مدحت محي الدين يكتب : أين الورق؟
في الآونة الأخيرة أصبح الاستغناء عن الورق و كأنها ظاهرة في طريقها لأن تكون مصيرا حتمي، مثلا لم يعد هناك العديد من الصحف الورقية و أصبح معظم الناس في العالم يفضلون تصفح المواقع الإلكترونية من خلال الحاسب الآلي و الهواتف الذكية، في بعض المواد التعليمية قل الاعتماد على الكتب و المراجع و زاد الاعتماد على المعلومات المقدمة من خلال المواقع التعليمية، لم تعد ربة المنزل بحاجة لأن تشتري كتابا للطهي بل كل ماعليها فعله هو تصفح المواقع و الفيديوهات لتشاهد طريقة طهي وصفة الصنف الذي تبحث عنه و هو يتم طهيه أمام عينيها و تخيل وقتها عزيزي القارئ صوت أبلة نظيرة و هي تبكي في مرقدها قائلة “يا خسارة تعبي و إيدي اللي اتهرت في الكتابة”…..و غيرها من الأمثلة التي تجعلنا نتسائل “و ماذا بعد؟ أيعني ذلك أنه مستقبلا سينقرض الكتاب؟!”.
قديما حرص قدماء المصريين على تسجيل كل مايفعلونه من وصفات طعام لتصنيع عطور، من أسرار التحنيط و تصنيع الحلي لبناء الأهرامات، من المعارك التي خاضوها للمسلات و المعابد التي بنوها….إلخ، هناك الذي سجلوه على أوراق البردي و الذي نقشوه على جدران المعابد، و كان لذلك التسجيل الفضل في معرفة التاريخ.
قديما حرص العلماء على تسجيل نظرياتهم و تجاربهم العلمية و النتائج الهامة التي توصلوا إليها بكتب حتى لا تضييع و معظمها أصبح مراجع فيما بعد لكل طلاب العلم في مختلف الكليات و الجامعات كل حسب تخصصه.
قديما حرص سيدنا محمد (صلى الله عليه و سلم) على أن تتم كتابة القرآن الكريم فأمر عدد من الصحابة بكتابته و بعد وفاته (صلى الله عليه و سلم) أمر سيدنا أبي بكر الصديق (رضى الله عنه) الصحابي زيد بن ثابت الأنصاري (رضى الله عنه) بجمع القرآن و احتفظ به ثم بعد وفاته انتقلت الصحف لبيت السيدة حفصة بنت عمر (رضى الله عنهما) إلى أن انتهى الأمر إلى قيام سيدنا عثمان بن عفان (رضى الله عنه) بتجميع القرآن الكريم بالمصحف و تم نسخ عدد من المصاحف حتى أصبحت في متناول إيد الجميع.
من أهم المعالم السياحية في مصر “مكتبة الأسكندرية” و هي مكتبة ضخمة، عريقة، غنية، تحتوي على العديد من الكتب في مختلف المجالات، مكتبة الكونجرس بولاية واشنطن الأمريكية و التي تحتوي على 39 مليون كتاب ، المكتبة الوطنية بالصين و التي تحتوي على حوالي 22 مليون كتاب، مكتبة الأكاديمية الروسية للعلوم و التي بنيت عام 1714م، المكتبة الوطنية الكندية التي بنيت عام 1953م، المكتبة الوطنية الألمانية، و المكتبة البريطانية، مكتبة نيويورك العامة التي تحتوي على 11 مليون كتاب، و غيرها من المكتبات حول العالم و التي تحتوي على العديد من الكتب الهامة في مختلف المجالات و بمختلف اللغات.
اقرأ ايضاً | مدحت محي الدين يكتب : وما الداعى ؟!
كل ذلك يثبت أهمية الكتاب كوسيلة للتسجيل و وسيلة لإيصال المعلومة….بإختصار وسيلة للمعرفة، عندما أطلقت لخيالي العنان و حاولت أن أتصور ماذا لو لم يحرص السابقون على الكتابة و التسجيل؟ الإجابة بسيطة و هي أنه لم يكن ليصلنا أبدا المعلومات التي أدت بالتأكيد للتطور و التقدم الذي نشهده الآن، أصبحنا نعرف و كان ماسجلوه بمثابة الدرجة التي ساعدت من لحقوهم لبناء باقي الدرجات فبالتالي نحن الآن نرى سلما واضح أو بناء مكون من عدة طوابق في كل مجال تقريبا، لولا الكتابة كان يمكن أن نكون الآن مثل الذي يدور بحلقة مفرغة.
فإذن اليوم ماذا عن استبدال الكتاب بالمعلومة الرقمية؟ أهى وسيلة مضمونة للحفاظ و إيصال المعلومة أكثر من الكتاب؟ ألا يمكن أن يتم اختراق أي موقع رقمي أو أن يتمكن أحد المتخصصين بالتكنولوجيا من تدمير كل المعلومات بفيروس ما؟ أو مثلا ألا يمكن أن يحدث تلف ما بالأجهزة أو وحدات التخزين فيضيع مع ذلك نظريات علمية هامة مثلا؟
أسئلة كثير تدور بذهني في هذا الشأن و لا أعلم هل أنا مجرد قارئ متعلق بالكتب و رائحة الورق و أشعر بالخوف من فكرة أن ينقرض هذا الاختراع القيم الذي ساهم في تكوين تفكيري، أم أنني أصبحت كهلا يخاف من التطور و التغيير؟
اقرأ للكاتب
مدحت محي الدين يكتب: جزيرة العظمة