أشرف ابوعابدة يكتب :تراجع فاعلية النظام العربي في ظل تدخل دول اقليمية

الحديث عن نظام عربي في ظل التطورات الحاصلة، والأختراق الكبير الذي يمزق جسده ويلغي دوره الفاعل؛ يبدو الأمر على الأقل في نظر الكثير من شعوب المنطقة كلاما عن ظاهرة ماتت ولم يعد لها أي أثر بالنسبة للسوري والفلسطيني والليبي واليمني والعراقي، ويبدو الأمر مستفزا؛ بل أقرب الى الدعابة التي لامعنى لها. فهي ترى انفراط عقد العالم العربي وتفتت دوله وتأكل خرائطه؛ ولم يبقى للزعماء العرب إلا قمة تنعقد بإنتظام وللأمة جامعة يفترض أن تكون واجهة لها من دون أن يكون للقمة والجامعة صلة بما يجري على الأرض من دور وفاعلية؛ في ظل بروز دور دول اقليمية كإيران وتركيا وتدخلهما الفاضح والفاعل في الشأن العربي. وهذا يطرح بقوة تساؤل : هل الاختراق الخارجي للنظام العربي أفقده فاعليته في القيام بوظائفه وحماية أمنه القومي ونالت من تماسكه وقدراته؟

مع ذلك مازال النظام من حيث الأطر والمؤسسات على قيد الحياه، ومازال شكلانيا على الأقل يمثل إطارا ناظما تنظم علاقات الدول العربية، التي لا تزال على قيد الحياه في داخله، وما زال يشكل أحد مرجعيات القرار الدولي في ما يخص المنطقة.

مر النظام العربي بأزمات كثيرة منذ أزمة الخليج الثانية عام 1990 مرورا بالتسوية السياسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين وغزو العراق عام 2003 وحرب الاحتلال على لبنان صيف 2006 والاعتداءات الاسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة، وأحداث الربيع العربي وما رافقها من اختراق خارجي متزايد، شهدت كل تلك القضايا مواقف عربية متباينة بوضوح وخاصة القضية الفلسطينية، وتضارب في المصالح وتبادل للأتهامات داخل المنظومة العربية، وانحسار في الفكر الاستراتيجي، وصعوبة الاتفاق على الحد الأدنى من التعامل داخل هذه المنظومة. وهي مؤشرات على المأزق الذي مني به النظام العربي فيما يتعلق بصون أمنه القومي وحماية استقلال دوله وسيادتها ووحدة ترابها الوطني.

وأرى أن هناك عدة عوامل أدت مجتمعة الى تراجع الدور العربي، وهي تضرب في جذور النظام وفلسفته، فعدم قدرة مراكز صنع القرار العربي على استشعار المتغيرات والتطورات بنظرة موضوعية واكتفت بسياسات تسكينية مؤقته للأزمات، وانكفاء أعضاء النظام عن أي عمل مشترك من خلال مؤسسات وهيئات النظام، تصادم الرؤى للأزمات الحاصلة في البيئة العربية وذلك من خلال الاختلاف في رؤية الأوزان النسبية للمخاطر ومصادرها ومصالح كل طرف تجاهها، وتضارب اتجاهات تحالفاتها، وعدم قدرة النظام على استثمار موارده وإمكانياته وتوجيهها الوجهة الصحيحة في إطار من الوعي الاستراتيجي بما لا يتعارض مع المصالح القومية والوطنية، النظرة الى الذات العربية بالضعف وأن الغرب يمثل الظهر الحامي للأمن العربي من خلال تسويق أوهام دعم عملية السلام وحل القضية الفلسطينية، تزعزع روابطه وسطوة الدولة الوطنية على مفهوم الدولة القومية وتداعي المصالح القومية أمام أولوية المصالح الوطنية، ظهور حركات انفصالية تطالب بالاستقلال ودخول المنطقة حرب طائفية لا يمكن التكهن بالمدى الذي ستصل إليه وازدياد التطرف.

ترسخ حالة الاختراق بشكل عميق في البنى العربية وذلك عبر محاولات قوى الجوار الاقليمي التدخل في شؤون وقضايا المنطقة، وهو مايبدو واضحا في حالتي إيران وتركيا في المشرق العربي، ومحاولات إيران الدءوبة لترسيخ اختراقاتها التى باتت تمس الأمن القومي العربي عبر تهديد مراكزه وتخومه، من خلال دخولها بشكل فاعل في القضايا العربية. وهنا شعر بعض مكونات النظام العربي ان عنصر التهديد الاساسي للنظام العربي هو إيران بدلا من الاحتلال الاسرائيلي، وهو ما أدى لتراجع مكانة القضية العربية المركزية (القضية الفلسطينية).

فإيران كدولة اقليمية تمتلك المقومات الاساسية للعب دور اقليمي يحقق لها مصالحها -من إعادة أمجاد فارس وتوسع نفوذها-لما تمتلكه من كتله بشرية وامكانات وموارد مالية ونفطية وموقع جغرافي وامتداد تاريخي وتأثير معنوي متواصل على جوارها الجغرافي، في ظل غياب مشروع عربي.

من جانب أخر فقد ارتبطت التحولات الاستراتيجية والسياسية التى شهدتها تركيا ارتباطا وثيقا بالتوازنات الاستراتيجية والسياسية في العالم العربي بالنظر الى المشترك التاريخي والحضاري العام الذي جمع بينهما، وما شكله صعود حزب العدالة والتنمية الى السلطة وانتهاج سياسة الانفتاح في علاقاتها مع دول الجوار، ومحاولة إعادة أمجاد الدولة العثمانية من توسيع نفوذها وتأثيرها. فالطرفان يدعمان توجهات أحزاب داخل دول عربية مثل حزب الله في لبنان وحركة حماس والجهاد الاسلامي في فلسطين وعلاقة ايران بشيعة العراق والحوثيون في اليمن، كذلك علاقة ايران بسوريا وتشكيل محور طهران – دمشق محور المقاومة.

خلاصة القول النظام العربي يمر بتحولات خطيرة جدا ربما لا تصح معها اطلاق صفة الموت، لأن النظام العربي ومهما تكن طبيعة المألات التي سينتهي لها سيبقى محكوما بعدة عوامل تجعل موته أمرا مستحيلا كالجغرافيا والاثنية وحتى بدرجة نسبية الدين والموروث التاريخي والحضاري، وسيبقى محكوما بتفاعلات وشبكة من العلاقات، حتى لو لم تأخذ الصبغة الرسمية المنظمة.

وهنا يصح اطلاق صفة الولادة على الحالة التي يمر بها لأنه من المستحيل العودة الى الحالة السابقة وتلك المرحلة انتهت، وهي خلاصة تفاعلات طويلة امتدت على مدار حوالي سبعة عقود منذ تشكيل الجامعة عام 1945، وهي ما يصح معها القول نهاية زمن نظام عربي وبداية نظام أخر ننتظر تجلي شكل هذا النظام وطبيعتة وحدود فاعليته وشكل التفاعلات داخله وذلك محكوما بالشكل الذي ستنتهي اليه الدول العربية بالدرجة الأولى بإعتبارها حجر الأساس في أي نظام يتشكل.

بقلم د. أشرف ابوعابدة

 

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *