هم لم يُثْبِتوا ذواتَهم ولم يُلَوِّنوا أحلامَهم إلى الآن ونحنُ بانتظار أن نرى نقشَهم على صَخرَةِ الأيام.

شكرا للتعليق على الموضوع