مصطفى جودة يكتب: يوميات فلسطين «1»

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

آمل أن كثيرا من الأمريكيين سوف يقرأون هذا الكتاب، لأن ذلك لو حدث فإنه سيحدث تأثيرا بالغا عند أصحاب القرار وأنه سيغير الرأى الراسخ لدى الشعب الأمريكى المبنى على المغالطات. ولو أن هناك رغبة لدى الأمريكيين لتوخى العدالة فى القضية الفلسطينية فإن هذا الكتاب سيساعدهم فى ذلك، ولو حدث ذلك فإن الحكومة الأمريكية سترضخ لرغباتهم، مما سيخلق مناخا لتغيير الأمور فى فلسطين. وعليه أطرح سؤالا: هل هذا أمل صعب المنال؟. من الصعب الإجابة عن هذا التساؤل، ولكن الأمر الأكيد هو أن هذا الكتاب سينير الطريق لأى قارئ.

هذه كلمات المؤرخ البريطانى المعروف أرنولد توينبى التى ختم بها تقديمه كتاب يوميات فلسطين، والذى صدر فى جزءين عام 1970.

الجزء الأول مخصص للدور البريطانى فى الصراع، والجزء الثانى مخصص للدور الأمريكى ودور الأمم المتحدة متمثلة فى مجلس الأمن والجمعية العمومية.

 هذه الكلمات تشبه النبوءة لأن حرب الإبادة التى تقوم بها إسرائيل فى غزة خلقت القوة الدافعة لذلك، وما نراه متمثلا فى حركة طلاب الجامعات الأمريكية والجامعات العالمية وكثير من أفراد طوائف الشعب الأمريكى، بدأت تحدث تغييرا كبيرا فى إزالة الغشاوة عن الشعب الأمريكى والرأى العام العالمى التى خلقتها البروباجندا الصهيونية منذ تم الاعتراف بإسرائيل بعد إعلانها دولة بساعات قليلة فى عهد الرئيس ترومان عام 1948، ثم رعايتها والتكفل بها بالكامل اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا بدرجات غير مسبوقة فى تاريخ العالم، لدرجة أوصلتها الى حالة التوحش التى يشهدها العالم منذ السابع من أكتوبر. الكتاب يمثل مصدرا أساسيا ويتيح تغطية كاملة وشاملة للقارئ العادى وللباحث المتخصص للقضية الفلسطينية فى الفترة من 1914 وحتى 1948. صدر الكتاب باللغة الإنجليزية عن مركز الأبحاث الفلسطينى ببيروت ومن تأليف روبرت جون وسامى هداوى، وقدم له المؤرخ الكبير سير أرنولد توينبى.

 من هذا المنطلق فإن تقديم مراجعة للكتاب أمر ضرورى فى هذه المرحلة التى تدفع الأمور نحو تغيير جذرى، بعد أن أوصلتها حكومة نيتانياهو العنصرية الى وضع مستحيل. يقع الجزء الأول فى 425 صفحة إضافة الى مقدمة تمهيدية لتوينبى.

 الجزء الأول يحوى 18 فصلا لشرح خمسة موضوعات أساسية تمثل الدور البريطانى وتدخله فى القضية. هذه الموضوعات هى: التعهد البريطانى لتحقيق الاستقلال العربى، والاعتراف بالصهيونية، ووعد بلفور، الانتداب على فلسطين، ومرحلة الفوضى والتمرد.

كتب توينبى فى مقدمته واصفا الكتاب بأنه عمل كبير يغطى تاريخ فلسطين منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى وحتى عام 1948، وأن الكتاب يضم فى ثناياه وثائق لم توجد فى مرجع قبله، وأن القصة مأساوية نتج عنها طرد أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ فلسطينى من أراضيهم نتيجة تدخل القوى الأجنبية فى شئونهم الداخلية. يشرح توينبى أن وعد بلفور الصادر فى 2 نوفمبر 1917، كان ينص على منح اليهود وطنا قوميا فى فلسطين على حساب الفلسطينيين، وأنه كان مكتوبا بلغة مبهمة وأن صدوره كان يهدف الى دعم اليهود الموجودين فى ألمانيا والنمسا والمجر والولايات المتحدة، وإننى كمواطن بريطانى أشعر بالخزى والعار نتيجة ذلك، وأن ما يدفعنى الى ذكر هذه الحقيقة هو أن بريطانيا كانت تحكم وتتحكم فى فلسطين فى الفترة من 1918- 1948.

إضافة الى ذلك ونتيجة تلك اللغة المبهمة ظن العرب أن بريطانيا تتعهد بأن تكون فلسطين دولة عربية مستقلة، وعلى الجانب الآخر فهم الصهيونيون من تلك النصوص البريطانية المبهمة أن بريطانيا تعدهم بوطن قومى فى فلسطين. ولو أن فلسطين ظلت تحت الحكم العثمانى أو لو أنها أصبحت دولة عربية مستقلة عام 1918، ما استطاع المهاجرون الإسرائيلون القدوم الى فلسطين بأعداد كبيرة وقهرهم العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض.

هذا هو السبب الذى أدى الى وجود إسرائيل الحالية عبر 30 سنة من الهجرة التى منحتهم إياها بريطانيا وفرضتها لدرجة مكنتهم من الهجرة بأعداد كبيرة وسلحتهم بكل أنواع السلاح التى كانت كافية لهزيمة العرب. لقد أصبحت القضية الفلسطينة مأساة عالمية لأنها تمثل ظلما مؤرقا للسلام العالمى، وأن الذنب البريطانى لن تمحوه مذلة الاعتراف بأنها هى السبب فيما حدث. يختم توينبى قوله إنه يكره إدانة وطنه بريطانيا، غير أنها تستحق ذلك. وأضاف ما يشبه النبوءةالتى ذكرتها فى المقدمة، والتى فيما يبدو ستصبح حقيقة فى القريب العاجل.

إضافة الى تمهيد أرنولد توينبى، يقول المؤلفان فى مقدمتهما إن خلق الدولة اليهودية فى 1948، يعد أمرا خارقا مثل الظواهر الطبيعية، لأنه تم خلال خمسين عاما، رسخ خلالها الفكرة الصهيونية لدى اليهود فى مختلف دول العالم خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة مما دفع تلك الدول للتدخل فى فلسطين لدعم تلك الفكرة الصهيونية.فى الفترة من 1897، حيث عقد مؤتمر بازل بسويسرا وحتى نهاية الحرب العربية الإسرائيلية علم 1948. كما ساعدت الثورة التى حدثت فى مجال الاتصالات والمواصلات فى حركة التنقل بالقطارات والسفن البخارية واستخدام التلغراف على المزيد من انتشار الفكرة الصهيونية.

أضف الى ذلك الزيادة الكبيرة فى مجال السياحة والحجاج المسيحيين والحركات التبشيرية الى فلسطين.

الى جانب ذلك، ساعدت حركة القطارات والتلغراف فى سهولة توزيع الصحف والمطبوعات على الجماهير فى كل مكان مما ساعد فى انتشار الحركات القومية والتدويل.إضافة الى ذلك اقتضت المؤامرة تصفية الدور العثمانى فى فلسطين وكبح جماح حركة الاستقلال العربى بالتدخل البريطانى والفرنسى، غير أنه بقدوم القرن التاسع عشر بدأت يقظة العرب لتحقيق الاستقلال نتيجة عدم رضاهم عن الحكم التركى وعدم رغبة الحكومة التركية إجراء الإصلاحات التى يطلبها العرب.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: أيباك « 2ــ2»

شكرا للتعليق على الموضوع