كيف تتجاوز الماضي وتُقبِل علي الحياة

تقرير – التلغراف: تحدُث التغييرات الفعلية في حياتنا عندما نقرر تحمُّل المسؤولية عن الأشياء التي تقع ضمن نطاق إرادتنا، بدلاً من السعي إلى التحكم فيما لا نستطيع تغييره.

يمكن أن تسبب محاولة التحكم في كل شيء الألم لنا، فقد تكون إحدى الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى التوتر، والتعاسة، والمشكلات على صعيد العلاقات، وغير ذلك كثير، ومع ذلك فإنَّنا نحاول التشبث، والتحكم في كل شيء تقريباً، فمثلاً نحن نكره التغييرات، ونحاول مقاومتها، ونرغب بأن تسير الحياة كما نتمنى، ونتشبث بالمعايير الصارمة التي نعتقد أنَّها مثالية حتى عندما تقوِّض شعورنا بالسعادة.

يخبرنا معظم المدربين، وخبراء الصحة النفسية أنَّ السبب الرئيسي وراء التوتر الذي نختبره بصفتنا بشراً هو رغبتنا الشديدة في التشبث بكل شيء، فمثلاً نحن نتشبث بشدة بالأمل بأنَّ الأشياء ستسير وفق ما نتمناه، ومن ثمَّ نُصاب باليأس الشديد عندما تسير الأمور بخلاف رغباتنا، إذاً كيف نتوقف عن التشبث بكل شيء حتى نُخفف من التوتر الذي نَشعر به؟

الطريقة ببساطة هي بإدراك أنَّه لا يوجد شيء يجب أن نتشبث به في المقام الأول، فمعظم الأشياء التي نسعى بكل طاقتنا للتشبث بها معتقدين أنَّها واقع ثابت وأبدي في حياتنا هي ليست كذلك، وحتى لو كانت كذلك بشكل أو بآخر، فهي مؤقتة وعرضة للتغيُّر، أو قد تكون من وحي خيالنا فحسب، وتصبح حياتنا أسهل بكثير عندما نستوعب هذه الحقيقة.

تخيَّل أنَّك معصوب العينين وتسبح في وسط بركة كبيرة، وتحاول بكل جهدك أن تصل إلى حافة البركة معتقداً أنَّها قريبة منك، في حين أنَّها بعيدة جداً؛ إذ يؤدي السعي الحثيث لبلوغ حافة البركة التي تتخيل أنَّها قريبة إلى إرهاقِك بينما تتخبط في الماء دون وجهة واضحة محاولاً التمسك بشيء غير موجود أصلاً، ومن ثم تخيَّل الآن أنَّك تتوقف لوهلة، وتأخذ نفساً عميقاً، وتدرك أنَّه لا يوجد شيء بالقرب منك لِتتمسك به، ولا يوجد شيء حولك سوى الماء، ولك الخيار الآن بأن تسعى عبثاً لبلوغ شيء غير موجود أصلاً، أو يمكنك أن تتقبَّل حقيقة أنَّك مُحاط بالمياه فقط، وتسترخي لبعض الوقت، وتطفو على الماء، واسأل نفسك هذين السؤالين:

ما الذي تحاول عبثاً التشبث به في حياتك؟

كيف تؤثِّر محاولة التشبث بهذا الشيء في حياتك؟

تخيَّل أنَّ الشيء الذي تحاول التشبث به ليس موجوداً في الواقع، وتخيَّل أنَّك تتخلى عن هذا الشيء، وتسمح لنفسك بالاسترخاء فقط، وفكِّر في التغييرات التي ستطرأ على حياتك من جرَّاء هذا القرار.

لقد تغيَّرت حياة الكثيرين جذرياً عندما قرروا التوقف عن محاولة التمسك بكل شيء، وإليك فيما يأتي:

10 فوائد تحصل عليها عندما تتوقف عن التشبث بكل شيء:

1- التخلي عن بعض الأشياء يتيح لنا تحقيق أشياء أفضل:

يعتمد جانب كبير من قدرتك على تحقيق السعادة والنجاح على استعدادك للتخلي عما تعتقد أنَّ حياتك تحتاج إليه في الوقت الحالي، والامتنان لما تمتلكه حالياً، ومحاولة تحقيق أقصى فائدة منه.

2- التخلي عن بعض الأشياء يسمح لنا باستخدام مواردنا بشكل أكثر كفاءة:

يعني التشبث محاولة التحكُّم فيما لا يمكن التحكم به، وفي حين يعني التخلي، والسماح للأشياء الخارجة عن نطاق إرادتك بأخذ مسارها الطبيعي بأنَّك تؤمن بأنَّ كل شيء سيجري وفق ما هو مقدَّر له، وسيكون على ما يُرام؛ وهذا سيؤدي إلى تلبية احتياجاتك بشكل أفضل، وسيكون لديك على الأقل أعباء أقل، ومزيد من الوقت والطاقة للتركيز على الأمور الهامة في حياتك، وهي الأمور التي تستطيع فعلاً التحكم بها، وذلك مثل بعض العادات اليومية الإيجابية والفعَّالة.

3– التخلي يحررك من التفكير بالأشياء التي تثير قلقك دون داعٍ:

تظن أنَّ مخاوفك حقيقية عندما يسيطر عليك القلق، في حين أنَّها مجرد أفكار لا أكثر، لذا ابذل قُصارى جهدك كي تكون أكثر وعياً في هذه الحالة، وركِّز على عيش اللحظة الحالية، وتخلص من الإفراط في التفكير، ومن ثم تقبَّل الواقع كما هو، وتجاوز الماضي، واغتنم الفرص الحالية.

شاهد 3 نصائح لتجاوز الماضي إلى الأبد “Robin Sharma” “روبن شارما”

4- التخلي عن محاولة التحكُّم بكل شيء يجعلنا أكثر حكمةً وخبرةً في الحياة:

عندما تصر على سير الحياة كما تتمنى، وتحاول التحكُّم في الأشياء الخارجة عن نطاق إرادتك، فإنَّك تحرم نفسك من إدراك الحقيقة دون أن تدري؛ لأنَّك تقاوم المجرى الطبيعي للأحداث بدلاً من تعلُّم الطريقة التي تسير بها الأمور، والحل هو أن تزيد من وعيك تجاه ظروفك الحالية، ومن ثمَّ تستثمر بذكاء الموارد المتاحة لك.

5- التخلي يعزز من تقديرنا للآخرين:

يتعلق الأمر بالتساهل مع الآخرين، وتعلُّم احترام وجهات نظرهم وآرائهم، وطريقتهم في العيش حتى لو تطلَّب ذلك التخلص من غرورك، والخروج من منطقة راحتك، ويتعلق الأمر إذاً بقبول الأشخاص الذين تهتم لأمرهم كما هم بحيث لا يضطرون لتبرير تصرفاتهم، ولا تفرض قناعاتك عليهم ليتصرفوا وفق مبادئك وقيمك.

6- التخلي يجنِّبنا الإرهاق الناجم عن السعي إلى إرضاء الآخرين:

تعرضنا جميعاً في مرحلة ما من حياتنا لأحكام الآخرين غير المنصفة، وسوء فهمهم لظروفنا، ويُرهق بعضٌ منا نفسه بمحاولة تغيير وجهة نظر الآخرين ومعتقداتهم عنه، والحقيقة هي أنَّ معظم الناس يرون ما يرغبون برؤيته فقط، سواء كانت آراؤهم عنك تثير قلقك أم لا؛ لذلك فقد حان الوقت للتخلي عن محاولة التحكُّم في وجهات نظر الآخرين عنك، وتركيز جهدك وطاقتك في القيام بمهامك بأفضل ما يمكن.

7- التخلي يتيح لنا الفرصة كي نطوِّر أنفسنا ونتعافى من الصدمات:

ليس من السهل أن تتعامل مع الصدمات التي يسببها لك الآخرون، ولكن يمكنك أن تتعافى من هذه الأحداث المؤلمة ما دمت مستعداً لتقبُّل الظروف، ومن ثمَّ تجاوزها تدريجياً، فمثلاً قد تفكِّر بعد زواج فاشل بأنَّك ارتكبت أمراً خاطئاً عندما أحببت من كنت تعتقد أنَّه شريك حياتك، وأنَّه ما كان ينبغي عليك الوثوق به، ولكن لن يساعدك هذا النوع من الأفكار على التعافي من هذه العلاقة الفاشلة، فقد حدث ما حدث، وعليك الآن أن تتعامل مع الواقع، ويتم ذلك من خلال تقبُّل هذا الواقع وكل ما ترتَّب عليه من نتائج، فهذه العملية أساسية من أجل تجاوز صدمات الماضي، وتحويلها إلى تجارب تساهم في تطوير ذاتك.

8- التخلي يجعلنا قادرين على مسامحة أنفسنا:

أليس من المُحتمل جداً أنَّ جميع الأشخاص الهامين في حياتك قد غفروا لك أخطاءك وأنت ما تزال تلوم نفسك عليها؟

أحياناً كل ما عليك فعله هو أن تسامح نفسك بعد أن تعترف بخطئك وتتعلَّم منه، لذا تذكَّر أن تحب وتغفر لنفسك، وذلك إذا أردتَ تجاوز الماضي والتعلُّم من أخطائك.

9- التخلي يسمح لنا بالاستمتاع بما تقدِّمه لنا الحياة من مفاجآت:

الحياة مليئة بالمفاجآت السارة غير المتوقعة والجمال الذي يكمن في الأشياء البسيطة التي لا نتوقعها؛ إذ يصعُب علينا أحياناً التعامل مع هذه المفاجآت على الرغم من جمالها.

كم مرةً حدث معك شيء جميل لم تكن تتوقعه، وعجزتَ عن الاستمتاع باللحظة لأنَّك كنت متشبثاً بالماضي وعجزت عن تجاوزه؟

لا تريد طبعاً أن تفقد هذه المتعة لبقية حياتك؛ لذلك فقد حان الوقت كي تتعلم تجاوز الماضي، والتركيز أكثر على عيش حياتك في الوقت الحاضر.

10السماح لنا بالشعور بمزيد من الامتنان:

من ضمن ما يعنيه تجاوز الماضي والتخلي عن محاولة التحكم في كل شيء هو الشعور بمزيد من الامتنان للتجارب المُفرحة والمؤلمة على حدٍّ سواء؛ لأنَّك تعلَّمت منها، وساعدتك على تطوير ذاتك، فأنت تتقبَّل في هذه الحالة واقعك بما تمتلكه الآن، وما امتلكته في السابق، وما يمكن أن يحمله لك المستقبل من فرص، ويتعلق الأمر برمته بامتلاك ما يكفي من القوة لتقبُّل حقيقة تقلبات الحياة، والوثوق بحدسك، والتعلُّم من التجارب التي تمر بها، وإدراك أنَّ جميع التجارب تقريباً هامة، واتخاذ خطوات إيجابية للمضي قُدماً.

تدريب للاسترخاء والتخلي عن محاولة التحكُّم في كل شيء:

إذا كنتَ تبحث عن تدريب عملي يساعدك على تغيير نمط تفكيرك والتوقف عن محاولة التحكم في شيء، فسوف تجد أنَّ التدريب الآتي المؤلَّف من خطوتين فعَّال جداً:

1- توقف بينما تقرأ الآن للحظة وركِّز على تنفسك:

ويمكنك أن تتحكم في أنفاسك وتجعلها أسرع أو أبطأ، أو تغيِّر طريقة التنفس كما يحلو لك، أو يمكنك أن تسمح لنفسك بأخذ الشهيق، وإخراج الزفير بشكل طبيعي؛ إذ يمنحك السماح لرئتيك بتولِّي عملية التنفس دون أي تدخل منك شعوراً بالسكينة، لذا تخيَّل الآن أنَّك تسمح لجميع أعضاء جسمك بالعمل بشكل طبيعي، وتخيَّل أنَّك تسمح لكتفيك المتشنجين بالاسترخاء دون أي تدخل منك.

2- انتقل الآن إلى المكان الذي توجد فيه:

واختر شيئاً من الأشياء الموجودة حولك، وراقبه فقط دون أن تحاول تغيير مكانه، وإذا كان هناك أشخاص آخرون في نفس المكان الذي توجد فيه؛ فقد يكون هذا المكان هو منزلك حيث يوجد معك أفراد عائلتك، فدعهم يتصرفون كما يشاؤون، وفقط راقبهم.

كرِّر هذا التدريب المكوَّن من خطوتين كلما احتجتَ إلى ذلك، فعندما تتوقف عن محاولة السيطرة على كل ما هو حولك من أشياء وأشخاص وأحداث، فإنَّك تسمح للأمور بأن تجري وفق مسارها الطبيعي، ولم تعد بحاجة إلى السيطرة عليها، أو القلق بشأنها، أو محاولة تغييرها، فأنت تسمح لكل ما هو حولك “بالتنفس” مثل رئتيك بسلام، وتتقبَّل كل شيء كما هو، لذا يمكن لهذا التدريب أن يغيِّر حياتك.

5 نصائح بسيطة تساعدك على الاسترخاء

في الختام:

نأمل أن نكون قد غيَّرنا قناعتك، وذلك إذا كنت تعتقد بأنَّ التخلي عن محاولة التحكم في كل شيء هي أمر مستحيل، كما نأمل أن نكون قد وضَّحنا أنَّ التخلي عن محاولة التحكم في كل شيء لا يعني تجاهل ما يحدث معك في الحياة؛ بل يعني الإقبال على الحياة، وتقبُّل الأشياء التي لا تستطيع تغيير مسارها، وذلك حتى تتمكن من التعلُّم منها، واستثمارها لتطوير نفسك.

اقرأ ايضاً

نصائح النجاح لرواد الأعمال الشباب والطموحين

شكرا للتعليق على الموضوع