مينا عازر يكتب: بعيداً عن المذهبية المقيتة

ربما في كثير من الأحيان تجعلنا انتماءاتنا الشخصية نصدر أحكام بعيدة عن أرض الواقع، وهو أمر صحيح مؤسف كأن نحكم بانتماء رياضي على نادي لا نشجعه بأنه فاشل أو لانتماء عرقي على بلد عظمى بأنها مقيتة وهكذا، ولذا أحاول أن أبتعد عن المذهبية في تقييمي الذي أقدمه لسيادتك عزيزي القارئ حول ما جرى في إيران لأقدم لك نظرة محايدة.

أهم ما جرى بإيران هو التفجير الذي نال من الإيرانيين العزل في كرمان بذكرى مقتل قاسم سليماني، ولن أنجرف وراء الإحساس بالألم بسبب العدد الكبير الذي خلفه التفجيرين الذي كان أحدهما انتحاري، وكذلك لن أجعل من رفضي للأعمال الإرهابية بشكل عام ستار لأصب جام غضبي على منفذي التفجير والدفاع عن إيران أو مقتي لداعش على وجه الخصوص ليكون مبرر لأن أنسى رغبتي الملحة في أن أكون محايداً لتحليل أهم ما ورد في تناول وسائل الإعلام العالمي في هذه الحادثة المؤلمة قطعاً.

لاحظت تعليقاً حول هذه المصيبة، بأنها كشفت هشاشة النظام الأمني الإيراني، وربما هذا صحيح، لكنها عبارة ليست دقيقة على الإطلاق فأي الدول لا تقف أمام الإرهاب مكتوفة الأيدي، أمريكا ذاتها نالها الإرهاب مرات كثر وأعظمها في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وأمريكا لها باع طويل في مجال استخبارات، لكن لو اعتمدنا العبارة القائلة بأن الحادثة كشفت أكذوبة إيران أمنياً، نجد أنفسنا نغش أنفسنا فالأسوأ من التفجيرات الإرهابية الأخيرة ما قامت به الموساد الإسرائيلي غير مرة في منشئات إيران الصناعية والعسكرية بل والنووية باختراقات وسرقة وثائق واغتيالات لعلماء إيرانيين وإصابات مباشرة بطائرات مسيرة بل والأهم هو مقتل سليماني نفسه الذي عجزت إيران عن حمايته وهو في أرض تكاد تكون تحت حماية وامتداد طبيعي لنفوذ الدولة الإيراني أقصد طبعاً وللأسف العراق، صحيح الاغتيال كان على يد أمريكا لكنه اختراق لا شك فيه، فقد نفذته مسيرة ما يعني ثمة اختراق محتوم حدث على الأرض.

أما أسوء ما يمكنك ملاحظته بشكل عام في الحادث تلك الفرقة التي تفت في عضض أعداء إسرائيل من المتشددين عامة الكارهين لها اعتماداً لمبدأ المذهبية المقيت، فالإرهابيين السنة نفذوا عملية إرهابية ضد الشيعة الذين يدعمون السنة “حماس” المقاتلين ضد إسرائيل والغريب في الأمر أن ذلك تلاه حادث هجوم نفذ ضد حافلة في كابول بحي يقطنه أغلبية شيعية، ما يعني أن ثمة إصرار لاستهداف الشيعة المواليين والداعمين لسنة فلسطين الذي يساندهم أيضا شيعة اليمن ولبنان وكأن داعش تؤكد أن كون هؤلاء شيعة لا يجعلنا نترأف بهم وكونهم مؤيدين لحماس الفصيل المقاتل ضد الإسرائيليين الذين من  المفترض كونهم يعادونها أيضاً لن يجعلنا نرفع أيدينا عنهم، وهنا تكمن المأساة أن المذهبية تعمي وتكشف عن أن داعش كما لو كانت ذراع إسرائيلي يقتص من المناوئين والمعادين لها وهذا أمر مخجل حقيقة أن تجعلنا المذهبية في هذه الحالة المؤسفة.

المختصر المفيد: تباً للكراهية والعقول المغلقة التي تسفك الدماء دون وجه حق وتبا ًلمن يختزلون تاريخ إيران من الفشل الأمني والعجز الاستخباراتي في الحادثة الأخيرة فحسب.

د. مينا ملاك عازر

اقرأ للكاتب

مينا عازر يكتب: السعودية بين التغيير والتطوير

شكرا للتعليق على الموضوع