مصطفى جودة يكتب: الدولة اليهودية “الفكرة الأولى «1ــ2»”

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

لم تقم إسرائيل فى يوم وليلة ولكنها قامت على أكتاف رجال مخلصين اخترعوا الصهيونية وعملوا قدر جهدهم على إنشاء الدولة العبرية ودعموها بكل ما يملكون وقدموا له التضحيات, وسلكوا كل المسارات فى السر والعلن لتحقيق مآربهم، متبعين فى ذلك كل المتاح لهم ووسائل الإقناع والاستذلال للدول الكبرى. لعبت بريطانيا التى كانت ملقبة حينها بالإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس الدور الأعظم فى خلق الدولة العبرية التى نادى بها هيرتزل، وقدمت فلسطين على طبق من ذهب إرضاء للصهيونية العالمية على حساب فلسطين.

ثم جاءت أمريكا لتحمل الراية ولتكمل المؤامرة البريطانية ولتقدم الدعم المطلق لإسرائيل حتى الآن، وربما لسنوات كثيرة قادمة وسط مؤامرات تحاك فى السر والعلن ومساندات عسكرية واقتصادية تفوق الخيال متزامنة مع عجز عربى وإسلامى غير مسبوق فى التاريخ.

 البداية مع ما فعله ثيودور هيرتزل كما سنرى هنا فى مراجعة كتابه المسألة اليهودية. العنوان الكامل للكتاب هو: «الدولة اليهودية، محاولة لإيجاد حل حديث للمسألة اليهودية»، تأليف ثيودور هيرتزل. صدرت الطبعة الأولى للكتاب باللغة الألمانية عام 1896، لتعلن ظهور الحركة القومية اليهودية على المسرح العالمى كما ظهرت الطبعة الإنجليزية للكتاب فى نفس السنة 1896.

من الضرورى إعطاء نبذة عن هيرتزل لدوره التاريخى والأساسى فى تأسيس الدولة العبرية ولفهم النشأة الأولى لها. ولد هيرتزل فى بودابست فى 2 مايو 1860، عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره انتقل الى النمسا للدراسة الجامعية. فى الفترة من يونيو- يوليو 1895، كتب المسودة الأولى للكتاب. فى الفترة من 5- 15 يوليو 1896، زار لندن وبدأ مفاوضاته مع الإنجليز لتأسيس الجمعية اليهودية، وفى 18 يوليو ١٨٩٦، زار فرنسا ونتج عن تلك الزيارة بداية تنظيم الحركة الصهيونية. فى الفترة من 6-7 مارس 1897، بدأ فى فيينا التجهيزات المبدئية للدعوة الى المجلس الصهيونى الأول، وفى الفترة من 29- 31 أغسطس عقد المؤتمر الصهيونى الأول فى بازل بسويسرا، وتبعه بأربعة مؤتمرات أخرى فى بازل آخرها فى الفترة من 22- 23 أكتوبر 1902. فى 8 مايو 1901 قابل السلطان عبدالحميد الثانى فى القسطنطينية.

 فى الفترة من 22- 23 أكتوبر سنة 1902 أجرى هيرتزل محادثات مع جوزيف تشامبرلين وزير المستعمرات البريطانية حينها ووزير الخارجية لورد لاندسدون بخصوص طلبه مستعمرة فى العريش بسيناء، وفعلا تم تنظيم بعثة استطلاع للعريش فى شهر يناير 1903، غير أن مصر رفضت تلك الفكرة رفضا قاطعا. توفى هيرتزل فى 3 يوليو 1904، عن عمر ناهز الأربع والأربعين سنة.

الطبعة التى نحن بصددها باللغة الإنجليزية صادرة عام 1956 عن نيومان للنشر بتل أبيب، وتقع فى 156 صفحة تشمل تمهيدا ومقدمة وخمسة فصول وخاتمة. يقول فى التمهيد: الفكرة التى أطرحها قديمة وهى تأسيس دولة يهودية. أنا لا أخترع شيئا بطرحى تلك الفكرة سواء الحالة التاريخية لليهود أو محاولة تقديم وسائل لتحسينها.

الطرح الذى أعرضه هنا يتضمن توظيف وجود قوة دافعة لحدوث ذلك، لأن كل شىء يعتمد على القوة الدافعة.

هى هنا البؤس الذى يعانى منه اليهود ولا أحد يستطيع إنكار ذلك. ورغم أنه ليس مهندسا أو عالما إلا أنه يوظف مفهوم القوة الدافعة توظيفا علميا دقيقا رغم أنه بالحرفة صحفى وكاتب ومحام وناشط وسياسي. المفهموم العلمى للكلمة هو انها تلك القوة التى تسبب حدوث التفاعلات المختلفة وبالتالى فهى القوة المسببة لحدوث الأشياء.

يقول: الصهيونى يحاول دفع الأذى بكل أنواعه الآتى من العداء للسامية، وأضيف أن وجود الدولة اليهودية ضرورة ملحة للعالم وأنها ستحدث لو اتحد كثير من اليهود واستخدموا قوتهم الدافعة لجعلها واقعا حقيقيا. مقترح فكرة الدولة اليهودية سيفتح أبوابا للحرية والسعادة والشرف وستضمن إنتشار الفكرة .

يتبع ذلك بمقدمة يذكر فيها أن المسألة اليهودية ضرورة ملحة وأنه من الحمق إنكار ذلك. هى كذلك لأن الأمم المتحضرة لم تستطع حتى الآن التخلص من بقايا العصور الوسطى مهما حاولوا. ويضيف: أعتقد أن المسألة اليهودية ليست مسألة إجتماعية أو دينية ولكنها مسألة قومية ويمكن حلها فقط من خلال جعلها مسألة سياسية عالمية تحلها الدول المتحضرة من خلال مجلس، نحن بشر وأمة واحدة.

لدينا قيم أينما حللنا واختلطنا بغيرنا فإننا دائما نحتفظ بعقيدة الآباء والأجداد وهو الأمر الذى لا نستطيع ممارسته فى كثير من الأمكنة وأننا لن نترك فى سلام رغم أننا مواطنون صالحون وأكثر من صالحين أينما حللنا، وأننا ما زلنا نعتبر غرباء فى بعض البلاد رغم وجودنا فيه لمئات السنين وأن العنصرية ضدنا ما زالت متأصلة فى قلوب البعض. غير أنى أضيف أن الظلم والاضطهاد الذى تعرضنا له عبر التاريخ لم تتعرض له أمة عبر التاريخ وتغلبنا عليه. يتعرض بعد ذلك الى الفراغ الذى ستتركه هجرة اليهود من البلاد التى سيتركونها بأعداد غفيرة الى الدولة اليهودية ويوضح أن انسحاب اليهود وهجرتهم لن يؤديا الى أزمات اقتصادية أو اضطهادات، وأنه على العكس من ذلك أن تلك البلاد ستشهد فترات رخاء لأنه ستحدث هجرة داخلية معاكسة للمواطنين المسيحيين ليحلوا مكان اليهود المهاجرين. ستكون عملية الهجرة بطيئة دون إثارة أى قلاقل كبيرة وأنها ستعنى نهاية العداء للسامية.

سيترك اليهود كأصدقاء شرفاء مكرمين وإذا ما قرر بعضهم اختيار العودة فإنهم سيحظون بالاستقبال والمعاملة اللائقين. لن تكون تلك الهجرة هروبا ولكن ستكون عملية منظمة تحت نظر الرأى العام كما أنها ستكون عملية قانونية.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: إيمان المحلاوى “أم مثالية من مصر”

شكرا للتعليق على الموضوع