مصطفى جودة يكتب: الحل النهائى للمسألة الفلسطينية «1 ــ 2»
أ.د: مصطفي جودة
رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا
أصبح لا ينقضى يوم منذ بداية فترة رئاسة الرئيس ترامب الثانية دون أن يسمع العالم كله أشياء مستفزة وقرارات مؤثرة على الجميع فى مقابلاته الصحفية أو أثناء ترحيبه بزائر له. الرجل لا يكاد يترك القلم خلال الخمسة عشر يوما الأولى منذ مجيئه الثانى وهو يوقع أوامر رئاسية، أو الإدلاء بتصريحات غريبة وغير مألوفة، مرة بأنه سيشترى جزيرة جرينلاند من الدنمارك، ومرة بأنه سيستولى على قناة بنما، ومرة بإلغاء المنح والقروض الفيدرالية بأمريكا وخارجها، وكذلك المنح التعليمية لآلاف من الطلبة الأجانب الذين يحصلون عليها إسهاما من الولايات المتحدة فى تعليمهم، ومرة بأوامر ترحيل المهاجرين والأجانب، ومرة بترحيل كل من يساهم فى مظاهرة ضد إسرائيل فى تظاهرات طلاب الجامعات الأمريكية وترحيل أى أجنبى يجرؤ على الخروج فى مظاهرة ناقدة لإسرائيل، رغم أنه أعلنها مرارا أثناء حملته الانتخابية أنه مع حرية الرأى ربما إرضاء لابنه الأصغر الشاب بارون الذى استطاع استمالة نسبة كبيرة من الشباب للتصويت لأبيه، وهو الأمر الذى يحدث لأول مرة فى التاريخ أن تصوت تلك الفئة العمرية لرئيس من الحزب الجمهورى والتى كان لها دور مهم فى فوز ترامب.
كان يوم الثلاثاء الموافق 4 فبراير 2025 واحدا من تلك الأيام، وكان الأخطر على الإطلاق بالنسبة لنا، وكان أكثرها إثارة. هذا اليوم يمكن أن يطلق عليه مقترح «الحل النهائى للقضية الفلسطينية»، كما يريده الرئيس الأمريكى ترامب فى فترة حكمه الثانية.
وقف الرجل والخلق ينظرون جميعا إليه كيف يهدم كل أساسيات القوانين والأعراف الدولية، وكل ما تعارفت عليه البشرية فى العصور القديمة والحديثة، وكأنهم كانوا يتوقعون منه أنه سيتحفهم كالمعتاد بمفاجأة وصدمة من العيار الثقيل.
كانت المناسبة للترحيب بزيارة نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى الذى أتى لأمريكا ربما لحضور ذلك الأمر، وليجس درجة دعم الرئيس ترامب لإسرائيل فى بداية فترته الرئاسية الثانية، وكما قيل بعدها إنه كان على علم بما سيقوله ترامب. أعلنها الرئيس ترامب ونيتانياهو واقفا على يساره يبتسم ابتسامة من حصل على جائزة نوبل وهما فى المؤتمر الصحفى الذى تناقلته كل وسائل الإعلام العالمية على الهواء، وقال ضمن ما قال فيه: «أنا أستحق جائزة نوبل للسلام، ولكن الأكاديمية السويدية لن تمنحها لى، ثم أشار بأصابعه الى ضيفه الأغر: نحن أصدقاء لإسرائيل ولدينا الزعيم بها، والذى قام بعمل جيد.
«إن الجميع فى الشرق الأوسط يريدون السلام ونيتانياهو يريد السلام كذلك. أنا أتحدث عن غزة التى لا تقل فى روعتها عن الريفييرا الفرنسية ومن هنا لا بد من ترحيل الفلسطينيين وإخراجهم منها حيث يمكنهم الذهاب الى دول أخرى. لدينا فى غزة وضع خطير خاصة مع وجود الذخائر غير المتفجرة والأنفاق، وهو الأمر الذى يمثل وضعا صعبا ومعقدا لكننا سنحل المشكلة. سأرسل الجيش الأمريكى لأخذ غزة وإدارة الأمور بها».
وصف أحد المعلقين الأمريكيين ما قاله الرئيس الأمريكى بأنه يشبه زلزالا قوته 9 ونصف درجة على مقياس ريختر للزلازل.
بالنسبة للقضية الفلسطينية هو أمر شبيه بالحل النهائى للمشكلة اليهودية خلال عامى 1941، 1942 وسط خضم الحرب العالمية الثانية والذى بدأت بلورته قبلها بعشرين عاما بفكرة طرحها هتلر عام 1922 فى حديث صحفى له أنه بمجرد وصوله للسلطة سيقوم بإبادة جماعية لليهود.
عندما تولى السلطة فى 30 يناير 1933، حدثت مقاطعة للمحال اليهودية بعدها بشهرين فى أبريل 1933، وفى سبتمبر1933 أصدر قرارا بحرمان اليهود من الجنسية الألمانية، وفى نوفمبر 1933 دمرت أماكن العبادة اليهودية وتم اعتقال الآلاف من اليهود، وفى 1940 طرحت مدغشقر لترحيل اليهود اليها وهى الفكرة التى فشلت ولم تنفذ، وفى 31 يوليو بدأت عملية التخطيط للحل النهائى لليهود، وفى ديسمبر 1941 أعلن هتلر نيته بخصوص إبادة اليهود عقابا لهم على اندلاع الحرب، وفى 20 يناير 1942، تمت مناقشة تفاصيل ترحيل اليهود الى معسكرات الموت والتى تم تشغيلها كما تم عقبها مناقشة بناء معسكرات الإبادة طبقا لما ترويه مصادر الهولوكوست.
كان مصطلح الحل النهائى للمسألة اليهودية تعبيرا استخدمه النازيون ويرمز الى القتل الجماعى لليهود فى أوروبا. صدر بعدها تصريح أخطر للرئيس ترامب قال فيه إنه سيناقش غدا مع نيتانياهو ضم أجزاء من الضفة الغربية الى إسرائيل، إيفاء بموعدة وعدها للبليونيرة الإسرائيلية الأمريكية ميريام أديلسون والتى تبرعت لحملته الانتخابية بأكثر من سبعين مليون دولار، والتى ظهرت معه فى إحدى خطاباته الانتخابية لتعلنها على الملأ أن ترامب سيعلن ضم الضفة الغربية لإسرائيل فى حالة فوزه كما فعل من قبل فى نقل السفارة الأمريكية الى القدس، وكما اعترف رسميا بضم أراضى الجولان السورية الى إسرائيل. عندما جاء دور نيتانياهو للتعليق على تلك الوعود الخيالية تكلم وهو لا يكاد يتمالك شعوره بالسعادة والنشوة مثنيا على الرئيس ترامب، واصفا إياه بأنه أعظم صديق لإسرائيل فى التاريخ. صدرت بعده فى الحال تغريدات من الكثيرين من اليمين الإسرائيلى أشهرها جملة أمريكية مشهورة ومأثورة، كتبها بن غفير أحد الوزراء المتطرفين فى حكومة نيتانياهو على منصة إكس: «هذه بداية علاقة جميلة». رفضت مصر بقوة ذلك الاقتراح الخطير عبر بيان لوزارة الخارجية مفاده أن مصر تدعم الحقوق الفلسطينية ولا توافق أبدا على ما قاله الرئيس ترامب من أمور مخالفة للقانون الدولي. كما أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا قويا رافضة فيه ما جاء على لسان ترامب، وذكر البيان السعودي أنه لا بديل للسلام إلا عبر حل الدولتين.
gate.ahram
اقرأ للكاتب
مصطفى جودة يكتب: أشهر الدعايات والشائعات «4-4»


