مصطفى جودة يكتب: ترامب وهارفارد وأخواتها «1-2»

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

فى يوم الخميس الموافق 22 مايو أصدرت الحكومة الأمريكية من خلال وزيرة الأمن الداخلي، قرارا بمنع قبول طلاب أجانب جدد بجامعة هارفارد وكذلك منع الموجودين منهم من البقاء فى هارفارد، وأنه يتعين عليهم الانتقال إلى جامعة أخرى أو المغادرة الى بلادهم. أرجعت الحكومة أن قرارها هذا مرده أن جامعة هارفارد تسمح للإرهابيين وللمحرضين المناهضين لأمريكا بالاعتداء على الطلاب اليهود فى الحرم الجامعي، كما اتهمت الحكومة الأمريكية هارفارد بالتنسيق مع الحزب الشيوعى الصينى وأنها استضافت ودربت أعضاء من جماعة شبه عسكرية صينية حتى عام 2024، وبالتالى فانه يتعين على هارفارد عدم تسجيل الطلاب الأجانب بها ومنحهم الفرصة للانتقال الى جامعة أخرى أو ترحيلهم الى بلادهم، كما يتعين على هارفارد عدم قبول طلاب أجانب جدد. هذا القرار يمس قرابة 6800 طالب أجنبى بالجامعة يمثلون 28% من العدد الكلى لطلابها الذى يبلغ 24 ألف طالب فى عام 2024.

جدير بالذكر أن هارفارد تجرى عمليات قبول شديدة الصعوبة لاختيار الطلاب الجدد، وتختار 3% فقط من المتقدمين لها والذين يوفون بشروط الالتحاق القاسية التى تجريها الجامعة بالعدالة.

اعترضت الجامعة على ذلك القرار ووصفته أنه غير قانونى وقامت برفع قضية ضد إدارة الرئيس ترامب، وصرحت إدارتها بأن الجامعة ستواصل اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية حقوق طلابها وعلمائها الأجانب وأعضاء مجتمعها الذين يشكلون أهمية حيوية مهمة يشكلون وغاية قصوى لهارفارد ويمثلون حيوية ونشاطا أساسيا لمهمة المجتمع الأكاديمى وأن وجودهم يمثل فائدة عظيمة للولايات المتحدة، وعليه رفعت جامعة هارفارد دعوى ضد إدارة ترامب. لم يستثن قرار الحكومة الأمريكية يوم صدوره أحدا من الطلاب الأجانب من أى دولة وبالتالى فهو يمس قرابة 30 طالبًا مصريًا يدرسون بها ضمن العدد الكلى للطلاب الأجانب والذى يبلغ 6800 طالب، غير أنهم عادوا بعدها ليذكروا أن المقصود هم الطلاب الصينيون. نسبة الطلاب المصريين بهارفارد تجعل من مصر تحتل المركز الثانى عشر عالميا. فى يوم الخميس الموافق 29 مايو أصدر قاض فيدرالى حكما يمنع إدارة الرئيس ترامب من تنفيذ قرار حكومته الخاص بعدم تسجيل الطلاب الأجانب بهارفارد وهو الأمر الذى يمثل هزيمة قاسية لإدارته والحملة الشرسة التى يشنها ضد جامعة هارفارد ظلما وعدوانا. هذا الانتصار الأخير ضد قرارات وأوامر الرئيس ترامب يجعل من نسبة رفض تلك الأوامر بنسبة 96% منذ توليه الحكم فى يناير الماضي. لست أدري، لماذا كل هذه الكراهية لهارفارد التى هى درة التاج البشري، ورمز الكمال الإنساني. كيف يكره مخلوق مكانًا بكل هذا الجمال وكل تجسيد لمعنى جنة الدنيا. هارفارد الشاسعة المساحة والتى تزيد على 5667 فدانًا من الجنان. ريحها طيب وأهلها دائما مبتسمون.

 سواء كنت زائرا لها أو خريجا فيها، سواء كنت أمريكيا أو أجنبيا، بمجرد أن تطأ قدمك هارفارد تحس بلقاء التاريخ والحاضر والمستقبل والخلود، وتسرى فى روحك استدامة التواصل معهم، وعندما تزور قاعاتها تعتريك حكمة، وعندما تزور معاملها يصيبك إشعاع الذكاء. عندما تزور مكتباتها التى تحوى 16 مليون كتاب وأربعة ملايين مخطوط وخريطة موزعة على ثمانية وسبعين مبني، يعتريك إلهام وتود أن تصطاد الخواطر الكثيرة التى تغمرك.

سجل كثير من المشاهير والذين تخرج بعضهم فيها وبعضهم زوارا أجانب زاروها لإلقاء محاضرات أو خطابات للمتخرجين وأعطونا صورا جميلة عن هارفارد ومنحونا سطورا خالدة. يقول إدوارد سعيد، الناقد الفلسطينى العظيم، والذى درس كلا من الماجستير والدكتوراة فى هارفارد: «علمتنى هارفارد أن أكون غريبا، غريبا عن الأوطان، ولكن قريبا من الأفكار».

ويقول رالف والدو إيمرسون، الشاعر الأمريكى المشهور، وخريج جامعة هارفارد عام 1821، «تعلمك هارفارد كيف تفكر، لا ما تفكر. العقل الحر هو أعظم إرثها». وتقول الكاتبة أودرى لورد، خريجة هارفارد: «تعلمت فى هارفارد أن القلم أقوى من السيف، وأن أمتلك الجرأة لأكسر الصمت بذلك القلم».

 أما الكاتب الأرجنتينى خورخى لويس يورخيس والذى دعُى لإلقاء محاضرة فى هارفارد فى عام 1967، قال فيها: «مكتبة هارفارد هى المتاهة الوحيدة التى لا أريد الهروب منها».

 وتقول إيميلى ديكنسون الشاعرة الأمريكية المولودة فى بلدة امرست فى رسالة لها إلى صديق درس فى جامعة هارفارد: «العلم فى هارفارد كالنور يضيء». وكتب فرناندو بيسوا الشاعر البرتغالى عنها فى قصيدته المنفيون الفكريون: «أنا لم أدرس فى هارفارد لكن هارفارد تدرس فى كل كتاب أقرؤه يحمل بصمتها». ويقول الروائى الأمريكى جون أبدايك، وخريج جامعة هارفارد، فى روايته «الجملة»، «فى هارفارد كنت أتنفس الهواء الذى تنفسه الأشباح العظيمة. كل شيء يذكرنى بأننى قزم على أكتاف عمالقة». أما روبرت فروست، الشاعر الأمريكى والذى تعلم فى هارفارد، فيقول فى مذكراته ليعبر عن تأثره بالطبيعة المحيطة بهارفارد: «الغابات التى مشيت فيها حول هارفارد علمتنى أكثر من كتبها. كل ورقة شجرة كانت صفحة من فلسفة». أما الروائى المشهور هنرى جيمس والذى تخرج فى هارفارد عام 1862، فيقول: «هارفارد ليست جامعة، بل عالم مصغر يعيد تشكيلك كأنك طين فى يد صانع الفخار».

 أما الناقد الأشهر والشاعر والكاتب الكبير، ت. إس. إليوت وخريج جامعة هارفارد عام 1914، كتب عنها فى مقالته، التقليد والموهبة الفردية، حيث يشير الى تأثير دراسته الفلسفية فى هارفارد على أشعاره: «فى قاعات هارفارد تعلمت أن الشعر لا يكتب بالكلمات، بل بالصمت بينها».

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: قلبى فى القاهرة

شكرا للتعليق