هشام رحومه يكتب : الكراسي الموسيقية

لعبه الكراسي الموسيقية مارسناها جميعآ فى طفولتنا كما لو كانت مقرره علينا نحن و الاطفال الموجودين خارج العاصمه مع مراعاة فروق اللحن الموسيقي، حاولت أن أبحث عن فائده لها  تكسب من يلعبها مهاره أو معلومة فلم أجد بل على العكس تزرع فى الاطفال الحقد على من هم داخل اللعبه لانهم خسروا بلا ذنب لهم، لأن اللعبه أصلا مبنية على عدم التكافؤ.

 هذا ما رأيته فعلا فى عيون الاطفال البريئه فى إحدى الحضانات عند احضار ابنى منها، ولكن التفاؤل صاحبني عندما رأيته لا يلعب هذه اللعبه معهم فحدثت نفسي بكبرياء ” طبعا انه ابنى فلذه كبدي اكيد سياخذ منى جزء من التفكير الصائب الصحيح ” وعندما لاحظ مجيئي انطلق بسرعه نحوي رافعآ يداه لأعلى وصدم رأسه الصغير فى بطنى التى امتصت الصدمه بفضل الكرش الكبير فلم أشعر بها وسألته وأنا أقبله ” انت ليه مبتلعبش مع الأولاد لعبه الكراسى الموسيقيه” فرد مسرعا ” لا منا كنت بلعب معاهم وطلعت اول واحد “

 فأخذته مسرعآ من يده كأني لم أسمع شيئآ وفي الطريق توقفت سيارتي كالعادة من شده الزحام عند عودتى بها إلى المنزل مع المحروس ابني لفت انتباهى حشود من الناس فتذكرت أنهم نفس المجموعه الغفيره التي أراها كل يوم في نفس المكان منتظره ميني باص أو ميكروباص ينقلهم إلى منازلهم، فقفذت اللعبه مره أخرى إلى رأسى وانا أرى تزاحم الناس على كراسي المينى باص على حساب بعضهم البعض غير منتبهين لشيخ كبير أو امرآه عجوز أو سيده بأطفالها لن يستطيعوا المشاركه فى لعبه الباص للفوز فى النهايه بكرسي العوده، وهذا فعلآ ما كنا نفعله صغارا ونحن لا ندري بأن نبطىء حركاتنا أو نسرعها أو حتى ندفع من هو بجانبنا حتى لا يجلس قبلنا ولا مانع من أن ندفعه حتى وإن جلس ونقنع أنفسنا اننا جلسنا قبله.

 حاولت أن أشتت تركيزي بعيدآ عن تطبيقات هذة اللعبه القديمه التى أراها في حياتنا، وأدرت مؤشر الراديو لكي أسمع أي شىء يصفي لي ذهني.

 وبعد أن غنّى عبد الحليم وهدأت بعض الشىء جاءت الأخبار لتذكرنى بالكراسي مره اخرى ولكن هذه المره ليست كراسي عاديه كالكراسي الخشبية التى كنا ندور حولها ونحن أطفال، ولا حتى كالكراسي الحديدية فى الاتوبيسات والمينى باصات ولكنها كراسي ذات قيمة محشوة قطنآ ومغلفة بالجلد الطبيعي ومختلفة أيضآ عن أي كراسي أخرى انها مريحة جدآ لدرجة أن من يجلس عليها لا يريد أن يتركها أبدا، ومع انها كراسي ولكنها مصروف عليها (شىء وشويات)، ولذلك لا تسمى كراسي كأي كراسي طبعآ لكنها تعتبر من أرقى الأنواع فى سلسله الكراسى إن جاز التعبير، فانتشرت باسم المقاعد.

 وكان الخبر الذى ذكرني مره اخرى بالكراسي الموسيقيه هو (انتخابات مجلس الشعب)، ومقاعدها التى يتنافس عليها أضعاف أضعاف ولن أكون مبالغآ إن قلت أضعاف لثالث أو رابع مره من المقاعد الموجوده فى المجلس ويمارسون نفس اللعبة الطفولية بعقول (عيال) فنجدهم يتسابقون حول الكراسي، وينشرون الشائعات والاكاذيب على بعضهم البعض، وفضح الحقائق المستوره حتى يبقى اثنين منهم على مقعد واحد فيعيدوا الدوران حول هذا المقعد بنفس الأساليب السابقه، وإن زادت بقتل أحد المرشحين للآخر لانه تعدى حدوده قبل أو بعد فوز أحدهم بالمقعد الملعون، تذكرت جدي عندما عُرض عليه كرسى فى الوزارة فرفضه بكل بساطة وقال لأولاده اللذين عاتبوه:  ” اضمن مكان في الجنه احسن “

 مع ان كرسي الوزاره جاءه من (غير الدوران اياه) حول الكراسى، ولكنه آبى أن يدخل فى منافسة للأسف ستكون غير شريفة ليجلس فى النهاية على كرسي .

 فسمعت ابنى يتحدث معي بنبرة (الزهقان)  ” أنا تعبت بقى من قعدت الكرسي عاوز أروح ” فنظرت إليه وقلت في نفسي” :

هو انت بتسمي اللي انت قاعد عليه ده كرسي .. آه لو تعرف الكراسي اللى بتدور فى دماغي، وأوعدك لما تكبر هتفهم كل حاجه وتختار تعمل زى جدو ولا زي عضو مجلس الشعب” .

بقلم : د. هشام رحومه

شكرا للتعليق على الموضوع