مصطفي جودة يكتب: إسرائيل فوق كل القوانين

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا.

تأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فى الثامن من ديسمبر 1949، كهيئة تابعة للأمم المتحدة وبدأت عملها بتاريخ الأول من مايو 1950، ليصل عدد العاملين بها الآن إلى 13000 موظف للقيام بواجباتها وأصبح لها دور أساسى فى إطعام أكثر من مليون فلسطينى، وفى تعليم الأطفال الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية وغيرهما. أيضا بلغت ميزانيتها 1٫16 مليار دولار فى عام 2023، 75% منها مساهمة أمريكا والدول الأوروبية واليابان.

بات واضحا لإسرائيل بعد صدور الأحكام المدينة لها أن هذه المنظمة شهدت بما رأت وقدمت للمحكمة ما يدين إسرائيل فيما تقدمت به جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية من شكوى تفيد أن ما تقوم به إسرائيل فى غزة يمثل إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية، وهو الأمر الذى وافقت عليه المحكمة مبدئيا وأصدرت أحكاما أولية تشمل ستة أحكام ملزمة بإجماع 15 قاضيا من قضاتها السبعة عشر.

وطالبت المحكمة إسرائيل أن تستخدم كل ما فى وسعها لمنع حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، كما طالبت الجميع وخصوصا القوى الكبرى بتنفيذها. تشمل هذه الأحكام أن تمتنع إسرائيل عن الأفعال المنصوص عليها فى اتفاقية الإبادة الجماعية، وأن تمنع وتعاقب كل من يحث على الإبادة للفلسطينيين بكل الطرق، وأن تقوم فورا بأخذ كل الأسباب لضمان توصيل المساعدات الإنسانية للمدنيين فى غزة. كما أمرت المحكمة بضرورة أن تحتفظ إسرائيل بكل الأدلة، وأن تمد إسرائيل المحكمة بتقرير عن كل تلك الأحكام الستة خلال شهر من إصدار تلك الأحكام الستة.

فور إصدار تلك الأحكام المؤقتة صرحت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا صاحبة الدعوة المرفوعة ضد إسرائيل بقولها إن الحكم يمثل نصرا حاسما للقانون الدولى وحجر زاوية فى البحث عن حل عادل للقضية الفلسطينية، وأنه لم يعد وجود للحجج والادعاءات الإسرائيلية أن ما تفعله من حرب إبادة طبقا للقانون الدولى، وأن جنوب إفريقيا تأمل بإخلاص أن تلتزم إسرائيل بما ورد فى تلك القوانين، وأن تلتزم بتنفيذ تلك الأحكام. كما علق السيد بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى بأن التزام إسرائيل بالقانون الدولى لا يتزعزع، كما أن دفاعها عن نفسها أمر مقدس لا يتزعزع، وأن إنكار ذلك الحق الأساسى على إسرائيل لا يعدو كونه محاولة حقيرة ومحاولة عنصرية ضد الدولة العبرية، ومن أجل ذلك فإننا نرفضه كما نرفض اتهامنا بارتكاب حرب إبادة كما يتعين على كل الشعوب المحترمة أن ترفضه أيضا. بعدها بيومين صرح نيتانياهو تصريحا استفزازيا ومهينا لجنوب إفريقيا، وهو أن جنوب إفريقيا جاءت الى لاهاى باسم النازيين الجدد. كما صرح وزير الدفاع الإسرائيلى معلنا أن إسرائيل لن تتوقف فى حربها على الإرهاب ثم أضاف أن المحكمة معادية للسامية.

علقت منظمة العفو الدولية على ذلك الحكم بأنه يتعين على الحكومة الإسرائيلية الالتزم بالأحكام الصادرة ضدها من محكمة العدل الدولية، وأنه يتعين على جميع الدول واجب الالتزام بتنفيذ تلك الأحكام. كما أنه يتعين على قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وبقية الدول الأوروبية احترام قرارات المحكمة الملزمة، وأن يقوموا بفعل كل شىء فى وسعهم لإيقاف حرب الإبادة فى غزة، وأن الفشل فى تحقيق ذلك سيمثل ضربة قاصمة للقانون الدولى واحترامه. بالمقارنة كانت التصريحات الأمريكية والبريطانية والألمانية بأنه لا يوجد أى دليل على وجود ارتكاب حرب إبادة من قبل إسرائيل تجاه الفلسطينيين. فى مصر أوضح الدكتور مفيد شهاب حجة القانون الدولى فى مقالته الجامعة بالمصرى اليوم الأربعاء الماضى بعنوان «حول قرار محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل» وذكر فيه أنه يتعين على إسرائيل أن تقوم بتنفيذه كاملا بجميع بنوده لأن قرارات المحكمة ملزمة ولا يجوز الطعن عليها.

ورغم أن العالم كله يتفق مع ما قاله الدكتور مفيد شهاب إلا أن إسرائيل أعلنتها صراحة من خلال تصريحات رئيس وزرائها السيد نيتانياهو والتى أضافها الى تصريحاته الأولى أن إسرائيل ستعارض العالم كله إذا استدعى الأمر، وأن حرب إسرائيل دفاعية وليست حرب إبادة، كما أعلن وزير دفاعه أن إسرائيل لن تتوقف عن حربها ضد حماس، وأنها لا تدافع عن نفسها فقط، ولكن تدافع عن العالم الحر كله. دفع هذا الأمر الجزائر يوم الخميس الماضى لا تطلب من مجلس الأمن أن يقوم بدوره ويلزم إسرائيل بضرورة تنفيذ قرارات المحكمة كما ذكر الدكتور مفيد شهاب. لم يتوقف الدفاع الغربى عن الجرائم الإسرائيلية بل تجاوزه الى تبنى ما أثارته إسرائيل بعد قيامها بحرب الإبادة ضد الفلسطينيين من اتهامها 12 موظفا فلسطينيا يعملون فى الأونروا بأنهم من حماس، وأنهم شاركوا فى الهجوم عليها فى السابع من أكتوبر، ورغم أن إسرائيل لم تقدم أدلة على ذلك الاتهام إلا أن الأونروا قامت بفصل هؤلاء، والتحقيق فيما نسب إليهم من تهم إسرائيلية. فجأة تفتق ذهن المسئولين فى الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن التقاط ذلك الحبل وقرروا قطع مساهماتهم المادية فورا عن الأونروا، بدلا من حث إسرائيل على الانصياع لأحكام المحكمة، وكأنهم يعلنونها لكل العالم أن إسرائيل فوق القانون مثلما كانت منذ ولادتها عام 1948، وأنه يتعين على الجميع إدراك ذلك. لقد بات واضحا جليا أن القوى الكبرى تريد تسخيرالأمم المتحدة ومجلس الأمن وما يتبعهما من مؤسسات عالمية لأهوائهم، وأنه حان الوقت لتغيير مجلس الأمن بالذات ليضم إحدى الدول الإفريقية الى الأعضاء الخمسة الذين يمتلكون حق النقض.

إن مبلغ 1٫16 مليار دولار ليس ضخما وتستطيع دولة عربية واحدة أن تقرض الله قرضا حسنا وتدفعه، وتنقذ بذلك أكثر من مليون فلسطينى.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفي جودة يكتب: الدحدوح والذين راسلوا معه

شكرا للتعليق على الموضوع