ياسمينا شاهين تكتب: خمس دقائق من النسيان
أيمكن أن ينسى الإنسان الماضي ؟
وإذا افترضنا أن تذكر الماضي مرتبط بالحدث ، فهل يمكن أن ينسى الإنسان بمروره ؟؟
ولكن الماضي ليس مقتصرا على الحدث فقط !
فأخبرني عن الفكر ،هل تستطيع إيقافه ؟!
وإن استطعت إيقافه ولو لبضع دقائق ، هل يمكنك أن تهرب من الذكريات ؟!!
وإن كنا نناقش الموضوع من النظرة الأدبية و الفلسفية ، فالعلم أيضا يقول أنه يتوافق مع تفسيراته .
فالذاكرة تتأصل و ترتبط بقوة الحدث والصوت والأشخاص والأماكن وحتى الرائحة !!
ويمكن أن تسترجع الذكرى في أقل من ثانية عند التعرض لنفس هذه المؤثرات ولعل هذه الطريقة هي أحد أسرع الطرق المتبعة في العلاج النفسي وبرمجة العقل الباطن بشكل إيجابي ..
ويكشف الواقع لنا يوما بعد يوم ، أن الذكريات تنطبع في الذاكرة و لا تنسى بمرور الأعوام ، تبدأ منذ بداية الإدراك و لا يمكن أن تمحى إلا في حالة فقدان الذاكرة لا قدر الله ..
والدليل أننا لا ننسى أول نظرة لأبينا و أمنا عندما بدأنا أن ندرك و نفهم ، لا ننسى أول حضن منهم ، لا ننسى ولادة أول أخ لك ، أول يوم دخول المدرسة ، أول نجاح ، أول هدية ، أول صديق ، أول عمل ، أول مرتب ، أول تحدي ،وأول وأول وأول ،،،،،،،،
وإن كنا لا نتذكر حتى التفاصيل ولكن يظل هناك ولو شعرة قلبية او فلاش ضوئي يربطنا بهذه الأُول !!!
ولعل أقسى أنواع الماضي ، هو “حدث الوفاة” أو لعلي أستخدم لفظا أكثر حكمة وصدق وهو “الانتقال إلى رحمة الله ” لأنها حياة أخرى …
ولا أستطيع أن أسميها ماضيا ، فمن يتوفى ، تبقى روحه معنا في كل نفس وفي كل ركن وفي كل مكان .
فلا تحلو الحياه بعد الله بدون رؤية صورته كل صباح وإلقاء السلام عليها ، ولا تطيب الدنيا إلا بذكراه الطيبة وأعماله الصالحة ، ولا تهنأ النفس إلا بالدعاء له والحديث إليه كل ليلة ومشاركته في الأحلام !!
أعلم أن الموت أقسى أنواع الأحداث و أشدها ابتلاء وألما للإنسان ..
فهي تقطع في القلب و يظل على إثرها ينزف حتى النهاية حتى و لو بدى التئامه !
وربما لا يرتاح صاحبه إلا برحيله لمقابلة من تركه ولكنها سنة الله في الكون وكلنا لاحقون..
وبما أن الحياة تستمر بقوة الدعم الإلهي ، إذن ما يحدث أن الإنسان لا ينسى الماضي ولكن يحاول عقله أن يتناساه تحت تأثير الإيمان والصبر والأمل والرضا .
والتناسي لا يعني النسيان في وجهة نظري المتواضعة ، ولكن يعني التأقلم والشجاعة في مواجهة الأمور وتحويل الماضي إلى أول خطوة في سلم النجاة بالأمل والعمل .
من الخطأ أن يرتبط مصطلح الماضي بالذكريات السيئة لدى الشخص و فقط !!
فلنتذكر أن الماضي يشمل الذكرى الجميلة قبل المؤلمة لأن الله ببساطة رؤوف رحيم و لا يكلف نفس إلا وسعها ، و أنت من يجب عليه أن يختار بين ما يجب تذكره دوما و ما يجب تناسيه وما يجب التأقلم عليه و استحضاره و تقبله كما هو..
فالتحدي من البداية للنهاية هو تحدي “إيمان”..
فإن آمنت بصدق سترضى ، وإن رضيت ستهدأ ، وإن هدئت ستأمن وإن أمنت ستستقر عيشا في كنف الله والله ولي الصابرين .
حاول أن تبدأ من جديد ، فلا يوجد على الله ما هو بعيد .
وتذكر أن كل ألم مَر عليك ، مَر على غيرك ، وما تفكر أنت فيه ، يفكر غيرك أيضا فيه وبشدة !!
فكلنا في النهاية نفس الخلق ، من نفس الأصل ونفس الخلايا ، ذوي رسالة وابتلاء موحد وإن اختلف شكله أو نوعه ..
ولكن الفرق في نتيجة الاختبار..
ولن يستطيع أحد أن يجيب على اختبارك أو يحاسب عليه مكانك مهما كانت إرادته أو رغبته ، لأن الوضع ببساطة هو أمر الله في الأرض و يوم العرض ..
فتناسى ولا تنسى ، فالحياة ميزان الماضي و الحاضر والمستقبل ، ذاك المزيج الذي يبنى بالكفاح ليصنع النجاح و يقودك للفلاح …
د.ياسمينا شاهين
اقرأ للكاتبة
ياسمينا شاهين تكتب: القانون بين العقل و القلب ! ( الجزء الأول)