خفقات فــي صــدري…”قصــة” الجزء الثالث

الجزء الثاني

تأليف :  نادية حلمي

وقع في الأذن الصوت كالهدير وأبحث عن المصدر ، من صاحب هذا النفير..

أريد أن أراه وأفاجأ بجسد ضئيل نحيل يجلس على عجلة القيادة وأكتشف أنه عطية السائق.. أتعجب لصوت بلا جسد يسترسل في الغناء ولا يتجاسر جاسرا يقول كفي صوتك مصدر للضيق.. مثيرا للغضب .. وعلى هذه الحالة ثلاثون دقيقة من الوقت يتصاعد فيها الآم رأسى حتى كدت أصرخ في الوجه كفاك .. أتوسل وأخشى نقد زملاء زوجي وزميلاته في العمل فاسجن في قلبي غضبى.. لا في تهوري يجدون مادة لقضاء يومهم ينقدون ويتسلون بى.. أصمت وأغلال فوق الفاة.. احكم متاريسها..

أدندن لا صرف الذهن عن ما لا يعجب النفس .. الآكل يأكل والفاه مفتوحة ومع الحديث والضحك الطعام من الفم يتناثر والضاحك يضحك بصوت يزعج الأموات قبل الأحياء والتدخين وأنفاس الهواء من الأفواه تنبثق وقد تكون بين طياتها أمراض.

أدندن بكلمات ليس لها صلة بالشعر والقواعد اللحنية .. فقط ابتعد بالنفس عن التوتر الطريق طويل والآم رأس تشتد بى.. أغمض مقلتي بالكاد الاسترخاء يساعد على النوم وبالنوم قد تخف وطأة الألم وكان مستحيلا بجواري موسيقى تطرق في الأذن كمطرقة حداد تعترض أنفاسي.

واسحق إعتراضها .. تثور وأبدد ثورتها..

الناس مسرورين بيومهم.. مالهم والآمى.. هذه مشكلتي وليست مشكلتهم وما دمت قبلت المبدأ.. فعلى تحمل متاعبهم.

تنحدر دمعة مشفقة بى متعاطفة وبالأهداب أبعثرها، وتنحدر أخرى خوفاً حين التهبت بالدمع الأجفان فأتناول مسكن آخر والأجفان معاندة في النوم وفجأة تتسدل الأهداب وتغدو غائرة في أعماق النوم.. أغفو وقت من الزمن ثم على قول زوجي.. القنطرة .. أستيقظ أتذكر سيناء أرض المعارك والانتصارات ثم أنظر للمكان ورهبة شديدة القدسية تعترينى أمام محراب من محارب الانتصار العظيم فأذهب بالقلب والوجدان من خلال القنطرة لسيناء طريق يحمل على صدره الخنادق ورمال تبدو حمراء اللون. فكل ذرة في الجسد مع الحدث العظيم تتفاعل .. توثب الخلايا متأثرة بالأحداث تصورت صورا كثيرة على أرض القتال .. دماء .. أهات .. صرخات .. أنين .. الآم.. جراح.. ارتجافات.. ظلام .. شجاعة .. تحدى .. حماس .. عطش .. أمنيات .. أحلام.. آمال.. أشواق .. حنين .. موت .. حياه..

أحداث وأحداث لم يشعرها سوى من عاشها على خط النار.. سيناء أسألك كم من أحلام سكنت صدرك .. وكم من آمال غدت بالدماء لأعماقك .. كم من آهات كم من صرخات.. كم من دمعات.. كم من حنين .. كم من أشواق.. كم من شهداء رقدوا.. كم للسلام قالوا نعم.. كم للموت استسلموا .. تألموا ولم يشعر بالألم سوى آلامهم.. كم استشهدوا من اجل الوطن وامتزجت دمائهم بالرمال من أجل الكرامة.. من أجل الأم والشيخ والصغير.. بالدم يا سيناء عاد للأم شموخها.. وفجأة تغدوا مخاوفي بالمستقبل البعيد.. أتصور صغاري شباباً يقاتلون في ظلام الليل الأسود.. وتحت الأقدام جثث ودماء .. أنتفض .. مستحيل.. مستحيل يحدث يوما وأفقد قلبي في حرب ما وأهذى هذيان المحموم .. كما لو للحرب راحلان في حينه.. يعتنق نفسي قلق .. والكبير في العاشرة والصغير في السادسة ولكن الصغير لا يبقى صغيرا ، وبما ما سيصبح شابا.. بواجب الوطن سيطالب .. وإذن ما هو الحل .. ما هو الحل.. الحل هو السلام.. أنا أم .. سأموت أن فقدت جزء من أعضائي وأغوص في بحر من المخاوف أعيش في منتقدات .. تارة فرح النصر .. يدفئ قلبي دفيء وتارة للمستقبل البعيد أقع وسط جبل من الثلوج تتجمد أطرافي.. رجفة تنفض شراييني.. تتبعثر أجزاء من جسدي.. كل جزء يصبح بعيد عن الآخر.. أتصور شهدائنا لحظة السبات الطويل.. ما ساورهم .. اشتياق للحبيبة.. للأم .. للابن .. للأب .. لأبنه .. للأخ.. للأخت .. أعجزت الروح اللاهثة بالموت عن التعبير..

.. ماذا ساوركم يا أسود مصر ؟ لحظة الصعود ماذا قالت الروح .. وعن ماذا عجزت عبرت أم لا تعبر .. عن ما بداخلها..

يا من رفعت علم مصر عاليا.. ذكراكم محفورة في القلوب.. مكتوبة في الأذهان.. وينادى صغيري .. مامى .. أعود لنفسي.. أتذكر إنهما صغيران بعد .. فتنفرج أسارير قلبي والنفس الضعيفة بصغارها أخاطبها .. من قال الأمومة قوة وتضحية.

أقول له أيضا الأمومة ضعف وأنانية.. وأستدير بوجهي بعيدا عن النافذة .. قد ألوذ هاربة من خوف أوقعتني فيه نفسي.. وقد أكف عن تجسيد الأحداث رؤية الدماء وجثث الشهداء متناثرة. قد تعود الخلايا الواثبة والمتفاعلة بأحداث أكتوبر هادئة يشعر زوجي بتوتري.. يسألني ماذا بكى.. وابتسامة كاذبة.. لا شيء .. فقط طرقه في الرأس ألهبت صراع رأسي.. استرخى قد يزول الألم وتستمتعين باليوم سأحاول بالكاد – النوم .. وأخاطب نفسي.. ألوذ من هذيان النفس هاربة وأغفو ثم استيقظ على عبارة الحمد لله وصلنا بسلام..

إذن السلام في حياة الإنسان شيء هام وعظيم ويتوقف عطية السائق صاحب الصوت المزعج أمام الجمرك عن السير.. نترجل جميعا وكل أسرة تأخذ طريقها للتجوال في شوارع المدينة.. امض بجوار زوجي وأطفالي وعيناي تراقب المدينة الباسلة صاحبة التاريخ المشرف في العدوان الثلاثي..

قليل فقليل.. ينصرف الذهن عما كان يقلقه بالمستقبل البعيد..

نتفقد المحال والأماكن.. أرى شوارع مكتظة بالوافدين.. أرى ملابس مستوردة جميلة زهيدة الثمن.. أدرك سبب توافد الناس على مدينة بورسعيد.. نسير كثيرا ونقوم بمشتريات أكثر حتى أدركني التعب وجسدي بدأ يطلب الراحة.. تورمت قدماي من السير الكثير إنما سعادة صغاري بما يتابعون من أشياء أسعدتهم.. جعلتني أتحمل متاعب السير يمضي الوقت وفي الخامسة نتوجه.. حيث الأتوبيسات للمرور على المنفذ قبل أن أتوجه لدورة المياه لأبلل وجهي بالماء كما ذكرت.. وقبلما يترامى صوتها لمسامعي.. من حركت وجداني.. يحدث هرج.. خارج الحمام.. أناس تهرول وأصوات تعلو كما لو من عاصفة هوجاء هبت.. اجتاحت في طريقها كل شيء.

صاعقة هبطت من السماء.. بأناس السوء غضب.. على الأرض أحدثت رعبا.. حرب نشبت ومن الحرب بعد لم تتنهد الصعداء ولكن الحرب استبعدها حيث لن يتجرأ متجاسرا على الدخول أرض المصريون عدوا ونحن منتصرون.

مستحيل أن يحدث ذلك وأترك الخارج لما يحدث في الخارج من ضجيج وأتأمل عامله دورة المياه كانت تعامل النساء تخرجهن من المكان بأسلوب مهين مرفوض ولدهشتي.. أتجمد أمام الموقف صماء بكماء يقيد الذهول لساني والدماء في العروق تتدفق متحفزة بالسؤال ما الذى أراه وقبلما ينطق لساني بالسؤال الثاني.. تجذبني يد زوجي خارجا أمضى وأسئلة كثيرة تدور في الرأس.. أين أنا وما الذي أراه في الحمام وخارجه.. ولما كل هذا الضجيج.. ثم أتأمل المكان خارجا.. أجد كل شيء سليم.. لا صاعقة صعقت ولا عاصفة بعثرت ولا حرب دمرت..

إذن ما كان سبب الذعر وهلع الناس.. فأجد نفسي أعود إلى عاملة دورة المياه لأسألها السؤال الذي تجمد على طرف لساني فأجدها تخاطب الأخريات بنفس الأسلوب.. أشعر بالإهانة كما لو أصابتني بأسلوبها بينما الكلام ليس معي أصيح في وجهها.. ما الذي تفعلينه.. أهذا أسلوب تخاطبين به الناس؟؟

تتمتم قائلة.. يوجد تفتيش علينا.. وهذا يجعلك تتحدثين معهن بهذا الأسلوب.. وإذ بزوجي يجذبني مَرَّة أخرى إلى الخارج..

بجواري يمض صامتا على غير عادته هادئا دون سؤال أو كلمة.. اسأله.. أهدوئك هذا إيجابيا أم سلبيا أم مُكره عليه حتى لا تظهر أمام الزملاء والزميلات بمظهر الصعب في طبعه أم تلاشى غضبك عند حسابي لها.. أغضبك عدم استئذاني منك.. ويرمقني وفي عينيه راحة تريح نفسي…؟ حيث ليست من الزوجات اللاتي يعشقن إغاظة الزوج عصيان بمبادئه..

ويصاعد ضجيج الزحام صداعي وبعادم السيارات تختنق أنفاسي..

المكان مكتظ بالناس والأنفاس منبثقة من الصدور تفيح وفي أعماقها أشياء وأشياء وتختزن النفس ما هو غريب عنها من تصرفات تحدث..

برهات ويعلو صوت صريرها مرة أخرى.. يُلقى كيس وتتبعثر الأشياء .. ثلاث قطع من القماش وحبات من الحلوى تحت أقدام الناس أبحث عنها ويمنعني زوجي.. أنظر له  فيجد في عيناي رجاء يتركني بل معي يذهب للبحث عنها.. ثم أراها كما ذكرت أمرأة طاعنة في السن في صحبتها طفل جميل جاثية على ركبتيها تلتقط حبات الحلوى والطفل في ذعر..

  تابعونـــــــــــــا …. الجزء الرابع

الأديبة نادية حلمى
الأديبة نادية حلمى

اقرأ للأديبة

صرخـة ..!…”رواية”

شكرا للتعليق على الموضوع