ألغاز خريطة الريس بيري!

عثر على هذه الخريطة العتيقة والفريدة في قصر “توبكابي”، أكبر القصور العثمانية في إسطنبول عام 1929، ومنذ الوهلة الأولى أذهلت العلماء والخبراء.

ومرد ذلك أن هذه الوثيقة الهامة المعروفة بخريطة الريس بيري، أظهرت القارة القطبية الجنوبية وهي خالية من غطائها الجليدي، ولم تعرف حدودها الترابية إلا متأخرا في عام 1959 بفضل استخدام أدوات تقنية متطورة في حينها، ولذلك كانت الدهشة التي تحولت إلى سؤال يؤرق المختصين مفاده، كيف تمكن القائد البحري العثماني أحمد محيي الدين بيري، الشهير بالريس بيري من معرفة حدود القارة القطبية بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر؟.

وأنجزت خريطة الريس بيري في عام 1513 في الدولة العثمانية في مدينة القسطنطينية، وتظهر القارة الأوروبية فيها بوضوح وشمال إفريقيا، كما تبدو جلية سواحل البرازيل وأمريكا الجنوبية.

وتضمنت هذه الخريطة اللغز أيضا جزر المحيط الأطلسي العديدة بما في ذلك جزر الكناري والأزور، والأكثر أهمية وغرابة أنها أظهرت معالم اليابسة في القارة القطبية الجنوبية المتجمدة، وهذا ما يعده الخبراء بالأمر المستحيل قياسا بالتطور العلمي في تلك الحقبة.

جرى اكتشاف هذه الخريطة عام 1929 خلال أعمال لبناء متحف في قصر “توبكابي”، ومنذ حينها عرف العلماء والخبراء أنهم وضعوا أيديهم على أقدم وثيقة جغرافية، صوّرت فيها لأول مرة القارة الأمريكية الجنوبية بتموضع صحيح قياسا بالقارة الإفريقية.

وبدأت رحلة دراسة هذه الخريطة الفريدة في عام 1953، حين أرسلت نسخة منها إلى الوكالة الجغرافية العسكرية للقوات البحرية الأمريكية التي بدورها أحالتها على “Arlington H. Mallery” الخبير في الخرائط القديمة.

وبعد دراسة وتحليل دقيقين، تمكن خبير الخرائط الأمريكي من معرفة الطريقة التي اتبعت عند رسم خريطة الريس بيري، ولاختبار دقة هذه الخريطة القديمة قام بصنع نموذج لها ووضعها خريطة عصرية، فأذهله التطابق التام لجميع القارات في الخريطتين.

وتوصل هذا الخبير إلى نتيجة قاطعة مفادها أن مثل هذه الدقة المتناهية لا يمكن الحصول عليها من دون مسح جوي لليابسة على الأرض، مشددا على أنه لرسم مثل هذه الخارطة يتعين أن يكون صاحبها على معرفة بعلم المثلثات الكروي الذي ظهر أول وصف له في القرن السادس عشر.

والجدير بالذكر أن خريطة الريس بيري المحفوظة في الوقت الراهن داخل مكتبة قصر “توبكابي” في إسطنبول قد وُضعت بعد 21 عاما من اكتشاف كولومبوس للعالم الجديد، ويؤكد بعض الخبراء أنها أنجزت بالاستعانة بمصادر مختلفة بما في ذلك الأكثر قدما، في حين بيري نفسه يصف هذه الوثيقة الجغرافية بأنها خريطة العالم أيام الإسكندر الأكبر في القرن السادس قبل الميلاد!

ولا يزال الخبراء يدفعون بالعديد من الفرضيات لكشف سر هذه الخريطة الفريدة بعضها يتسم بالكثير من الخيال من ذلك القول بأنها رُسمت بالاستعانة بوثائق قديمة من مكتبة الإسكندرية المفقودة.

وعلى الرغم من صعوبة مهمة فك ألغاز هذه الخريطة، إلا أن الخبراء المختصين يواصلون بدأب البحث عن حلول معقولة للسر الكبير الذي تكتمه بعناد هذه الوثيقة الجغرافية الفريدة.

روسيا اليوم

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *