مصطفى جودة يكتب: مصر دولة غنية خلال عشر سنوات
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا
نشرت الأهرام تحقيقا فى عدد الاثنين 10 يونيو، 2024 ورد فيه أن مجلس الشيوخ طلب إنشاء جامعة للذكاء الاصطناعى، وهو أمر مهم إذا ما أرادت مصر أن تكون طرفا مشاركا فى إنتاج سلع الثورة الصناعية الرابعة التى بدأت حسب تقويم الكثيرين فى 2016، التى تشهد الآن منافسات طاحنة بين الكثيرين من الدول المساهمة فيها بفاعلية، لدرجة أن دولة الإمارات العربية لديها وزارة للذكاء الاصطناعى كما أن المملكة العربية السعودية خصصت 50 مليار دولار للذكاء الاصطناعى، كما أن دولا إقليمية أخرى تستثمر فى تقنيته بسخاء كبير.
من هنا فإن مصر لا تملك رفاهية التقاعس فى ذلك المجال وبقية مجالات الثورة الصناعية الرابعة، لأن المتخلف عنها سينفصل عن المستقبل كثيرا لأنها تختلف عن الثورات الثلاث السابقة كثيرا نتيجة ما تحدثه من معدلات تغيير هائلة تحدثها آلياتها وأهمها الطباعة ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الحيوية وإنترنت الأشياء التى تمكن مستخدمى الإنترنت من توصيل الأجهزة المستخدمة من حاسبات روبوتات بالإنترنت، والطاقة المتجددة والروبوتات والتكنولوجيا الكمية والحاسب الكمى الذى سيغير الدنيا تغيرا ثوريا غير مسبوق والذى يشهد تنافسا محموما بين المتنافسين فى استخداماته وتصنيعه وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة وروسيا واليابان وغيرها لأن الذى يسبق فيه ستكون له الغلبة حتما، وهى غلبة تفوق الانتصارات فى المعارك الحربية.
هناك أولويات يجب التركيز عليها وهناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها: أليس هذا نوعا من الرفاهية ويجب بدلا من أن نركز على الصناعات التقليدية؟.
كيف سننافس مع الحيتان الجبارة الذين سبقونا بالعلم ولديهم العلم والمال؟. هل لدينا الكوادر الأساسية للنجاح فى ذلك؟، أليس من الأفيد الانتظار ونحن لدينا أولويات أساسية؟، إضافة الى كثير من الأسئلة الأخرى التى قد يطرحها المثبطون والذين لا يدركون خفايا ما يحدث وخطورة ما قد يحدث لو تخلفنا عن الركب السريع الخطى الذى لا ينتظر أحدا، ولا يدركون أن كل مليون تستثمر فى تعليم وأبحاث وصناعات تلك المجالات قد يدر عائدا يقدر بمئات الملايين دون مبالغة.
إن التاريخ يعيد نفسه فقد كانت هناك تجربة مصرية مماثلة فى بداية عهد محمد على جديرة بالذكر هنا والتى كللت بالنجاح لمصر وللمصريين. كانت هناك الثورة الصناعية الأولى، وكان هناك أساطينها الذين يمتلكون المال والعلم، بدأت فى بريطانيا عام 1760، عقب اختراع الآلة البخارية ثم انتقلت الى اليابان والولايات المتحدة وكثير من الدول الأوروبية. عندما بدأ محمد على حكمه عام 1805 كانت الصناعة شاغله الأكبر، لأنه دونها لن يتمكن من بناء جيش قومى قوى. كان محمد على طموحا وليست لديه الكوادر الكافية ولكن كانت لديه الإرادة التى أوجدت عنده القوة الدافعة.
إن تجربته التى كللت بالنجاح، جديرة بالتدبر لأنها تدعو للتفاؤل، وأنه لاشىء يستحيل على القلب الشجاع، كما أنها جديرة بالذكر والمقارنة. بداية مصر الآن غير مصر التى كانت فى بداية عهد محمد على. على حد تعبير محمد على نفسه: “عندما توليت حكم مصر لم يكن هناك 200 شخص يجيدون القراءة فى مصر”.
مصر الآن بها كوادر كثيرة لا تقل عن نظيراتها بالدول المتقدمة، كما أن أبناءها بالخارج من الرواد فى تلك المجالات المتقدمة. وكل ما تحتاجه هو خطط إستراتيجية ناجحة تدير محصلة قواها فى الاتجاهات المطلوبة.
هذه الاتجاهات تحددها رغبة الدولة المعلنة فى ضرورة التركيز على الصناعة فى المرحلة المقبلة وتخصيص الأموال الكافية للتعليم بداية من المرحلة الابتدائية والثانوية والجامعية ثم الإنفاق بسخاء على البعثات العلمية والفنية والبحث العلمى ثم التصنيع. كل هذه الخطوات يجب أن تكون فى نفس الوقت مع البحث العلمى الذى سيؤتى أكله أضعافا مضاعفة حتما. بالإضافة الى ذلك تملك مصر رصيدا ليس له نظير فى العالم من أبنائها بالخارج من العلماء والمهندسين والذين يسهمون على أعلى مستوى وبفاعلية كبيرة فيما يحدث من تقدم لتلك الدول التى يعملون بها، كما أن مصر الآن لديها البنية التحتية الهائلة.
حاليا يوجد تنافس شديد بين أمريكا والصين وتنفق كلتاهما بغير حساب لإحراز قصب السبق فى هذا المضمار. تستطيع مصر أن تستعين بأبنائها الخبراء بالخارج فى تلك المجالات والذين بإمكانهم تقديم الكثير فى تطوير المقررات العلمية وفى التصنيع. هذه العملية تشبه ما فعله محمد على فى استقدام العمالة الماهرة لإنجاز خطته الإستراتيجية من إيطاليا وفرنسا ومالطة وغيرها من مختلف البلاد الأوروبية وكانت أجورهم باهظة التكاليف نتيجة عدم توافر تلك العمالة الماهرة فى مصر حينها مما جعله يرسل البعثات التعليمية منذ 1813 الى 1844، وهو الأمر الذى أدى الى عملية تمصير كبيرة عقب عودة أولئك المبعوثين والذين أثبتوا جدارتهم وقدراتهم وفاقوا الأجانب فى كثير من المجالات.
نجحت مصر فى الثورة الصناعية الأولى وحرمها الاستعمار من النجاح واستدامته فى الثورتين الثانية والثالثة. ليس هناك خيار الآن أمام مصر إلا أن تبدأ مع الركب المتقدم وألا تقف مع المتفرجين. العملية حياة أو موت وستختار مصر الحياة.
مصر لديها فرصة كبيرة للمشاركة فى تلك الثورة، لأنها تمتلك أهم مصدر من مصادر نجاحها وهو الطاقة المتجددة التى يحتاجها العالم ومصر من ملاكها الأساسيين حيث يمكنها إنتاج طاقة شمسية تبلغ 5000 ضعف ماينتجه السد العالى، وطاقة من الرياح تبلغ 6 أضعاف إنتاجه أيضا. هذه العوائد ستدر ثروات هائلة وستمول أيضا صناعات الثورة الصناعية الرابعة كلها وهو الأمر الذى سيجعل مصر دولة غنية فى أقل من عشر سنوات بالورقة والقلم.
gate.ahram
اقرأ للكاتب
مصطفى جودة يكتب: حبل من الكونجرس