الشعر العربي “بين المؤامرة والمتاجرة”
تقرير بقلم الدكتور: رمضان الحضري
متابعة: إيمان الحملي
لست في حيرة من أمري أبدًا …….
حينما ترشح الهيئات الحكومية من لا يعرف شيئا عن الشعر ليحصل على جائزة شعرية، لأن العالِم المتهتك يكون سببا رئيسا في تولية المسؤول الجاهل لسلطة ثقافية، ولذا فلا عجب البتة حينما نرى المسئولين عن بيوت الشعر يدعون أنهم شعراء ولا يفرقون بين الوظيفة الإدارية والهوية الفنية.
لست في حيرة من أمري أبدًا …….
حينما يطبع الموظفون في هيئات الكتاب كتبا بأسمائهم باعتبارهم يبدعون، لأنهم لم يفرقوا بين كونهم موظفين وبين المبدعين في الوطن العربي.
لست في حيرة من أمري أبدًا ……….
حينما أستمع لوزير عربي لا يجيد إقامة جملة عربية صحيحة ويكون مسئولا عن التعليم أو الثقافة في الوطن العربي، لأنه يهتم بذاته لا بعمله، ويهتم بربحه لا مسئولياته.
فلا عجب حينما يتربع حجازي على عرش الجوائز في الوطن العربي ويتربع تابعوه على بيوت الشعر العربي ويتركون الشعراء الحقيقيين مثل علي عمران وعبدالعزيز جويدة وإلهام عفيفي ومحمود حسن وشريفة السيد وعبده الزراع وعباس الصهبي وأحمد سويلم ( من مصر ) ، وفاروق بنجر وحسن الزهراني وأحمد آل مجثل وطه بخيت وفيصل آل صالح ( من السعودية ) ، وعباس شكر ( من العراق ) ، وفايز أبو جيش ( من سوريا ) ، وبوزيد حرز الله (من الجزائر) ، وغيرهم كثيرون يستحقون الجوائز عن شعرهم الحقيقي لا عن علاقاتهم المشبوهة.
نعم علاقاتهم المشبوهة، فحينما أرشح من لا يستحق فهذه وحدها علاقة مشبوهة في العلن، لأنها على مسمع ومرأى كل العالم، فما عادت هناك من معلومات محجوبة ! .
فلازال جيل النكسة يسيطر على الثقافة العربية حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها كلماتي تلك.
ولم يكن عبدالناصر ولا قواتنا المسلحة سببا في نكستنا عام 67م، بل من ادعو الثقافة كانوا السبب الرئيس في تضليل الرأي العام ، لأن المثقف حينما يصبح ذيلا للسلطة فهو العدو الأول للشعب ، لأنه المدمر الحقيقي لروح الشعب وقدراته المادية والمعنوية ، فالعدو الداخلي أخطر ألف مرة من العدو الخارجي ، لأن المثقف هو المبرر لأخطاء الحكام والمثقف هو المبرر لأخطاء الوزراء ، والمثقف هو المبرر لكل التجار الذين يتاجرون بدماء الشعوب .
كان المثقف الحقيقي أمير الشعراء أحمد شوقي يدرك أن مسئوليته لا تتوقف عند قول الشعر والتجديد فيه وابتداع المسرح الشعري العربي ، ولكنه يؤسس للغناء العربي والموسيقى العربية فيبني بيتا من غرفتين بجوار بيته ليقيم فيه محمد عبدالوهاب وأطلق عليه عش البلبل وأحضر له أساتذة الجامعات ليعلموه اللغة والعروض في مصر والموسيقى الغربية في أوربا سواء سويسرا أو فرنسا أو غيرهما ، وتربى الموسيقار عبدالوهاب علميا في بيت شوقي من 1924م وحتى 1932م وصحبه شوقي عام 1925م في أول رحلة فنية إلى أوربا ولم يكن عبدالوهاب قد بلغ العشرين عامًا ، وقد اهتم شوقي بموسيقى عبدالوهاب ولم يهتم بموهبة حسين بن شوقي الشعرية ،لأن شوقي كان يدرك أن موهبة عبدالوهاب مثمرة في الموسيقى وفي المجتمع العربي ، ولن يكون شعر ابنه حسين مهما ، رغم أن عبدالوهاب غنى قصيدة لحسين بن أحمد شوقي ربما على سبيل رد الجميل ، ولم يكررها ، وربما لأن الشاعر لم يكتب غير هذه القصيدة اليتيمة التي مطلعها ( سهرت منه الليالي ) ، ولأن عبدالوهاب أضاف إلى هذه القصيدة بيتين من شعر محمد عبدالوهاب نفسه ، وكلمات عبدالوهاب هي : ( فالحب فيه نعيمي والحب فيه بقائي ) ، ولذا فقد خرج عبدالوهاب من عباءة شوقي ليقدم للفن شخصية مختلفة ، فلا يهتم بالموسيقي فقط ، بل يهتم بتكوين فرقة موسيقية مصرية بزي موحد ، ويهتم بفتح الموسيقي العربية على الموسيقي الغربية ، فتأثر بالموسيقي الغربية وأثر فيها .
واهتم طه حسين الناقد بمحمود حسن إسماعيل الشاعر فأصبح شاعرًا عظيما، كما اهتم بنجيب محفوظ فأصبح كاتبا خالدًا عالميا.
فالمثقف يهتم بما يراه موهبة ليظهر جمال الله في هذه الموهبة، ولذا فإن المثقف يمكنه أن يرفع اسم دولة كاملة ولا تستطيع دولة كاملة أن ترفع اسما لغير مثقف باعتباره مثقفا، وكم ممن مثلوا الدول في الخارج من أدعياء الثقافة فدنسوا اسم دولهم رغم أنهم جاءوا كممثلين رسميين لدولهم.
وهذا ما يعني أن المؤامرة كبيرة جدا على الثقافة العربية وعلى الشعر العربي بالتحديد لأنه لباب هذه الثقافة، فتجد من يقول: (هنا كان حسن فؤاد كان يسخو على السجون) ويمثل مصر في مؤتمرات الشعر، لأن من رشحه تآمر على تدمير الشعر العربي، فإن لم يذهب هذا ذهب تلميذه بقصيدة (الكمسري) باعتبارها من عيون شعرنا العربي في العصر الحديث.
أما حينما يقول الشاعر العربي السعودي المكي / فاروق بنجر:
وقلبي؟ لقد مدّ الحنان خيوطه
عليه وأقصته الشواطئ في الحبِ
أرى زمنا في لؤلؤ الأفق بازغا
فأقول يا الله هذا المدى قلبي
فهذا لا نرشحه للجوائز العربية، لأن هناك مؤامرة تستهدف طمس الجمال وإبراز القبيح، حتى يموت شعر العرب كما يتمنى أعداء العرب.
وحينما تقول الشاعرة المصرية / إلهام عفيفي مبارزة نزار قباني:
لا تسألي عن حالتي لا تسألي
جاء المساء وأنت لستِ بمنزلِي
لا تسألي عن حالنا في غربة
عطشى وينتظرون ماء الجدولِ
هل قد علمت ما نقول لبعضنا
أنا والشراشف والحرير المخملي؟
لابد أن نستبعد هذه الشاعرة لتظل وجوه النكسات مسيطرة على مشهد الشعر العربي.
اقرأ ايضاً | صالون إلهام عفيفي يستضيف مبدعي شعراء سيناء بمكتبة مصر العامة
فإذا نظرنا لشاعرنا العربي العراقي / عباس شكر حينما يقول:
بيني وبينك قبلةٌ قد أبحرتْ
ميناؤها الشفتان ترسو بالسفينْ
فيكِ امتحاناتي فلم تتصّفحي
إنّي سأرسبُ بالهوى لو تمنحَينْ
كل النساء جمالهنَّ محيرٌ
وجمالك الفتّانُ أدهش حيرتينْ
كذلك يجب علينا أن نستبعد هذا الشاعر حتى يظل الشعر العربي بلا معنى.
فإذا نظرنا في شعراء سوريا سواء شعر الشاعرة الكبيرة / هيلانة عطالله أو الشاعر الرائع / فايز أبو جيش الذي يقول:
إذا ما اللِّيلُ أرَّقني وباءَتْ
بناتُ الفكرِ في نيلِ السكونِ
تلوتُ الشعرَ آياً بعدَ آيٍ
وأنجبتُ الحياةَ مِنَ المُنونِ
فلابد أن نستبعد شعراء سوريا الحقيقيين ليبقى الشعر السوري مع شعراء النكسة ويظل جيل النكسات في مصر وسوريا مسيطرا على المشهد الشعري.
أليست هذه مؤامرة على الشعر العربي؟!
أليس ترك الشعراء الحقيقيين مؤامرة، وتقديم كُتَّاب السفسفاه متاجرة؟
سوف أقدم نماذج أخرى عدة لمندوبي المؤامرة والمتاجرة وأقدم نماذج أخرى لشعراء حقيقيين من مصر أمثال علي عمران وعبد العزيز جويدة وشريفة السيد وأحمد سويلم وعبده الزراع وعباس الصهبي.
ومن السعودية لشعراء حقيقيين أمثال أحمد آل مجثل وطه بخيت وحسن الزهراني وفيصل آل صالح.
يا سادتي: لم تكن الأمة العربية في حاجة لإبراز هويتها الشعرية الحقيقية في فترة من الفترات أكثر من حاجتها في هذه الفترة، وعلى الشعراء الحقيقيين أن يدافعوا عن شرف كلمتهم مهما كلفهم، فبعض الكلمات أغلى من الدم ، وبعض الكلمات تكون هي العرض والشرف ، فليس المضللون من نتاج أرضنا بل هم غرباء عن لهجتنا وعن لغتنا ، نعم غرباء ، دمهم ليس عربيا ، والدليل مؤامراتهم ضد العرب وضد لغة العرب .
هذه تقدمة لمقالة مهمة للغاية، عسى الله أن ينفعني بها غفرانا للذنوب، وأن ينفع القارئ بها نورا في الدروب .
اقرأ ايضاً
رمضان الحضري يكتب : شاعرات من مصر