مجدى قاعود يكتب : القاهرة – الرياض .. تحيا حياة البدو (4)

استكمالا لما بدأناه فى المقالات السابقة من التجارب التى عشتها بمدينة الرياض منذ اكثر من عشرين عام، ومقارنتها بما نحياه فى قاهرة المعز.

عملت فترة اثناء وجودى بالمملكة فى شركة امريكية تنفذ مشروع خط انابيب بترول، تربط بين مدينتى الجبيل – شرق المملكة، ومدينة ينبع – غرب المملكة.

كان المشروع ضخما يربط مابين شرق وغرب المملكة، يعبر الصحراء القاحلة ، صيف شديد الحرارة، وشتاء يصعب تصوره.

وفى احدى ايام الشتاء القارس، كنت اركب سيارتى ذات الدفع الرباعى  اتنقل مابين نقطة واخرى من نقاط المشروع، والتى يفصل بينها العديد من الكيلو مترات، وبينما انا اسير فى الصحراء، واذا بالغيم يجعل النهار ليلا، ويبدا المطر فى الانهمار، كنا فى اوان أذان العصر، واذا بالظلام من الغيوم وكان الليل حل.

وإذ فجأة ادخل فى بركة من المياة وتتعثر السيارة عن السير، ورغم دفعها الرباعى الا أن عدم خبرتى وخوفى من حلول الليل جعلنى اتعامل مع الموقف بشئ من  العصبية المفرطة، مما أدى لحدوث حفرة عميقة أدى الى أن تغوص عجلات السيارة فى باطن الارض ولا اتمكن من التعامل معها.

توقفت لبرهه افكر.

مالموقف اذا حل الليل ولم استطيع الخروج من المازق؟

لم تكن هناك وسائل للاتصالات كما هو الحال الان.

نعم لدى بعض المؤن والمشروبات، لكن ماهو الحل؟

هل سيشعر بى احد؟

هل سيتساؤل العاملون … اين ذهبت؟

عموما قلت لنفسي .. دعنى احاول ولن استسلم لافكارى.

حاولت مرات ومرات دون جدوى.

وبينما انا احاول الخروج من المازق اذا بى الاحظ ضوء لسيارة قترب منى، حمدت الله أن هناك شخص سيشاركنى هذا الموقف.

اضئت له نور السيارة قاقترب منى واتى إلي.

كان شخص يركب سيارة نصف نقل – وانيت كما يطلق عليها بالسعودية – ملثم بالغترة وهى عادة يفعلها اهل المملكة فى الشتاء.

 سألنى وهو راكب سيارته، ماذا حدث لك؟ ومالذى اتى بك الى هنا؟

وكانت المفاجأة، انه صوت امرأة، صحيح انه لايسمح لهن فى المملكة بقيادة السيارات، لكن الامر مختلف لدى بدو الصحراء.

سألتها، هل أنت امرأة؟

اجابت نعم وهل يختلف الامر.

وسألتنى، انت لم تجب على سؤالى؟

قلت لها ماحدث واننى أعمل لدى الشركة التى تنفذ خط الانابيب.

ضحكت وقالت وكيف يحدث لك هذا ولديك مثل هذه السيارة، الا تشاهد السيارة التى اركبها.

قلت ربما لقلة الخبرة، ولكن هذا ماحدث.

قالت ممكن تترك لى السيارة لأتعامل معها.

ركبت سيارتى وتعاملت معها بكل الحرفية، كانت معلقة على الباب تلاحظ حركة العجلات.

وبكل سهولة ويسر اخرجت سيارتى من الحفرة التى صنعتها لها.

الى اين ستذهب؟ سألتنى

الى الرياض اذا تعال ورائى لأرشدك للطريق .

وبينما اسير ورائها اذا بها تدخل على مخيم بدو فى وسط الصحراء.

قلت فى نفسى، اه رحت بلاش وعلية العوض.

توقفنا بالمخيم وانا التزم سيارتى، فخرج علينا رجل مسن، قالت له يا أبى هذا مصرى قد ضل الطريق ويريد الذهاب للرياض.

قابلنى الرجل بكل ترحاب واصر على نزولى للمخيم، وطلب من ابنته أن تجهز لى الطعام، وأصر على أن اخذ اولا واجب الضيافة ثم يرافقنى شخص للطريق.

تحدث معى عن مصر والمصريين وفضلهم على كل العرب.

وعندما اصررت على الرحيل وباننى بالفعل لا أرغب فى تناول الطعام، وبعد الشكر والالحاح، اتى الى بحليب الابل كى اتناولة كنوع من الترحاب لدى البدو، وداعبنى قائلا: هو تقيل شوية بس مفيد.

قلت لقد تعودت علية واحب شربه.

انتهيت من تناول الحليب، فصاح لنجله أن يرافقنى للطريق.

خرجت السيدة التى انقذتنى وسلمت على ورافقنى اخيها لطريق الرياض.

كم كنت خائفا عندما توجهت بى إلى المخيم، وكم كانت سعادتى عندما وصلت لطريق الرياض.

نعم انها الاخلاق العربية البدوية الاصيلة، الكرم والجود والاصول والترحاب ومساعدة المحتاج.

شكرا لتلك السيدة التى لا أعرف هل ستصلها رسالتى تلك بعد كل هذه السنين، ربما تصل او تصل لشعب كريم خرجت منه وانتمت اليه.

انها الشهامة العربية.

تحيا حياة البدو

شكرا للتعليق على الموضوع

مجدى قاعود

رئيس مجلس الإدارة مستشار قانوني صاحب مكتب قاعود للاستشارات القانونية وأعمال المحاماة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *